الحرب الروسية في أوكرانيا لم تبح بكلّ أسرارها
جريدة البناء اللبنانية-
عمر عبد القادر غندور:
سنة 1992 بشّر «فوكاياما» العالم من خلال كتابه الشهير بـ «نهاية التاريخ»، وأعطى النموذج الغربي شيك براءة عن جرائمه وقهره للشعوب والأنظمة الفقيرة وفرض إرادته بالقوة واليوم بالعقوبات، مثلما استحضرت الولايات المتحدة المظلومية اليهودية لتبرير الكذبة التاريخية المزعومة الهولوكوست لقيام الدولة اليهودية على أرض فلسطين.
ومبالغة في استمرار الهيمنة وفرض الأمر الواقع دعت الدول الأوروبية الى قمة انعقدت في بوخارست في نيسان 2008 أكد فيها حلف الناتو انّ أوكرانيا وجورجيا ستصبحان جزءاً من الناتو، وهو ما اعتبرته روسيا في حينه تهديداً وجودياً لها! وهو ما لم تسمح به مهما كانت التكاليف. وفي تشرين الثاني من العام ذاته وقّعت أوكرانيا ميثاق الشراكة الاستراتيجية مع الولايات المتحدة متجاهلة مقاربة «توازن القوى»؟ وهو ما يدعو الى مراجعة ذاكرة التاريخ، وهو ما تترجمه الحملة الروسية على أوكرانيا والتي توضح انّ البعد الخفي لهذه الحرب أكثر بكثير من المعلن عنها والمرتبطة بالصراع الأميركي الروسي على أوكرانيا الحديقة الخلفية لروسيا .
وإذا ما رجعنا الى الوراء في العام 2020 نتلمّس بداية عالم متعدّد الأقطاب، ومع نهاية الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفياتي لقيت قوة واحدة مسيطرة هي الولايات المتحدة الأميركية، تنبت على جوانبها قوى عظمى مثل الصين وروسيا والهند واليابان وربما لحقت بها إيران وتضمّ هذه الدول نصف سكان العالم.
ولذلك بدأت الولايات المتحدة تواجه التأثير العسكري والديبلوماسي وكشفت أحداث 11 أيلول 2001 انّ خسائرها البشرية الهائلة، وانّ الكثير من الأسلحة العالية الكلفة لم تكن مثمرة في ميادين القتال، وانّ عدداً كبيراً من جنود يحملون أسلحة خفيفة سيكونون في وضع أفضل من العدد المحدود من الجنود الأميركيين الأفضل تدريباً وتسليحاً.
ومثل هذه الحقائق قد تفسّر الانسحاب الأميركي المذلّ والفوضوي من أفغانستان، في الوقت الذي تتبلور فيه الموارد البشرية والمالية والتكنولوجية في الدول الصاعدة؟
وفي سبعينات القرن الماضي ازداد الاستهلاك الأميركي للنفط 20 % والأهمّ من ذلك انّ الاستيراد الأميركي أدّى الى ظهور قوى بديلة في العالم، الى جانب تضاعف استيراد النفط الى أميركا ما ادّى الى ارتفاع سعر البرميل من عشرين الى مئة دولار في أقلّ من عقد من الزمان؟ ولهذا ادّت سياسة أميركا النفطية الى ظهور مراكز قوى رفيعة تتمثل في مالكي الاحتياط العالمي في العالم العربي الإسلامي.
لذلك فالحرب الروسية الحالية تتجاوز أبعادها العسكرية، وتمثل تحدياً للغرب بلغة القوة الخشنة وبالأسلحة الدقيقة ضمن منظار استراتيجي عالمي يتمثل في إعادة إنتاج نظام دولي جديد، ولنا عودة ان شاء الله الى هذا الموضوع.