الحرب على غزة: تنازلات حتمية أو مصير مجهول
موقع الخنادق:
في معرض الرؤية الشاملة لنظريات الخبراء الإسرائيليين للخروج من الحرب بأكبر قدر من المكاسب وأقل مستوى من الأضرار، ثمة نقطة جوهرية أتى على ذكرها رئيس معهد الأمن القومي، تامير هايمن، بأن هزيمة 7 أكتوبر لا يمكن تعويضها، ويجب صياغة الخطة المقبلة للحرب ابتداءً من هنا، وهو ما لم يترجم حقيقة في الخيارات التي طرحت من قبل الخبراء، لذا تضيق مساحة التحرك العسكري والزمني للحرب تلقائياً، ويتضح مصير الحرب بمعزل عمّا يراه هؤلاء، وبما أن قيادة الحرب وصناع القرار مستمرون بحرب لا أهداف منطقية ولا استراتيجية واضحة، وخطط عملياتية منفصلة عن الواقع؛ يتجه الكيان نحو واقع من التنازلات الحتمية أو المصير المجهول، لمجموعة أسباب أهمها:
– تنسيق التوقعات: على أهميته في سدّ الفجوات وتمتين الجبهة الداخلية، وتحسين أداء الجيش، إلا أنه يتطلب لغة موحدة، تستند إلى خطة واضحة، وقبل كل شيء إدراك لمسار وخطة الحرب بخلاف الواقع القائم.
– غلبة المصالح الشخصية: الانغماس في سجال الاتهامات والتعنت الفكري، النظرة الاستعلائية، المقاربة غير المنطقية في فهم الحرب وما يمتلكه الكيان من موارد، بالإضافة إلى الغرق بالتحديات المستجدة وعدم إجراء تقييم وتغيير فعلي في الخطط الأولية بناء على الدروس المستخلصة ميدانياً وتاريخياً.
– العملية العسكرية في الفترة الأخيرة أثبتت أن الواقع لا يمكن تغييره، الذي يتغير فقط هو تراجع الدعم الشعبي، ازدياد اعداد القتلى، الجرائم الإنسانية، وتقويض للمنجزات السابقة، والأهم أن استمرارية العملية يعني قتل جميع المحتجزين لدى حماس، وهذا ما سيخلّف وصمة عار في وعي المجتمع الإسرائيلي، وتصاعد الاحتجاجات الداخلية.
– طبيعة المواجهات تفرض نوعاً من المراوحة والروتين، وهي وضعية قاتلة بالنسبة إلى قوات مهاجِمة في مناطق مبنيّة ومليئة بالمقاومين، كقطاع غزة.
– تفاقم الضغوط التي يتعرّض لها الجيش، من وزراء اليمين المتطرّف في الحكومة، قد يتسبب بانهيار الهرمية العسكرية، بالتالي المزيد من خروقات الطاعة واللامركزية. يُترجم كعجز عن إدارة العمل العسكري بشكل فعّال، وسينعكس في النشاط العسكري، ويقلص من حرية الخيارات، والقدرات.
– المشاكل الاقتصادية الكبرى التي يعاني منها الكيان، مع ازدياد الحصار، وارتفاع تكاليف الحرب، ليس من المعلوم متى يستطيع الاقتصاد الإسرائيلي تقديم موازنات التعويضات الضخمة لجنود الاحتياط، ودعم الجبهة الداخلية، التي تعاني من ضعف في الخدمات.
– فقدان الشرعية الدولية، وصفعة المحكمة الدولية، وتحول الكيان إلى دولة شبه منبوذة عالمياً، يجرده من عناصر استمرارية حرب طويلة المدى، ويقوض خيارات ومساحات العمل العسكري والدبلوماسي والسياسي على حد سواء، بالتالي فإنه لا يملك رفاهية الخيارات التي يقترحها في الأساس.
– إسرائيل ليست لديها إجابة واضحة حول التهديدات الاستراتيجية، أو كيف ستتعامل مع الجبهات التي فُتحت عليها منذ بدء الحرب، فيما لا تمتلك إجابة أصلاً تطمئن بها حوالي 200 ألف مستوطن من الشمال والجنوب، يرفضون العودة إلى منازلهم قبل استعادة الأمن. حتى الولايات المتحدة نفسها لا تملك تصوّراً واضحاً لإنهاء الحرب، قد تمتلك واشنطن فكرة حول النتيجة المفترض بلوغها، لكنها تجهل كيفية تحقيقه، والأهم أن هناك فجوة في لغة الفهم والتفاهم مع قيادة الحرب في الكيان حول رؤيتهم واستراتيجيتهم المفترضة لإنهاء الحرب.
الواقع يقول إن الحرب في غزة تحولت إلى حرب استنزاف استراتيجي، يتعذّر حسم وجهتها ومواقيتها، وما لم تقرّ “إسرائيل” بفشلها العسكري، الذي سيأتي في النهاية، فإنها ستدفع ثمناً قد يفوق ما دفعته في 7 أكتوبر، وستخسر ما حققته من إنجازات موضعية، وبما أن أهداف الحرب المعلنة والتي تأكد أنها غير واقعية، يصعُب إنجازها مهما استمر القتال، حتى لو كان بوتيرة منخفضة، فإن فرصة تعافي حماس تزداد مع كل يوم يمر. لذا تراوح “إسرائيل” بين فكيّ الكماشة، فلا هي قادرة على إنهاء الحرب، ولا بإمكانها الاستمرار فيها في ظل العجز عن تحقيق أهدافها. فيما يبدو أن الاستراتيجية المعتمدة حتّى الآن، تقتضي بتأجيل إعلان الهزيمة، والمضي في الحرب، وإنْ ضمن وتيرة منخفضة وحصراً بالأهداف التكتيكية.