«الرئيس»…«السيّد»… وحديث الانتصار مع إقرار أميركيّ
صحيفة البناء اللبنانية
د. أمين محمد حطيط:
دخل العدوان على سورية مرحلة جديدة تمكّن المهتم بالشأن من الإطلالة الواثقة على أفق المواجهات التي نفذت وتنفذ في سياق هذا العدوان، وعلى نحو مكّن الرئيس بشار الأسد من تحديد المهلة الزمنية المبدئية للانتهاء من «العمليات العسكرية الرئيسية النشطة» وحصرها بعام يتنقل بعده إلى استئناف محاربة الإرهاب بالأسلوب الذي احترفته سورية في الأعوام السابقة وميّزت فيه بين مقاومة مشروعة واجبة الدعم احتضنتها فعلياً، منتظمة في محور إقليمي لها ارتقى حتى امتلك قدرات جعلته لاعباً رئيسياً في المسرح الإقليمي مؤثراً في العلاقات الدولية، وبين إرهاب مرفوض تعمل على محاربته واجتثاثه جدياً وفعلياً خلافاً للنفاق الذي يمارسه الغرب بقيادة أميركية إذ يدعي محاربة الإرهاب علانية فيما هو يحتضنه ويغذّيه ويستعمله في الخفاء ومن وراء الأقنعة.
في موقف تكاملي مع الموقف السوري، أعلن السيد حسن نصرالله بثقة تامة ووضوح تام «أن سورية خرجت من دائرة الخطر»، فلا النظام الآن في موقع يهدد فيه بالسقوط، ولا الدولة في دائرة تهدّد فيها بالتقسيم، فكان كلام ملطف أطلقه «السيد»، بيد أنه كلام يترجم باللغة الاستراتيجية والعسكرية الدقيقة بعبارات أشد وقعاً مفادها أن العدوان على سورية فشل في تحقيق أهدافه. أي أن العدوان هزم لأن معيار هزيمة المهاجم هو منعه من تحقيق أهدافه. وبما أن العدوان لم ينطلق أصلاً إلا لإسقاط النظام ونقل سورية من موقعها الاستراتيجي الموجودة فيه راهناً وسط محور المقاومة، إلى الموقع المعاكس، أي إلى حضن أعداء المقاومة من أرباب المشروع الصهيو ـ أميركي وأدواتهم الإقليمية، عربية كانت أو غير عربية، أو على الأقل تفتيتها والإجهاز على فاعليتها في هذا المحور عبر التقسيم وإنشاء الكيانات الواهنة المتناحرة على أنقاضها. وبما أن أيّاً من هذين الهدفين بات مستحيل التحقيق في ظل تنامي قدرات الدفاع وتراجع قدرات الهجوم العدواني، فإننا نقول بدقة وثقة إن العدوان على سورية هزم، وتبقى مسألة وقت للعودة إلى الوضع الطبيعي، حتى لو طال ذاك الوقت قليلاً، فمصير الأمم والدول لا يحدد ويرسم بالأسابيع والأشهر. وحتى تكتمل الصورة، واستناداً إلى القول بأن «الفضل ما شهدت به الأعداء»، نتوقف باهتمام بالغ عند ما نسب إلى جون كيري وزير خارجية أميركا في شهادة له حديثاً أمام لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي، إذ اعترف بأن «أي عمل عسكري أميركي قد ينفذ ضدّ سورية أو لو كان نفذ في آب 2013 ما كان ليغير شيئاً في مسار الحوادث»، مؤكداً أن «الحرب في سورية لن تنهيها ضربة عسكرية خارجية بل تنتهي فقط من خلال اتفاق سياسي». ونرى أن هذا الموقف الرسمي الأميركي الموثق في مؤسسة دستورية أميركية هو بمثابة إعلان أو إقرار أميركي بالهزيمة في سورية، ونقول هزيمة لأن أميركا تدرك بلا شك أمرين:
ـ أولاً أن الميدان في سورية هو لمصلحة الدولة، ومن غير الممكن بعد الآن تغيير المعادلات فيه في ظل تراكم الإنجازات العسكرية السورية، إلى حد يستحيل معه الكبح أو الاحتواء والإجهاض.
ـ ثانياً، أن الحل السياسي الذي يمكن التوصل إليه لن يكون إلاّ ترجمة للواقع الميداني من ناحية، وللقرار الشعبي السوري المعبر عنه على لسان الممثلين الشرعيين للشعب السوري وهم الذين يتولون الحكم والسلطة في سورية من ناحية ثانية.
