السعودية تستغل يوم عرفة للتحول من الوهابية إلى “الإبراهيمية”
موقع العهد الإخباري-
إيهاب شوقي:
يبدو أن السعودية تصر على أن تستغل سيطرتها على الحرمين الشريفين دوما وما لهما من مكانة وقبلة جامعة للمسلمين كافة، في ترويج نسختها الخاصة من الإسلام، وتصر على تقديم نسخة مشوهة من الدين.
الخطير هنا أن هذا الإصرار السعودي يتخطى نطاق التضليل الفكري وتشويه جوهر الدين إلى نطاق الفتنة العملية والاقتتال والدماء والحيلولة دون الوحدة الإسلامية والتي هي الطريق الأكثر نجاحا وأقل كلفة لاستعادة الحقوق.
وبعد عقود من نشر الوهابية والإنفاق الباهظ والخيالي على ترويجها والذي تخطى إنفاق الاتحاد السوفياتي على نشر الشيوعية، وبعد أن فعلت مفاعيلها في نشر التكفير والفتن وأريقت على أثرها الدماء وأكثرها دماء المسلمين، اتجهت المملكة في نسختها الجديدة لنشر التطبيع والتفريط عبر تبني نموذج بات يعرف إعلاميا بـ”الديانة الإبراهيمية”.
هذا النموذج هو المرجعية الدينية المطلوبة أمريكيا وصهيونيا للتطبيع المدرج تحت بند الاتفاقات الإبراهيمية.
ورغم أن منبر الحرم تم استغلاله مرارًا وتكرارًا لنشر الفتن وتوجيه الدعايات السوداء ضد المقاومة، إلا أن العام الحالي يشهد تطورًا لافتًا لاستغلال يوم عرفة ومنبر الحرم في مشهد ملحمي يليق بأن يكون مشهدًا ختاميًا لمرحلة طويلة من الخزي والعار، حيث تعتلي منبر يوم عرفة شخصية مشبوهة وتطبيعية، يراد عبرها استغلال يوما جامعا للمسلمين، لتهيئة الأرضية لزيارة بايدن ولتدشين تسلم ولي العهد للعرش، وكأن جميع الحجاج من كافة البلاد الإسلامية مطايا وممثلون من فئة الكومبارس في مسرحية انتقال العرش وتهيئة الأجواء لعقد اتفاقات وصفقات جديدة للتطبيع على أعتاب مرحلة أكثر خزيًا للأنظمة العربية.
رغم خطورة الوهابية واستغلال منبر الحرم المكي لترويجها، إلا أن فئة من المسلمين لم يروا فيها خروجًا عن الدين بل افتتن بها البعض واعتبروها توحيدًا خالصًا وأن الأغيار منحرفون بل وكافرون، إلا أن استغلال المنبر للترويج لديانة جديدة تطبيعية هو أكثر فتنة لأنه محل رفض شبه جماعي.
هنا نحن أمام فتنة ربما تكون أكثر خطورة من فتنة الوهابية، حيث يتم فرض أمر واقع، مفاده إما الاستسلام والصلاة وراء المطبعين واتمام المناسك خلفهم، أو الرفض وفتح الباب للتمرد والعنف داخل الحرم!
دشنت المملكة مشروع ترجمة خطبة يوم عرفة لاستهداف 150 مليون مستفيد بـ 14 لغة، وذلك ضمن الخطط المتكاملة لنشر رسالة الدين الإسلامي “السعودي”، وفقا لمستهدفات رؤية 2030 المتعلقة بولي العهد.
وكلفت المملكة عضو هيئة كبار العلماء، والأمين العام لرابطة العالم الإسلامي، التابعتين للنظام السعودي، محمد بن عبد الكريم العيسى، بالخطبة والصلاة في يوم عرفة بمسجد نمرة في موسم حج هذا العام.
تسارعت التغريدات الرافضة، وأرفقت بالتغريدات صور العيسى وهو يصلي على ضحايا “الهولوكست” وصور استقباله للزعيم الهندوسي المتطرف سادغورو، المعروف بعدائه للإسلام والمسلمين، وتطاوله على النبي الأكرم (ص) في لقاءات عدة.
ويمكن هنا تقييم بعض من سيرة العيسى الحافلة بالشبهات لبيان مدى التطاول على المنبر النبوي وما قدمته المملكة من جريمة في حق هذا المنبر الشريف:
– منحته الأمم المتحدة الدكتوراه الفخرية عبر جامعتها الأكاديمية التي تتخذ اسما بات مشبوها وهو “جامعة السلام”، تقديرًا لجهوده الاستثنائية في دعم الدبلوماسية الدولية، وتعزيز “الصداقة والتعاون” بين الشعوب، ونضاله المؤثر في “مكافحة الكراهية”.
