السعودية والمقاربة المختلفة عن أميركا.. عقوق أم تكتيك؟
صحيفة الأخبار اللبنانية ـ
معمر عطوي:
تنحو العلاقات بين الدول منحى تعزيز المصالح وخلق التوازنات التي تؤمّن الاستقرار فينعكس على وضعية كل طرف، مع ذلك هي ليست علاقة تطابق دائم ولا هي تماماً علاقة تبعية مطلقة، لا سيما إذا شعر التابع بأن المتبوع قد يبيعه بثلاثين من الفضة، كما تشعر اليوم السعودية ومن خلفها تركيا إزاء الاقتراح الروسي حول وضع السلاح الكيميائي السوري
هكذا هي علاقة السعودية بالولايات المتحدة اليوم، تحكمها مفاصل معقّدة وتتحكم بها عقد آيديولوجية وجيوستراتيجة، فتتأرجح ما بين تعاون في ملفات معينة وخروج عن السياق في ملفات أخرى؛ مثل الموقف من اقتراح روسيا حول وضع الأسلحة الكيميائية السورية تحت إشراف دولي مقابل عدم توجيه ضربة إلى سوريا.
ومع أن الظاهر هو شعور الرياض بأن واشنطن باعتها الى روسيا في موضوع هذه المبادرة التي صاغها مسؤولون روس وأميركيون، الا أنه في كل الأحوال لا يمكن استبعاد عامل توزيع الأدوار وفق التباين بين رؤى مختلفة داخل هذه الإدارة أو تلك، والذي قد يخدم البلدين في آخر المطاف. ففي النهاية يُطرح سؤال عما اذا كان ذلك عقوقاً أم تكتيكاً.
الملف المصري وتداعيات عزل الرئيس المنتخب محمد مرسي من منصبه، أظهرت سوأة هذه العقد التي عرّت وجه العلاقات التاريخية بين بلدين أصلاً لا تجمعهما سوى المصالح. لعل الأزمة المصرية وتصاعد التباين بين واشنطن والرياض حول دعم الإخوان المسلمين، من هذه التجليات، لا سيما أن جماعة الإخوان تشكل المنافس الرئيس لـ«الابن الشرعي» الوهابي للمملكة الخليجية وامتداداته داخل الحركات السلفية في الوطن العربي.
التباين بين الولايات المتحدة وحليفتها التاريخية في المنطقة، تجلّى في الأزمة المصرية حين أبقت واشنطن على دعمها للإخوان المسلمين، بينما دعمت الرياض العسكر بكل الإمكانات المُتاحة. لعلها رؤية المملكة للأهمية الجيواستراتيجية في ظل تنافس حاد مع جارتها القطرية التي تبنت مشروع «الإخوان» ودعمته لتبقى مُتحكمة بمفاصل هيكيلية الربيع العربي. طبعاً تركيا التي تلعب دور الوكيل القانوني لحلف شمالي الأطلسي في المنطقة تقف خلف قطر وتساندها في «أخونة» الثورات العربية بنكهتها الإسلامية المختلفة عما عرفه الاسلام السياسي في العالم العربي منذ بداية القرن الماضي.
في الدرجة الثانية، جاءت الأزمة السورية لتكشف حجم التباين بين مقاربتين إزاء الحل العسكري في بلاد الشام، فبدت المملكة أكثر حرصاً على تدمير سوريا، بحجة إسقاط النظام، فيما تبدو الولايات المتحدة مترددة في ذلك، مشددة في الوقت نفسه على أن أي ضربة لن تكون بهدف اسقاط نظام بشار الأسد، بل ضرب أهداف تعتبرها استراتيجية. هذا الموقف عبّر عنه وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، مراراً بتشديده على أن الحل في سوريا يجب أن يكون دبلوماسياً، وأن الضربة العسكرية ليست الحل النهائي، مشيراً الى موقف نظيره السعودي، سعود الفيصل، الذي نقل عنه قوله إن المملكة «تدعم الضربة العسكرية».
وبدا الأمر أبعد من ذلك، حين كشفت قناة CNN أن كيري أكد للنواب الديموقراطيين أن تركيا، ومعها السعودية والإمارات، عرضت تقديم الدعم العسكري لأي ضربة واستخدام قواعدها العسكرية في أي حرب محتملة ضد سوريا.
