الراعي: لولا «حزب الله» لكان «داعش» في جونيه
صحيفة السفير اللبنانية ـ
كتب المحرر السياسي:
لبنان بلا رئيس للجمهورية لليوم السادس والثلاثين بعد المئة على التوالي.
… ولبنان صارت تتحكم بدروبه وشرايينه «النصرة» و«داعش»، سواء بتوزيع برنامج يومي لذوي العسكريين المخطوفين، يحدد الطرق الواجب قطعها تحت طائلة تهديد حياة أبنائهم من عسكريي الجيش وقوى الأمن الداخلي، أم من خلال إدارة دفة السياسة عند فريق سياسي لبناني سارع لاستثمار ما جرى من تطورات أمنية بالغة الخطورة يوم الأحد الماضي في سلسلة جبال لبنان الشرقية، عبر تحميل «حزب الله» مسؤولية ما حصل ودعوته للانسحاب فورا من سوريا، كما ردد سمير جعجع والأمانة العامة لقوى «14 آذار».
وكان لافتا للانتباه أيضا أن بعض وسائل الإعلام العربية واللبنانية تعاملت مع الشريط الذي عممته «النصرة» بما تضمنه من موسيقى تصويرية وأناشيد وصور وكأنه «غنيمة سينمائية» استوجبت ضيوفا وتعليقات!
ووسط هذا «الصدى اللبناني»، السياسي والإعلامي، مع تطورات جرود بريتال، كشف مصدر لبناني واسع الاطلاع لـ«السفير» أن البطريرك الماروني بشارة الراعي، وعشية سفره إلى الفاتيكان، ردد أمام حلقة ضيقة في الصرح البطريركي في بكركي أنه «لو سئل المسيحيون في لبنان اليوم عن رأيهم بما يجري من تطورات، لرددوا جميعا أنه لولا «حزب الله» لكان «داعش» قد أصبح في جونيه».
ما حصل في جرود بريتال، أمس الأول، على مسافة نحو شهرين من «غزوة عرسال»، هو جرس إنذار، يضع البلد أمام أسئلة الحد الأدنى من التماسك الداخلي في مواجهة الخطر التكفيري، فماذا في الوقائع؟
وقائع المواجهات
تقول مصادر أمنية موثوقة لـ«السفير» إن مقاتلي «حزب الله» خاضوا، أمس الأول، مواجهات شرسة في جرود بريتال وأفشلوا هجوما شنه مسلحون ينتمون إلى «جبهة النصرة» في اتجاه مواقعهم هناك، ما أدى إلى سقوط ثمانية شهداء للحزب، فيما سقط للمجموعات الإرهابية عشرات القتلى والجرحى وبينهم أحد القادة الميدانيين.
وأشارت المصادر إلى أن مئات المسلحين التابعين لـ«النصرة» قَدِموا من جرود عسال الورد وفليطا وحام وسرغايا في منطقة القلمون، وشنوا ظهر الأحد الماضي هجوما واسعا على نحو 15 نقطة لـ«حزب الله» موزعة بين منطقة «النبي سباط» في جرد بريتال وصولا إلى جرد يونين المتصل بجرد عرسال، ممهدين لذلك بقصف تمويهي طال منطقة جرود عرسال، وفي الوقت ذاته، بقصف عنيف استهدف نقاطا عسكرية للحزب قبل الهجوم عليها.
ولفتت المصادر إلى أن الهجوم تم لحظة صلاة الظهر، ولكن العناصر التابعة لـ«حزب الله» تمكنت من صد الهجوم ووقف تقدم المسلحين في معظم النقاط باستثناء خرق أصاب مركز «عين الساعة» المؤلف من ثلاث نقاط، ويقع في نقطة متقدمة في منطقة الحدود اللبنانية السورية المتداخلة في جرد النبي سباط الذي يبعد عن بريتال نحو ثلاثين كيلومترا.
وقالت المصادر إن المسلحين تمكنوا من السيطرة لبعض الوقت على نقطة واحدة لـ«حزب الله» في «عين الساعة» وتمكنوا من قتل ستة من عناصر الحزب كانوا بداخلها، قبل أن يعيد الحزب الإمساك سريعا بزمام المبادرة عبر هجوم مضاد وسريع أمكن بنتيجته استعادة النقطة وقتل وجرح عدد من المسلحين.
وبحسب المصادر نفسها، فإن الاشتباكات استمرّت ساعات عدة، واستخدمت فيها الأسلحة الرشاشة والصاروخية والمدفعية، وكان اللافت للانتباه اندفاع المئات من أبناء بريتال والقرى المحيطة بها بأسلحتهم الفردية للمشاركة في التصدي للمجموعات المهاجمة.
وأشارت المصادر إلى أن مقاتلي «حزب الله» نجحوا في الإطباق على تلك النقطة التي سيطر عليها المسلحون، بعدما استخدموا قوة نارية كبيرة بالتوازي مع استخدام «التشريك» وتكتيك العبوات الناسفة التي زرعت في بعض التلال والطرق الجبلية، إلى جانب المدفعية والراجمات الصاروخية التي استهدفت المهاجمين وأدَّت إلى قتل أعداد كبيرة منهم.
وأوضحت المصادر أن المجموعات المسلحة نفسها كانت قد شنت قبل عشرة أيام هجوما مماثلا على بعض المراكز في المنطقة نفسها، وسعت للنزول إلى بلدة عسال الورد، لكن تم إفشال الهجوم.
