الحلم… و«أيلول» الحزين
صحيفة الوطن السورية-
الدكتور قحطان السيوفي:
في هذا الزمن العربي الرديء يعتبر البعض الحديث عن الوحدة أو الاتحاد العربي، نوعا من الترف أو التنظير الفكري الأقرب إلى السير باتجاه السراب.
في أواخر شهر أيلول من كل عام ينتابني شعور بالألم مصدره نوع من الإحساس الوطني والقومي بتردي الواقع العربي، وتعود بي الذاكرة إلى تاريخ، أعتبره حزيناً، وهو 28 أيلول 1961 تاريخ انفصال عرى أول وحدة عربية في العصر الحديث بين سورية ومصر وصادف تاريخ وفاة الرئيس جمال عبد الناصر 1970.
قصة ولادة الجمهورية العربية المتحدة، الأمل العربي الضائع الذي سقط بعد أقل من أربع سنوات من ولادته، منذ انتصار ثورة مصر بقيادة جمال عبد الناصر وخصوصاً منذ عام 1955، أبدت الجماهير في سورية اهتماماً خاصاً بتوجهات ومبادئ ثورة مصر: مقاومة الأحلاف، بلورة فكرة العروبة لدى قادة ثورة مصر، مؤتمر باندونغ، صفقة الأسلحة الشرقية، تَوضُح الاتجاه الاجتماعي للثورة، وتأميم قناة السويس فالعدوان الثلاثي الإسرائيلي البريطاني الفرنسي على مصر.
وكان استشهاد الضابط السوري البحار جول جمال، في معارك الدفاع ضد العدوان الثلاثي على مصر تجسيداً لبداية تأجيج الشعور بضرورة تحقيق الوحدة بين مصر وسورية، وعلى ضوء الإجماع الشعبي في البلدين، واللقاء الفكري والتقارب بين قيادة حزب البعث العربي الاشتراكي والرئيس جمال عبد الناصر، فقد لعبت هذه العوامل دوراً في تعزيز هذا التقارب.
في 1 شباط عام 1958 تم توقيع ميثاق أول وحدة بين بلدين عربيين سورية ومصر، تحت اسم الجمهورية العربية المتحدة، من قبل الرئيسين السوري شكري القوتلي والمصري جمال عبد الناصر، اختير عبد الناصر رئيساً والقاهرة عاصمة للجمهورية الجديدة، وأعلنت قيادة حزب البعث العربي الاشتراكي حل الحزب، الجمهورية العربية المتحدة ولدت كنواة لوحدة عربية، وكانت دولة سيادية في الشرق الأوسط في الفترة من 1958 حتى 1961.
على الصعيد الداخلي حققت تجربة الوحدة، منجزات اقتصادية من أهمها البداية بمشروع سد الفرات، وتأميم العديد من وسائل الإنتاج والخدمات، والإصلاح الزراعي والتعاون العسكري بين البلدين وتكاملهما اقتصادياً، إضافة إلى حماية سورية من تهديدات الأحلاف الاستعمارية التي كانت تتربص بها، الأمر الذي كان هدفاً للتفكيك من الولايات المتحدة وإسرائيل، العدو الأساس للعرب، حدث الانفصال إثر انقلاب عسكري في دمشق يوم 28 أيلول 1961، ونفذت الانفصال مجموعة من العسكريين السوريين والقوى الرجعية المحلية المتضررة من الإجراءات الاقتصادية التي اتخذتها حكومة الجمهورية العربية المتحدة، وبدعم وتمويل من دول عربية وهي الدول ذاتها التي مولت وتمول الحرب الإرهابية الحالية على سورية، وبعض هذه الدول قامت بتطبيع العلاقات مع إسرائيل، بالمقابل يرى بعض المراقبين أن الوحدة فشلت لأسباب عدة من بينها؛ سيطرة القاهرة على مفاصل الدولة السورية وتسلط الأجهزة الأمنية، وتأميم البنوك الخاصة والمؤسسات الصناعية الكبرى، ما أدى، حسب زعمهم، إلى إضعاف البنية الاقتصادية لسورية وقتها، إضافة إلى حل الأحزاب السياسية السورية.
لقد كان لقيام الوحدة بين مصر وسورية عام 1958 وانفصالها عام 1961 آثار سلبية على المناخ السياسي الذي يسود العالم العربي في ذلك الوقت، وكان تأثيرها أشد في الصراع العربي الإسرائيلي.
رحل الرئيس جمال عبد الناصر في يوم حزين 28 أيلول 1970 وودعته الجماهير العربية بجنازة لم تشهد القاهرة مثلها، وشارك فيها القائد الراحل حافظ الأسد، وكان يومها وزيراً للدفاع في سورية حيث دمعت عيناه حزناً وقال عبارته المشهورة: «لقد فقدت الأمة العربية قائدها الرئيس جمال عبد الناصر»، الرحمة والسلام لروح القائدين العربيين الرئيسين عبد الناصر والأسد.
في الواقع وبرغم أن العرب تجمعهم وحدة اللغة والتاريخ، فإن كل المحاولات الوحدوية في العصر الحديث لم تنجح.
المشروع النهضوي العربي؛ مشروع حضاري يعتمد الفكر القومي العربي في ظل إخفاق المشاريع القطرية العربية، ومن أهم المكونات الأساسية للمشروع؛ الوحدة العربية أو الاتحاد في مواجهة التجزئة، الديمقراطية في مواجهة الاستبداد، التنمية في مواجهة الفقر والتخلف، العدالة الاجتماعية في مواجهة الاستغلال، الاستقلال الوطني والقومي في مواجهة الهيمنة الأجنبية والمشروع الصهيوني.
وفي ظل ما سمي بالربيع العربي الأسود الموجه والممول من القوى الغربية وإسرائيل وحلفائهم الإقليميين، وفي ظل الحرب الإرهابية على سورية، تبقى الجماهير الشعبية العربية الضمانة الأساسية للمشروع النهضوي الحلم.
رغم ظلمة الزمن العربي الحالي ظل الحلم العربي يراود الأجيال المتعاقبة، قبل أن تتكالب عليه أنظمة الحكم بالتودد للاحتلال الإسرائيلي، وتغتاله الصراعات العربية العربية.
يبقى التساؤل: هل ما زالت الوحدة أو الاتحاد، رغم الزمن العربي الرديء، حلم الشباب العربي وأمله الواعد؟ وكيف يمكن تحقيق الحد الأدنى منه؟ أم إنه غير واقعي بسبب النظام العالمي الجديد، وإن هذا الحلم المطوق بقضبان المتخاذلين أصبح كهلاً عاجزاً يدهسه التطبيع كما يدعي المنظرون المطبلون للتطبيع مع الكيان الصهيوني؟
حلم الوحدة سيبقى وستُورثه الجماهير العربية للأجيال القادمة أملاً في أن يتحقق الحلم مستقبلاً.