كيميائي سعودي
الدور السعودي ــ اذا صدقت التقارير الإعلامية ــ كان متمادياً في الخبث وارادة تصفية الحساب مع النظام السوري، ففي نهاية شهر آب الماضي، كشفت مراسلة لوكالة «آسوشييتد برس» عن أن «استخدام الكيميائي في الغوطة الشرقية لدمشق، كان بسبب أن بعض المسلحين تسلموا أسلحة كيميائية عن طريق رئيس الاستخبارات السعودية بندر بن سلطان، وهم من قاموا بتنفيذ هذا الهجوم».
إذا صحّت هذه المعلومات، فهي تؤكد حجم مساعي أطراف فاعلة في العائلة الحاكمة لمملكة النفط، من أجل أيجاد أعذار قانونية وانسانية لضرب سوريا، على غرار ما فعلت إدارة جورج بوش في العراق.
وفي رأي محللين أن السعودية لعبت دوراً كبيراً في دفع وزراء خارجية جامعة الدول العربية إلى الطلب من المجتمع الدولي معاقبة سوريا بسبب «استخدام نظامها للسلاح الكيميائي»، واعتُبر ذلك بمثابة «ضوء أخضر» لضرب دمشق.
وفي السياق نفسه، كتبت صحيفة «وول ستريت جورنال» في 26 آب الماضي، أن «السعودية هي رأس حربة الدول التي تسعى إلى إسقاط (الأسد) وبأي ثمن»، مشيرة إلى «مساعي رجل الاستخبارات واسع النفوذ، الأمير بندر بن سلطان، الذي أطلق حملة مكثفة هدفها إقناع العواصم الغربية بضرورة التحرك للإطاحة بنظام (الأسد) ومن ورائه (حزب الله) وإيران».
عقدة قطر
السعودية التي تعاني من حساسية زائدة ازاء جارتها قطر، حاولت هذه المرة تقليدها بنفخ حجمها ليلائم خريطة التحالفات والانقسامات الدولية، معتبرة كما الدوحة تماماً، أنها بالمال قد تلغي صراع الأقطاب العالميين. ففي 28 آب الماضي طرحت صحيفة «كريستيان ساينس مونيتور» الأميركية تساؤلاً حول الدور الذي يعتقد أن السعودية لعبته لرشوة روسيا من أجل التراجع عن دعم حليفتها سوريا، بمبلغ وصل إلى 15 مليار دولار، وامتيازات نفطية مغرية.
وأشارت التقارير إلى اجتماع عقد في 31 تموز لمدة أربع ساعات بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ورئيس الاستخبارات السعودية الأمير بندر بن سلطان.
كذلك كشفت صحيفة «ديلي تليغراف» في 29 آب، أن السعودية عرضت على روسيا صفقة سرية ضخمة تسيطر بموجبها على سوق النفط العالمية وتصون عقود الغاز الروسية مقابل تخلي الكرملين عن نظام الأسد.
وأشارت الصحيفة إلى أن المحادثات يبدو أنها تعرض تحالفا بين كارتل الدول المصدرة للبترول (أوبك) وروسيا، اللذين ينتجان معاً أكثر من أربعين مليون برميل يوميا، أي نحو 45 في المئة من الإنتاج العالمي. وأضافت أن هذه الخطوة لو وافق عليها الروس كان يمكن أن تغير المشهد الإستراتيجي العالمي.
وبدا ان العرض السعودي تضمن إغراءً وتهديداً في آن واحد، فقد نقلت صحيفة «السفير» اللبنانية أن الأمير بندر تعهد بحماية القاعدة البحرية الروسية في سوريا إذا أطيح نظام الأسد، لكنه أبلغ بوتين ايضاً قائلاً: «أستطيع أن أضمن لكم حماية الألعاب الأولمبية الشتوية العام المقبل (في مدينة سوتشي الروسية).. المجموعات الشيشانية التي تهدد أمن الألعاب تحت سيطرتنا».
وعبّر الرجل الاستخباري الأول في الخليج عن قدرته على ضبط الشيشانيين الذين يقاتلون مع التيارات «الجهادية» في سوريا، قائلاً «هذه الجماعات لا تخيفنا ونحن نستخدمها في مواجهة النظام السوري لكنها ليس لها دور في المستقبل السياسي لسوريا».
