الدستور اللبناني: سيف من ورق

lebanone - flag

يبدو أن الأطراف السياسية في البلد اشتبه عليها ما هو مطلوب منها تجاه الدستور اللبناني، وبدلاً من أن يكون أساساً صلباً يدير الحياة السياسية في البلد، استحال سيفاً ورقياً طيّع بين أيديهم، يشهر عند الحاجة بوجه الآخر، ليعود ويغمد الى حين الحاجة المقبلة، وحين يطوف التوافق بين الأطراف، يمسي الدستور رقعة جافة يمسح فيها كل ما بلله التوافق، وهكذا تسير الدورة الطبيعية لمواد الدستور اللبناني وأوراقه، مرة سيفاً وأخرى رقعة، يغمد حينا ويسحب حيناً وتداور الأطراف على هذه العملية، فيما الكل يعلم انه لم يوضع ليكون سيفاً، ولا ذباحاً.

المضحك المبكي اليوم أنه لم تمضي مدة طويلة قبل أن ينقلب المشهد. بالأمس القريب كان فريق 14 آذار هو من يعطل جلسات المجلس النيابي بعدم تأمين النصاب اللازم لإنعقاد الجلسات، وكان فريق الثامن من آذار يتولى سحب “سيف الدستور” لإنتقاد خطوة الفريق الآخر. اليوم انقلبت الآية وبات فريق الثامن من آذار هو المتهم “بتعطيل إنتخاب رئيس الجمهورية” وعدم تأمين النصاب اللازم لإنعقاد الجلسة، فيما فريق الرابع عشر من آذار يتولى هذه الأيام التلويح بالسيف الدستوري.

تسخر مصادر قانونية مما تقوم به الأطراف السياسية، وتسخر أكثر من الخبراء القانونيين الذين يقومون مع كل مناسبة، بتفسير الدستور والإجتهاد في مواده، فتقول المصادر:” يكفي العودة الى الأرشيف لملاحظة التناقض بتفسير الدستور على لسان الخبراء القانونيين والمجتهدين أنفسهم. بات تفسير الدستور يتحول بين المراحل وفقا لما تتطلبه المرحلة وبحسب الهوا السياسي للمفسر والقانوني، أصبح الدستور لعبة.” ويصيف المصدر: “من المعيب أننا ما زلنا حتى الآن لا نملك تفسيراً موحدا للدستور، نال لبنان استقلاله منذ 71 عاماً، وما زال حتى الآن يفتقد الى دستور عصري واضح لا لبس في مواده، والأمر المخزي و المحزن أن بعض المفسرين يلجأون للقوانين التي اعتمدت ابان فترة الإنتداب أيضاً بحجة أن الدستور اللبناني موضوع بناء على تلك القوانين، ويتناسون أنه مر على تلك القوانين عشرات الأعوام بينما مر البلد بعدة مراحل توجب إجراء تعديلات جذرية وإصلاحات حقيقية في القانون، ويتغاضون أيضاً عن أن دستور الجمهورية الفرنسية الأولى والتي انبثق منها الدستور اللبناني باتت جمهورية رابعة اليوم.”

ينقل المصدر عمن وصفه بشخصية نيابية اليوم شاركت في إعداد بنود اتفاق الطائف وصياغته فيما مضى، يقول ” في حينها أخبرني المصدر أن اتفاق الطائف جرى اعداده على شاكلة الدستور لناحية التفسير، حيث اعتمد اقرار مواده على ترك ثغرات فيها تمنح أي طرف قدرة نقدها وتفسيرها من ناحية أخرى وذلك ليصبح قابلاً ومطاوعاً كما هي حال الدستور الذي يتمتع بهذه الميزة.” ويقول المصدر معقباً، “يفتخرون بأن الدستور مطاطاً، قابل لتعدد التفسير، ويعتبرون أن هذا الأمر دافع للأطراف السياسية كي يلجأوا للتوافق بعد الفشل في إيجاد صيغة تمنح الحق لطرف على الآخر، وهذا بحد ذاته سبب للأزمات التي تعصف بالبلد، ففي حين يتذرعون بحجة الحفاظ على التوافق يتناسون الأزمات التي تسبق التوافق، والتي تهدد مصير العيش المشترك ومستقبل المواطنين عند كل مفترق طرق يعبره لبنان.”