– منحته لجنة جائزة “باني الجسور” النرويجية جائزتها العالمية لعام 2021، لقيامه بعملٍ استثنائيٍّ في تجسير العلاقة بين أتباع الأديان والحضارات، وبوصفه قوةً عالميةً رائدةً في الاعتدال ومكافحة الأيديولوجيات المتطرفة، وصوتًا واضحًا ومتميزًا للسلام والتعاون بين الأمم والأديان.
– في عام 2020 احتفت “إسرائيل” بتصريحات الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي، محمد العيسى، بشأن معاداة السامية.
– نشرت وزارة الخارجية الإسرائيلية عدة تغريدات على حسابها الرسمي في “تويتر”، للاحتفاء بتصريحات محمد العيسى، خاصة حيال مناداته بإعادة بناء جسور الحوار وأواصر الشراكة بين اليهود والعرب، وقالت صفحة “إسرائيل بالعربية”، الناطقة بلسان الخارجية الإسرائيلية، في تغريدتها، “إن الإعلام الإسرائيلي أبرز تصريحات الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي محمد العيسى، الذي أدان إنكار المحرقة ومعاداة السامية، ودعا إلى بناء الحوار بين مسلمين ويهود، ووصفه الإعلام الإسرائيلي بأنه صوت قوي ورائد ضد التطرف، يعبر عن الإسلام المعتدل”.
وفي تغريدة أخرى لـ”إسرائيل بالعربية”، نقلت على لسان محمد العيسى أنه “بينما عاش اليهود والعرب جنبا إلى جنب على مدى قرون، من المحزن أننا ابتعدنا في العقود الأخيرة عن بعضنا البعض. نحن ملزمون حاليا بإعادة بناء جسور الحوار وأواصر الشراكة بين مجتمعاتنا”.
– العيسى زار معسكر “أوشفيتز”، بالتزامن مع إحياء “إسرائيل” الذكرى الـ75 لما يسمى “الهولوكوست” في مؤتمر دولي حضره رؤساء وملوك وأمراء 41 دولة حول العالم.
– في مقابلة مع شبكة Fox News الأمريكية نيسان/ إبريل 2022 قال محمد العيسى، إن إجراء محادثات مع قادة دينيين يهود ومسيحيين وكاثوليك أمر بالغ الأهمية، إلا أن رابطة العالم الإسلامي تريد القيام بالمزيد من المشاريع العالمية واسعة النطاق مع ديانات ودول مختلفة أخرى. وأضاف: “أدركنا منذ فترة طويلة الصداقة والاحترام الحيويين بين الديانتين الإسلامية واليهودية”.
– وفي آب/ أغسطس 2021 أعلنت الرابطة بزعامة العيسى توقيع اتفاق شراكة استثنائية مع معهد طوني بلير للتغيير العالمي، لجمع رؤيتي المؤسستين. وأشارت الرابطة إلى أنها ستعمل مع بلير على مدى السنوات الثلاث المقبلة، على تقديم برنامج عالمي لتزويد 100 ألف شاب بين أعمار 13-17 بمهارات التفكير والنقد، في 18 دولة، لمواجهة تحديات فرص المستقبل وفق وصفها. كما سيعمل البرنامج من خلال شبكات المدارس وشركاء التعليم حول العالم على تدريب أكثر من 2400 معلم على “مهارات الحوار مثل التفكير الناقد، والاستماع النشط، والتواصل العالمي، لنقل هذه المهارات إلى طلابهم، وبذلك سيسهم البرنامج في بناء قدر أكبر من التفاهم المتبادل والتسامح والثقة بين الشباب ومجتمعاتهم، وتصحيح المفاهيم حول التنوع الديني والثقافي”.
إن التعاون مع طوني بلير وهذه الجهود الدولية تتخطى نطاق الانصياع للتطبيع لتمرير تسلم العرش، لتصل لنطاق تبني نسخة إسلامية سعودية جديدة تفتتح بها عصر التطبيع ونشر هذه الثقافة على منابر المساجد بعد إنزال النسخة الوهابية منها لتستمر السعودية في تشويه الدين وانفاق ثروات المسلمين التي نهبتها من باطن الأرض لتنشر بها الفتن والعار على ظهرها.