رشوة شيوخ أميركا
وبينما أحال الرئيس الأميركي باراك أوباما موضوع التدخل العسكري على الكونغرس، نقلت قناة «برس تي في» الايرانية في 7 ايلول الحالي عن المؤرخ الأميركي وبستر غريفين تاربلي، قوله إن «هناك تقارير تفيد بأن السعوديين والقطريين يعرضون كميات كبيرة من الأموال على شكل رشى تقدم لأعضاء مجلس الكونغرس الأميركي وعائلاتهم ومصالحهم السياسية والتجارية» للموافقة على ضرب سوريا.
وكشف تاربلي أن «وزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون، تلقت مبلغاً قدره 500 ألف دولار على شكل مجوهرات من الملك السعودي (عبدالله بن عبد العزيز) وهي تؤيد الحرب الأميركية ضد سوريا».
وفي تقرير أعدته صحيفة «إندبندنت» بعنوان «الرابطة السعودية: أمير سعودي وثيق الثقة بواشنطن في قلب الدعوة للحرب على سوريا»، بتاريخ 27 آب الماضي، كتب ديفد أوزبورن أنه على الرغم من مغادرة الأمير بندر العاصمة الأميركية منذ ثماني سنوات، فإن السفير السابق للمملكة لدى واشنطن، والذي كان له تأثير على ما لا يقل عن خمسة رؤساء أميركيين، عاود الظهور كشخصية محورية في محاولة الولايات المتحدة وحلفائها لتغيير توازن ساحة القتال في سوريا.
ويضيف أن الأمير بندر، الذي عينه عمه الملك السعودي العام الماضي رئيساً للاستخبارات السعودية لمرة ثانية، كان على مدى شهور يعمل بصورة حصرية لحشد التأييد الدولي للمعارضة المسلحة السورية، بما في ذلك تسليحها وتدريبها سعياً لإسقاط الرئيس الأسد.
ويلفت الصحافي البريطاني الى أن الاستخبارات السعودية برئاسة بندر، كانت أول من نبّه حلفاءها الغربيين إلى «استخدام النظام السوري» لغاز السارين في شباط الماضي. الأمر الذي يشير بوضوح الى أن سياسة الرياض تعمل في اطار توزيع الأدوار بين دول المنطقة التي تحلّق في فلك الولايات المتحدة، فتتبع تكتيكاً مخالفاً لسيدها في البيت الأبيض لتظهر أن الاعتداء على أي دولة عربية ليس مؤامرة خارجية إنما هو قرار عربي يؤكد واقعية المثل اللبناني: «دود الخل منه وفيه».
ضربة للسعودية وقطر
كتب أنغوس مكدوال وآمنة بكر تقريراً نشرته وكالة «رويترز» أول من أمس جاء فيه:
إن قرار واشنطن في اللحظة الأخيرة بتأجيل توجيه ضربات عسكرية الى سوريا، شكّل ضربة للسعودية وقطر لكن الدولتين اللتين تسلحان مقاتلي المعارضة السورية لن تتخليا سريعا عن حرب كلفتهما مليارات بالفعل.
وفي حين أن من المستبعد الآن، فيما يبدو، أن ينهار الأسد قريباً ولا يبدي الغرب رغبة في الإطاحة به بالقوة لا يواجه زعماء الخليج خيارات تذكر عدا مواصلة تمويل المعارضة وسط جمود عسكري دائم أدى بالفعل إلى مقتل 100 ألف شخص. ونقلت عن دبلوماسي عربي قوله «إذا لم تشن الولايات المتحدة هجوماً فلا توجد في الحقيقة حتى الآن خطة بديلة وضعتها دول مجلس التعاون الخليجي»، مضيفاً أن «ما أقوله بسيط: لا توجد لديهم خطة». ويرى حكام دول الخليج أن هزيمة الأسد مسألة أساسية في مواجهتهم مع إيران الداعم الإقليمي الرئيسي له.
ويتبنى الزعماء الغربيون على ما يبدو الموقف نفسه منذ عام 2011 وطالبوا مراراً بإزاحة الأسد عن السلطة ويصرون على أن الحل ليس ممكناً ما لم يرحل. لكن الجهود الدبلوماسية الأحدث للغرب تركز على تفكيك مخزون الأسد من الأسلحة الكيميائية وليس على الإطاحة به من السلطة، تاركين دول الخليج العربية وحيدة.
(رويترز)