الرئيس الأسد على ضفاف الخليج
صحيفة الوطن السورية-
عبد المنعم علي عيسى:
لم تكن الزيارة التي قام بها الرئيس بشار الأسد لدولة الإمارات العربية المتحدة يوم الجمعة 18 من شهر آذار الجاري مفاجئة في حدوثها، ولا مفاجئة في التوقيت الذي حصلت فيه، فطريق دمشق أبو ظبي كان قد أضحى مهيئا لعبور القوافل منذ العام 2018 الذي أعلنت فيه الأخيرة عن إعادة افتتاح سفارتها في الأولى، بعيد إغلاقها أواخر عام 2011 في سياق لعبت فيه الدوحة آنذاك دور رأس حربة يعتد بدعم أميركي بالدرجة الأولى ثم بدعم غربي، لم يكن يقل أهمية عن الأول، ثم إن ذلك الطريق كان قد شهد مؤخراً عبور قافلة تتعدى في طبيعة عملها اختبار صلاحية الطريق، وإن كانت ترمز، من بين ما ترمز إليه، إلى إعلان صلاحيتها تماما، الأمر الذي مثلته زيارة وزير الخارجية الإماراتي إلى دمشق ولقاؤه الرئيس الأسد في الثلاثاء 9 تشرين الثاني من العام الماضي، أما التوقيت فهو يستحضر لحظة دولية مفصلية، ويستحضر أيضاً لحظة إماراتية بدت من خلالها أبو ظبي تستشعر هبوب رياح قد تعصف بالمكاسب التي حققتها خلال عقد من الزمن، بل ربما تعصف بتراكمات فترة تمتد إلى مطلع الألفية الثالثة عندما برزت الإمارات كقوة إقليمية صاعدة لها مشروعها السياسي الذي يستثمر في الاقتصاد لفتح طرقات لا تستطيع حقائق القوة، وحدها، أن تفتحها.
من الصعب تخيل أن الموقف الإماراتي، الذي وصل مؤخراً إلى مديات مهمة، وكأنه حصل على ضوء أخضر أميركي تام، وأن زيارة الرئيس الأسد كانت قد حصلت في ضوء ذلك الضوء، والصعوبة إياها تتأتى عبر مؤشرين اثنين، أولهما هو محاولة «التفلت» الإماراتي، وكذا السعودي، الحاصل مؤخراً من القبضة الأميركية الذي يمكن لمسه عبر طريقة تعاطي الإثنين مع الطلبات الأميركية الرامية لضبط سوق النفط في أعقاب اندلاع الحرب الأوكرانية، وهذا مؤشر، فيما إذا ازداد تعمقه يمكن أخذه كمقدمة تشي بتحولات سياسية مهمة على المستوى الدولي، وثانيهما هو التعبير الأميركي عن «خيبة الأمل» الذي جاء على لسان المتحدث باسم الخارجية الأميركية نيد برايس الذي استخدم ذلك التعبير للتعليق على زيارة الرئيس الأسد إلى الإمارات.
صحيح أن السياسة الأميركية كانت، منذ الصيف الماضي، قد ارتسمت ملامحها تجاه عودة دمشق ومحيطها العربي إلى بعضهما بعضاً بصورة يمكن تلخيصها بأن واشنطن لن تقوم، في وقت قريب، بتطبيع علاقاتها مع دمشق، لكنها بالمقابل لن تمانع، أو تقف حجر عثرة، أمام الراغبين للقيام بذلك الفعل، لكن هذي السياقات اختلفت ما بعد انفجار الأزمة الأوكرانية، وما جرى هو أن واشنطن جهدت، وفشلت، في توسعة تحالفاتها الدولية في مواجهة روسيا، والجبهة السورية تمثل نقطة تماس حساسة في هذا الاتجاه، ثم إن الفعل، كما نقرأ، الذي جاء في سياق لحظة مفصلية، كان تعبيراً عن تراخي القبضة الأميركية، وفيها، أي في تلك اللحظة، بدا اللاعبون أميل إلى تلمس الرياح القادمة التي تشي للطامحين بإمكانية لعب أدوار أكبر، وعليه بات لزاما على هؤلاء التقاط اللحظة التي لا يمكن لهم تجاهلها أو تفويتها.