يعتبر المصدر أنه ما من أحد حريص على الدستور وكل المحاضرات التي تتحدث عن صيانة الدستور والحفاظ على هيبته ليست سوى رياء ومزايدات فالجميع “بل إيدو بالدستور”، ويعد المصدر بعض الممارسات والثغرات التي ساهمت في تمييع الدستور وضرب هيبته، ويقول:”دستورنا الحقيقي موجود في جعب الأطراف السياسية، وعلى أساس ما في جعبتهم يعدل الدستور، قص ولصق على قياسات المراحل والمطلوب فيها، وهذا ابرز أسباب فقدان الدستور لهيبته، والأمثلة على ذلك واضحة، فمثلاً المادة 49 أ، عدلت للإتيان بقائد الجيش رئيساً للبلاد، والنص الدستوري الواضح تجاه تعديل المواد يقول ان تعديل مادة في الدستور يتم مرة واحدة الى حين احالتها على المجلس النيابي ليصار الى البت النهائي بها، بينما المطالبين اليوم باحترام الدستور و القوانين هم من يتذرع بالحرب والأوضاع الإستثنائية من أجل تمرير الممارسات المخالفة للدستور وإيقاف العمل بمواده.”

ويقول الخبير القانوني:” في لبنان 3 قوانين حاكمة، الدستور، الأعراف، إتفاق الطائف، وقانون الغاب الذي أتى بإتفاقات على شاكلة إتفاق الدوحة، وما يحدث اليوم هو تباين بين تلك القوانين وتعارض في موادها، وفيما البعض يلجأ الى الدستور لتبرير وجهة نظره فإن آخرون يذهبون نحو الأعراف للرد، أما إتفاق الطائف فقد بات يتعارض مع الواقع اللبناني اليوم، ومنذ البداية تم التعامل مع بنوده بإستنسابية، فيما الإتفاق بحد ذاته أتى ليكرس أعرافاً طائفية على حساب الدستور ليصبح أقوى تطبيقاً من الدستور كونهم ينسبون الى صيغته الفضل في إيقاف الحرب الأهلية ويعتبرون ان زوال هذه الصيغة ستكون سبباً في عودة الحرب، وعليه يهولون.”

وعن الخلاف الدستوري الأخير حول ممارسات النواب في المجلس النيابي في عملية انتخاب الرئيس، وما جرى من اقتراع بأوراق بيضاء وعدم تأمين للنصاب، إضافة الى موضوع النصاب القانوني لإنتخاب الرئيس، يؤكد المصدر أن الورقة البيضاء أمر مشروع قانونياً وهو لا يعد انتهاكاً للقانون بل على العكس من حق النواب عدم التصويت بورقة بيضاء في ظل غياب مرشح يلبي طموحاتهم ومصالحهم. أما فيما يخص النصاب، فيعتبر المصدر أن عدم تأمين النصاب “نصب على الدستور” حيث يعتبر أن النواب يستفيدون من ثغرة في الدستور حيث لا إشارة الى وجوب الحضور كما لا إشارة الى عواقب تطيير النصاب، إلا أن كلا الفريقين، 14 آذار سابقاً، و8 آذار اليوم، يتناسون الواجب الأخلاقي الذي يحتم على النواب ممارسة واجباتهم التي تتضمن تجنيب البلد فراغ في رأس السلطة وانتخاب رئيس لجمهورية. أما فيما يخص النصاب اللازم لإنتخاب رئيس للجمهورية، فيؤكد المصدر أن لا نقاش في هذا الأمر والنصاب متوافق عليه من قبل الجميع وهو الثلثين، أما من يتحدث اليوم عن نصف زائد واحد، فإنما “يخبص برا الصحن”.

ويختم المصدر ساخراً:” قبل ان نناقش التراشق الإعلامي بين النواب اليوم حول الدستور والقانون، فلنسأل هل هم نواب أصلا بنظر الدستور ؟ من أعطاهم الحق في التمديد لأنفسهم من دون استفتاء شعبي على هذا التمديد ؟ هل هكذا ينص الدستور؟ ليكن وجودهم في مناصبهم وفق الدستور أولاًَ وليتحدثوا بعدها عن هيبة الدستور واحترام مواده.”
حسين طليس – صحيفة الديار اللبنانية

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.