على ضوء هذه الإعلانات ـ المواقف، بالغة الأهمية، نستطيع القول ببدء المرحلة النهائية من الحرب على سورية، والتي يبدو أن سقفها لن يتجاوز أيام عام 2014 مثلما حدد الرئيس الأسد بعبارة «العمليات العسكرية الرئيسية النشطة»، وتعني هذه العبارة أن الدولة ستتوصل في نهاية العام إلى العودة إلى جميع المناطق التي أفسد المسلحون أمنها وأخرجوها من تحت السيطرة الشرعية للدولة، ما يعني أن الدولة ستتمكن خلال هذه المهلة من حسم أمر الجبهات من الشمال إلى الجنوب فالشرق، والانتهاء من تنظيف منطقة الوسط وكسر الحواجز والخطوط التي تحول دون وجودها الفعلي المباشر في أي من مدن تلك الجبهات وبلداتها. وتتحوّل بعد ذلك للتعامل مع خطر الجيوب والخلايا المتناثرة المتبقية في الداخل السوري أو المتسللة إليه.
نقول هذا بعدما نجحت الدولة السورية في تطهير أكثر من 85 في المئة من المنطقة الوسطى وعزلت لبنان عن الميدان السوري على نحو شبه تام، إثر تطهير القلمون والإجهاز على آخر مواقع المسلحين الأساسية في رنكوس، وهي تتقدم بشكل منهجي وبخطى ثابتة في حلب إلى حد أعلن الغرب نفسه أنها باتت تملك سيطرة على 80 في المئة من المدينة، كما أنها احتوت الخرق العسكري الاستراتيجي الذي قامت به تركيا عبر ائتلاف الجماعات المسلحة في اتجاه كسب، وأدى هذا الاحتواء إلى إسقاط إحدى أهم الأوراق الذهبية التي كانت تحتفظ بها جبهة العدوان انطلاقاً من تركيا في اتجاه الساحل السوري، مع التأكيد على ما تم من لجم الاندفاعة التركية في دعم هذا الهجوم وما رسم لتركيا من سقف لحركتها على طبقتين: طبقة إيرانية أفهمتها أن الذهاب بعيداً سيفتح جبهات عليها ليست في حسابها الآن ولن تحتملها إن فتحت، وطبقة أطلسية أفهمتها أن الناتو غير جاهز لدخول حرب لو استدرج إليها، وأن عليها أن تتوخّى الحذر في تدخلها.
أما على الجبهة الجنوبية، وعلى رغم كل ما يحاول الإعلام المعادي تصويره من «إنجاز استراتيجي بالغ الأهمية» تمثل في تمكن المسلحين من الوصول إلى «مرتفع التل الأحمر الغربي» في جبهة القنيطرة، والتهويل بإمكان تطوير الهجوم في العمق السوري شمالاً أو في عرض الجبهة شرقاً وغرباً، فإننا نرى أن هذه العملية ستبقى تحت سقف منخفض ولن تغيّر من اتجاهات النتائج لأكثر من اعتبار، أهمها ما يعود إلى القدرات العسكرية السورية في الجنوب، وهي قدرات جهزت وأعدت لاحتواء هجوم «إسرائيلي» بأربع فرق مدرعة وتحطيمه، وثانيها يتعلق بقدرات المسلحين وداعميهم ولا يمكن أن تصل إلى مستوى يمكنها من تحقيق هذا الإنجاز، وثالثها ما يتعلق بمستوى التدخل الذي يمكن أن تصل إليه «إسرائيل» والأردن في دعم هذا الهجوم، بخاصة بعدما ثبتت معادلة توازن الردع بين «إسرائيل» ومحور المقاومة، وما بات يخشاه الأردن من انقلاب المشهد ضده وفتح الطريق أمام الوطن البديل.
أما جبهة الشرق فإن أمرها كما يعلم الاستراتيجيون والعسكريون المحترفون ليس بالأمر المعقد، لأكثر من اعتبار، وفي ذلك ما يتعلق بالموقع الجغرافي أو الطبيعة والحجم الديمغرافي والقدرات العسكرية على المناورة، لذا لا نرى أن الإجهاز على المسلحين فيها سيستلزم وقتاً طويلاً حين يتم الوصول إليها، وفقاً للائحة الأولويات المعتمدة منذ سنة والتي تحققت بنودها بدقة بالغة من غير تعثر في أي بند منها.
على ضوء ما تقدم، نجد أن مواقف الرئيس الأسد والسيد نصرالله لم تنطلق من فراغ ولم تكن مجرد شحنة لرفع المعنويات في سياق الحرب النفسية التي تتطلبها الحرب أصلاً، بل كانت «توصيفاً مخففاً» للواقع وبعبارات ملطفة، حتى أنها لم تصل إلى حد الإعلان عن كل ما يمتلكه محور المقاومة وما حققه في إطار حربه الدفاعية. سلوك يمكن وصفه بأنه سلوك الواقعيين المتواضعين، الذين يؤخرون إعلان الانتصار حتى تطفأ النار وينجلي الغبار عن الميدان ولا تتكرر «موقعة أحد».