في التحليل يمكن القول إن الإمارات تسعى في الوقت الراهن لملء الفراغ الذي خلفه الابتعاد العربي عن الأزمة السورية، أقله منذ تدويلها العام 2012، فيما هدفه الأبعد هو محاصرة الدور التركي وتحجيمه في سورية، والسعي يستحضر انشغال روسيا بالأزمة الأوكرانية وما يمكن أن يخلفه من شقوق يمكن العبور من بين ثناياها لملء الفراغ الناجم عن ذلك الانشغال، وهذا يبرز بوضوح في تأكيد مندوبة الإمارات لدى الأمم المتحدة لانا زكي نسيبة التي قالت في كلمة ألقتها أمام مجلس الأمن الخميس 24 آذار إن بلادها «‹تشدد على أهمية التعاون بين مجلس الأمن والجامعة العربية لإيجاد حلول عربية للأزمات العربية، بما في ذلك الأزمة السورية، حيث يعد استقرار سورية ركيزة أساسية من ركائز الأمن العربي»، وعلى الضفة المقابلة، يمكن القول إن ذلك المسعى يستحضر أيضاً لحظة سياسية تشي بإمكان الصدام الخليجي مع الدور الأميركي، والمبررات في ذلك عديدة لكن أبرزها أن ثمة قناعة تولدت لدى جل عواصم الخليج تقول إن الانسحاب الأميركي من المنطقة حاصل لا محالة وإذا ما تأخر للغد فإنه لن يتأخر إلى ما بعد الغد، والرؤية إياها تخلص إلى أن الانسحاب المفترض يحدث والمنطقة في أوج استعارها، وبهذه الحالة تكون الولايات المتحدة قد عمدت إلى إشعال الحرائق ثم قررت الابتعاد عن لهيبها، وما يشي به الحراك الأميركي الأخير، ما بعد اندلاع الأزمة الأوكرانية، يشير إلى أن واشنطن عادت لتتبنى رؤيتها السابقة القائمة على أن الحرب السورية «بدأت لتبقى»، والراجح أن استعادة الرؤية السابقة مقلقة للخليج الذي بات يسعى إلى محاصرة النيران الملتهبة في سورية واليمن بالدرجة الأولى لشدة التصاق الآثار الناجمة عنهما بالأمن والاقتصاد الخليجيين على حد سواء.
من المؤكد الآن أن البوابة الإماراتية، التي انفتحت بعد نزع قفل الإرتاج منها، سوف تزيد من مروحة الخيارات السورية السياسية والاقتصادية على حد سواء، ومن الراجح أن تلك الخيارات سوف تكون أقل تكلفة من المطروح عليها والذي لبعضه أثمان لها علاقة بمسارب سياسية أو بالمواقف من بعض الملفات الداخلية أو الإقليمية، فيما حجم «الفتق» الذي يمكن أن ينجم عن ذلك الفعل سوف يتوقف على رزمة من الاستحقاقات التي ضربت المنطقة موعدا قريبا معها، وفي الذروة منها المشاورات اليمنية – اليمنية المرتقبة في الرياض برعاية الخليج الذي تعب من الصراع الدائر في اليمن وعليها، وهو بات أقرب لإيجاد تسوية شاملة لذلك الصراع بالتزامن مع حالة تعطش يمنية لوقف سيل الدم الذي طال أمد سيلانه، وإذا ما بدت تباشير انفراج في تلك المشاورات فإن مشهد التقارب السوري الإماراتي سوف يتكرر لنشهد نظائر له في عواصم خليجية أخرى، لن تكون الرياض مستثناة منها.