ولفتت المصادر الانتباه إلى أن هذا الهجوم سبقته أيضا محاولات عدة في الأسابيع الأخيرة من قبل مجموعات إرهابية متمركزة في جرود القلمون وعرسال يقدر عددها بنحو ثلاثة آلاف مسلح بقيادة أمير «النصرة» في القلمون المدعو أبو مالك التلي، وذلك في اتجاه خطوط حدودية أمامية محصنة وحساسة يسيطر عليها الجيش السوري و«حزب الله».
أهداف الهجوم
وقالت المصادر إن هجوم مسلحي «النصرة» يهدف، على الأرجح، إلى الآتي:
أولا، تحقيق هدف معنوي تكتيكي، يتمثل بتسجيل نصر عسكري على «حزب الله»، أيًّا كان شكل هذا الانتصار أو حجمه.
ثانيا، تحقيق هدف تكتيكي يتمثل في محاولة إحداث ثغرة تُمَكِّن المسلحين من إيجاد «معبر آمن» للنفاذ منه إلى «مأوى دافئ»، في مواجهة «جنرال البرد والصقيع» في جرود القلمون، خصوصا في ظل شح المحروقات ووسائل التدفئة، ناهيك عن الشح في المواد التموينية والطبية، بعدما كانوا قد رفضوا عرضا قدمه الجيش السوري لهم باستعداده لتوفير ممر آمن لهم فقط باتجاه مناطق البادية السورية!
ثالثا، توجيه رسالة مفادها أنه «برغم الحصار لسنا في حالة سكون بل لدينا قدرة على وضع الخطط وتنفيذها واختيار التوقيت والظرف المناسبين لذلك».
رابعا، محاولة تحقيق هدف استراتيجي يتمثل في الإطباق على كل النقاط التي يسيطر عليها «حزب الله» في جرود بريتال ويونين ونحلة، والتي يقطع من خلالها الحزب الطريق ما بين جرود القلمون شمالا وبين الزبداني جنوبا داخل الأراضي السورية.
خامسا، إذا تعذر تحقيق البعد الميداني السوري من المعركة نتيجة الكماشة السورية التي تمنع تمدد المسلحين في العمق السوري، خصوصا وأنهم يسجلون تراجعا تلو الآخر، يوما بعد يوم، فإن البعد اللبناني (خصوصا السياسي) صار حاضرا في حسابات المجموعات المسلحة ورعاتها الإقليميين.
وتقول المصادر إن سيطرة المجموعات المسلحة على النقاط بين جرود القلمون والزبداني من شأنها أن تقدم نصرا معنويا وعسكريا، ويتيح لها إعادة تعديل لا بل تغيير قواعد الميدان الدمشقي، فضلا عن تأمين عمق استراتيجي يمتد من جرود القلمون إلى الزبداني وصولا إلى منطقة المصنع الحدودية ومنها إلى بعض قرى البقاع الغربي الحدودية، وفي الوقت ذاته، جعل منطقة بريتال وجوارها مشرعة على احتمالات شتى، تماما كما كان المسلحون يخططون في «ليلة القدر»، لاقتحام بلدات بقاعية وخطف وقتل كل من يعترض طريقهم من المدنيين والمسلحين اللبنانيين على حد سواء.
ولفتت المصادر الانتباه إلى أن «حزب الله» كان مستعدا لاحتمالات وسيناريوهات عسكرية خطيرة، وهذا العنصر أدى إلى إفشال معظم أهداف المهاجمين التكتيكية والاستراتيجية، وقالت إن الحزب يدرك أبعاد المشروع الخطير الذي يسعى له هؤلاء التكفيريون والذي يريدون من خلاله إدخال لبنان في أتون فتنة قاتلة وشر مستطير.
خيارات أمام المسلحين
ماذا بعد فشل «النصرة» في تحقيق أهداف «غزوة بريتال»؟
تقول المصادر نفسها إن المسلحين لن يتوقفوا عن محاولة اختراق الطوق المفروض عليهم في جرود القلمون وعرسال، وبالتالي أمامهم خيارات متعددة:
أولا، الذهاب في اتجاه القلمون السوري، وهذا خيار فاشل بسبب إغلاق الجيش السوري و«حزب الله» كل المنافذ أمامهم.
ثانيا، إعادة تكرار محاولة اقتحام جرود بريتال، وهذا الخيار سيكون مكلفا أكثر من المرات السابقة، خصوصا محاولة الأحد الماضي في ضوء الإجراءات التي اتخذها «حزب الله» وبينها الاستعانة بـ«قوات النخبة» في المواقع المتقدمة.
ثالثا، القيام بـ«محاولات إشغال» في أماكن متعددة بدءًا من شبعا والعرقوب والبقاع الغربي (مجدل عنجر) عبر بعض الخلايا، وصولا إلى الشمال لا سيما في طرابلس، وكذلك إلى الداخل وخط الساحل جنوبا، وهذا ما يوجب رفع مستوى اليقظة والتنبه.
رابعا، محاولة التركيز على بعض النقاط الرخوة والضعيفة، لا سيما في القاع ورأس بعلبك لتوجيه ضربات، وشن هجمات على قرى تلك المنطقة، وربما ارتكاب مجازر إذا استطاع المهاجمون الوصول اليها.
خامسا، وهذا الأخطر والأرجح، وهو محاولة تكرار «غزوة عرسال» خصوصا أن قائد الجيش العماد جان قهوجي توقع صراحة قبل أيام قليلة عودة المواجهات مع المجموعات المسلحة في عرسال .