الحق بالسكن وتخبط المستأجرين مع سعر الصرف
موقع العهد الإخباري-
هاني ابراهيم:
في ظل غياب سياسة إسكانية شاملة في لبنان، يعتبر المستأجرون في لبنان فئة اجتماعية غير مستقرة لجهة المسكن وضمان استمراره وذلك ولاعتبارات عديدة وأسباب شتى، منها على سبيل المثال لا الحصر عدم اقرار التشريعات التي توجب حزمة من الضوابط تتعلق بالشقق الشاغرة كفرض ضرائب عليها وغياب ما يعرف بالمؤشر الرسمي لبدلات الإيجار.
السياسات المتبعة من قبل الدولة اللبنانية كانت أشبه بالتجارة العقارية القائمة على الربح المادي من خلال مطورين عقاريين يقومون بانشاء الأبنية باعتبارها سلعًا تجارية تراكم لهم الأرباح من جهة ومصارف تجارية تمد اللبناني بقروض موهمة اياه بأنها تسهل له مشكلة السكن من خلال شراء شقة دون الالتفات الى امكانية استثمار ذلك بمشاريع تكون الدولة كمؤسسة جامعة جزءًا أساسيًا ومقررًا فيها.
ما هي القوانين التي حكمت العلاقة بين المؤجر والمستأجر؟
بعد انتهاء الحرب اللبنانية ولتنظيم علاقة المؤجر بالمستأجر صدر قانون الايجارات الذي عرف بقانون الإيجارات ١٥٩ المسمّى قانون الاستثمار الصادر في تموز ١٩٩٢ والذي يحكم كل عقود الإيجارات المبرمة بعد هذا التاريخ ضمن حرية التعاقد ويضمن المأجور لمدة ثلاث سنوات فقط. وبعد ذلك صدر قانون الايجارات الجديد بتاريخ 26/6/2014 وأقرّ مجلس النوّاب تعديله عام 2017 ومفاعيل هذا القانون تطال حوالي 80 الف عائلة لبنانية. يبدأ القانون بإيجار الاماكن السكنية وأحكام خاصة بصندوق المساعدات، والمستفيدين من تقديماته، باستثناء الذين استأجروا وفق احكام القانونين 29/67 و10/74، أي الأبنية التي تعتبر فخمة، إلا أنه خلق مجموعة اشكالات لجهة التطبيق والتنفيذ تتعلق من جهة باللجنة التي تكلف بتخمين المأجور وليس انتهاء بالصندوق الذي يستطيع من خلاله المستأجر الاستفادة من تقديمات الدولة في حال توفر شروط معينة.
تعتبر البدلات التي يتقاضاها المؤجر أحد أهم بنود عقد الايجار، وقد طال هذا البند الكثير من التبدلات والتغيرات نتيجة أسباب عديدة على مر السنوات تتعلق بنسب التضخم من جهة وبالأوضاع الاقتصادية من جهة أخرى. لذا، ومنذ تشرين الأول 2019 وعلى اثر الأزمة المالية والاقتصادية الخانقة، التي حلت بلبنان بالاضافة الى جائحة كورونا حدثت تقلبات عديدة وخطيرة على سعر صرف العملة الوطنية تجاه الدولار الامريكي؛ فخلال الفترة تلك خسر عدد كبير من الأجراء وظائفهم كما والجزء الأكبر من رواتبهم فضلاً عن تراجع القدرة الشرائية لديهم كنتيجة طبيعية لتراجع العملة الوطنية.
وتبعاً لذلك، برز العديد من النزاعات بين المستأجرين والمالكين، سواء بالنسبة للإيجارات السّكنية أو غير السّكنية. وقد زاد من ذلك التقلبات الكبيرة حول سعر الصّرف فبرز السؤال الكبير: ما هو بدل الإيجار الذي يجب أن يدفع في حال تحديده بالدولار الأميركي؟ وهل يحق للمالك فرض دفع الايجار بالدولار أو سعر السوق؟
بالنظر لما سبق وذكرناه اعلاه هل يجب أن يحتسب بدل الايجار على أساس سعر الصّرف الرسمي المعتمد من مصرف لبنان في المعاملات بين المصارف اي 1507 ليرات لكل دولار واحد، أم على أساس أسعار الصّرف المختلفة والمتعددة بحسب تعاميم مصرف لبنان والمنصات العديدة التي برزت في الآونة الأخيرة، لا سيما وأن دولار السوق السوداء ناهز الـ23 الف ليرة لكل دولار واحد؟
الجواب البديهي يأتي استنادًا للقانون لا سيما المادة 192 من قانون النقد والتسليف والتي تنصّ على “إلزامية قبول العملة اللبنانية لأن الموضوع يمس بسيادة الدولة، فبالتالي لا يحق للمالك عدم قبول هذه العملة”.
وعليه فإن عقود الايجار على حد سواء قديمة وجديدة (ايجار حرّ أو استثنائي) المعقودة بالدولار الاميركي يستطيع المستأجر أن يدفع للمؤجر بدل إيجارها بالليرة اللبنانية وبسعر الصرف الرسمي بتاريخ الدفع ويكون بذلك مبرئًا للذمة من الناحية القانونية.
وليس ذلك فقط بل وأضافت المادة أنّه في حال الامتناع عن تطبيق ذلك يمكن اللجوء الى قانون العقوبات لا سيما المادة ٣١٩ منه حيث نصت على “الحبس من ستة أشهر الى ثلاث سنوات وبالغرامة من خمسماية ألف إلى مليوني ليرة لبنانية ويمكن أن يقضى بنشر الحكم أيضًا”.
ولكن ماذا لو امتنع المؤجر عن قبض بدل الايجار بالعملة الوطنية؟
طبعًا الجواب الطبيعي والمنطقي وفقًا للقانون هو امكانية المستأجر توجيه انذار له بهذا الخصوص كما واستكمال هذا الاجراء عند الضرورة بعرض المبلغ وايداعه فعليًا لدى الكاتب العدل بحسب قانون أصول المحاكمات المدنية أو ارسال بدل الايجار بموجب حوالة بريدية بواسطة البريد المضمون. ويمكن حماية للحقوق ارفاق افادة بسعر الصرف الرسمي من المصرف.
اذًا، ماذا يمكن أن يكون الحل وخاصة أن أصوات عديدة تنادي بانصاف المؤجرين وخاصة مع التقلبات الحادة للدولار؟
إن المؤجرين قانونيًا لا يستطيعون الزام المستأجرين بذلك ولكن كيف السبيل الى ايجاد حلول منصفة للطرفين؟
لا حل أمام المالكين والمستأجرين إلا الجلوس سويًا وحل هذه المسألة بشكل رضائي بمعنى أن لا يتحمل أي من المالك أو المستأجر خسائر اذا ارتفع سعر الدولار أكثر وخاصة في ظل غياب شبه كامل للدولة لايجاد حلول منصفة للطرفين وبالتالي ان يتقاسم كل من الطرفين اعباء المرحلة بما بتناسب مع قدرة كل منهما.