الحيرة والتخبّط الصهيوني في زمن الردع
وكالة أخبار الشرق الجديد-
غالب قنديل:
تدعو حال الكيان الصهيوني إلى السخرية والشماتة مع تبدّد عصر العربدة والتسيّد العسكري في المنطقة وحلول رعب مبطّن من ردّ فعل المقاومة ومحورها على أي حركة غير محسوبة، تعكس مبالغة واعتدادا بقوة الترسانة العسكرية الصهيونية وبجبروت الراعي الأميركي والغربي الذي يمدّ الكيان بكل ما أوتي من القوة عسكريا وماليا وتقنيا.
أولا: يخيّم المأزق الوجودي الصهيوني ويتفاقم في مناخ إقليمي مشحون، ويعرف قادة الكيان معلومات كثيرة وموثوقة، تكفي لإرعابهم من طبيعة ما لدى حزب الله وسائر أطراف المحور، وخصوصا سورية وإيران والمقاومة الفلسطينية، حيث الإمكانات العسكرية المهلكة القابلة للتحرّك حين يُتخذ القرار بالردّ الميداني الساحق على أيّ استفزاز صهيوني خطير، وقد يتجلى في حريق شامل، يلف الدولة العبرية بنيران قاتلة. وتبدو التهديدات في هذا المناخ أقرب لمحاولة ترميم معنويات الجبهة الداخلية المتصدعة في زمن حافل بالمخاطرة بلعبة حافة الهاوية، وهو ما يفسّر المسارعة إلى لملمة ما تفشّى من التصعيد الكلامي والسعي لإطفاء الأضواء الحمراء التي استثارها في البيئة الإقليمية. وكان التزام محور المقاومة بالحفاظ على برودة الأعصاب في التعامل مع الأحداث الخطيرة انطلاقا من واقع القدرة النوعية الحاسمة الواثقة والمتماسكة، وفي إطار منهجية التعامل المدروس مع التطورات بصورة تفاقم المأزق الصهيوني الشامل والمتأصّل والتزام قاعدة الردّ المتناسب.
ثانيا: يدرك قادة الكيان عمق التغير في البيئة الإقليمية مع انضمام العراق واليمن إلى محور المقاومة وحجم الترابط الشبكي العضوي والقتالي داخل المحور، الذي خاض جولات معمودية وانتصار في ملحمة الصمود السوري ضد الحرب، التي كانت تل أبيب طرفا عضويا في سياقها تخطيطا وإدارة وعملا ميدانيا. وتظهر النخبة الصهيونية العاملة في مراكز التفكير والتخطيط مزيدا من القلق الوجودي، وقد باتت التحولات الجارية إيذانا بنشوء شبكات مقاومة وقتال متشعّبة متمرّسة تتبادل الخبرات والمعلومات، وتجمعها عقيدة اعتبار تحرير فلسطين والقضاء على الكيان الصهيوني مفتاحا تاريخيا للتحرر الشامل من الهيمنة والتخلّف، وعتبة الانتقال التاريخي إلى مراحل نمو ونهوض حضاري والتقاط فرص هائلة وواعدة، يخنقها استنزاف الحروب والعقوبات واستثمار منظومات العمالة وشبكاتها.
ثالثا: اعتبر البعض ما جرى محاولة صهيونية لجسّ النبض، لكن الردود الموضعية المحدودة المتناسبة من جانب المقاومة، وفي حدها الأدنى، أكدت فاعليتها، وحرص العدو على عدم التمادي في العربدة وتوسيع اعتداءاته بما يتخطى الرشقات المدفعية المحسوبة. ومخبول من يتخيّل أنه يسهل استدراج المقاومة لتلقي كامل قوتها في وجه أيّ استفزاز تكتي موضعي بمجرد التهويل الكلامي المتضخم والقذائف التائهة، خصوصا وهي تمتك منظومة عالية الدقة في القيادة والسيطرة والردع، وترسانة صاروخية متطورة عزّزتها بالصواريخ النقطية، التي أعلنت عنها سابقا. وبالتالي ثمّة رسالة مدروسة ومقصودة في الرواية التي بُثّت عن الصواريخ التي طالت الكيان من لبنان، وهي أشد إرعابا للصهاينة، لأنها إعلان عن تطوير شبكة العمل المقاوم العابرة لساحات المشرق حول فلسطين، وهي بادرة استثمار حدث تكتي في توجيه رسالة استراتيجية دون الاشتباك الواسع.