الجيش لاستعادة الهيبة المختطفة.. بشراكة الدولة كلها
مشجعو التطرف في مواجهة خصومهم مدعوون لإعادة النظر في حساباتهم
صحيفة السفير اللبنانية ـ
عماد مرمل:
مرة أخرى، يجد الجيش اللبناني نفسه في مواجهة اختبار صعب، وهو التوفيق بين مبدأ الاقتصاص من المعتدين على عناصره في عرسال، وبين تعقيدات الواقع اللبناني وتركيبته التي تجعل كل خطوة او كلمة قابلة للتأويل الطائفي والمذهبي.
ومع ذلك، فإن الجيش لا يمكن ان يقبل بأقل من تسليم المشاركين في نصب الكمين للدورية العسكرية والتمثيل بجثتي الشهيدين بيار بشعلاني وابراهيم زهرمان. وهنا، الجيش ليس حراً في خياره هذا، بل ملزم به.
هذا هو، بأي حال، الحد الأدنى الذي يستعيد «الهيبة المختطفة» للمؤسسة العسكرية، ومعها الدولة. والهيبة هي السلاح الأقوى من كل الأعتدة المتوافرة بحوزة الجيش، وهي التي تفرض الأمن قبل البندقية، وبالتالي فإن أي تهاون في صونها سيشكل انكساراً للمؤسسة العسكرية، من شأنه أن يغري آخرين على استضعافها و«التمثيل» قي كرامتها وهالتها.
وبهذا المعنى، فإن المؤسسة العسكرية تعرف جيداً أن تمييع ملف استهداف عناصرها سيرتد وبالاً وخيماً على معنويات الجيش ودوره، ومن ثم على الاستقرار الداخلي، الهش أصلاً، والذي لا يحتمل المزيد من الثقوب الآخذة في الاتساع والتي تتسرب منها مخاطر داخلية وإقليمية.
ولكن الجيش يدرك في المقابل أن سيناريو نهر البارد ليس قابلاً للتكرار في عرسال، وهو حريص، كما تؤكد مصادره، على ألا يدفع أهالي البلدة ثمن ما فعلته بعض المجموعات التي تمارس نوعاً من الأمن الذاتي في المنطقة، تحت شعارات شتى.
والجيش يدرك أيضاً ان هناك من ينصب له، ليس فقط الكمائن المسلحة، وإنما أيضاً الكمائن الطائفية والمذهبية الأشد فتكاً وضرراً، الأمر الذي يجعله يدرس خطواته بدقة وعناية، منعاً للاستغلال والتحريض.
وعليه، تبدو المؤسسة العسكرية في تعاملها مع حادثة عرسال بحاجة الى حكمة مزودة بأظافر، او الى أظافر مطلية بالحكمة. وفي كلتي الحالتين، تعلم المؤسسة انه ليس مطلوباً ان تكون الأظافر موازية للقوة المفرطة ولا ان تكون الحكمة تعبيراً عن ضعف.
وتعتبر أوساط سياسية متعاطفة مع الجيش أن واقعة عرسال «لا تنفصل في عمقها ودلالاتها عما يجري في بعض الدول العربية وصولاً الى مالي، مشيرة الى أن هذه الظواهر تنتمي في مجموعها الى مدرسة فكرية وعقائدية واحدة، وتشكل مساراً متناغماً عابراً للحدود والجنسيات».
وتلفت الأوساط الانتباه الى أن هناك في لبنان مجموعات تملك طموح الإمارة الذي يتناقض مع مبدأ وجود الدولة، وهي تشعر بأن الجيش يعرقل مشاريعها التي تنامت على ضفاف الأزمة السورية، ولذلك تسعى الى توريطه بفتنة تعطل دوره وتوسع مساحة الجزر العائمة، وترى ان الجيش يتحمل وحده وزر حالة أصبحت تمثل عبئاً على دول قوية في العالم، معتبرة ان التعامل مع هذه الحالة يحتاج الى إستراتيجية متكاملة من الدولة، بحيث لا تكون مسؤولية مواجهتها ملقاة حصراً على عاتق المؤسسة العسكرية التي أصبحت مهامها تمتد من أقصى الحدود الى زواريب الداخل، كـأنها تؤدي في وقت واحد وظائف الجيش وقوى الأمن وحتى.. الشرطة البلدية.
وتعرب الأوساط عن اعتقادها بأن الجيش مضطر، أمام كل تحد يواجهه، ان يأخذ بالحسبان، عند درس أشكال الرد وجرعاته، توازنات البلد من جهة وتركيبة المؤسسة العسكرية من جهة أخرى، مشيرة الى أن جرعة القوة التي يمكن استخدامها، سواء في عرسال او في أي مكان آخر، يجب أن تكون متلائمة مع متطلبات تلك المعادلة الثنائية وقدرة الجيش على «الهضم».
وبرغم الحافة الرفيعة التي يتحرك فوقها الجيش، إلا أن الأوساط المتعاطفة معه تلاحظ أن فظاعة الجريمة التي ارتكبت بحقه في عرسال عززت عصبه العسكري على حساب أي نوع من العصبيات الفئوية، لافتة الانتباه الى أنه ينبغي ان يسجل للمؤسسة العسكرية انها نجحت الى حد كبير في حماية بيئتها، بحيث أن انتماء الضباط والجنود إليها لا يزال أقوى من الانتماءات الجانبية.
وترى الاوساط ذاتها أن بعض القوى السياسية الداخلية التي افترضت ان بمقدروها الاستفادة من المجموعات المتطرفة لمواجهة خصوم الداخل، أصبحت مدعوة الى مراجعة حساباتها، لأنها تبدو الآن كمن يقف على غصن شجرة ويعمل فيه نشراً، ما يعني أنها قد تسقط قبل غيرها، وربما من دون غيرها، عن الشجرة.
وترى الأوساط ان هذه القوى ربما استطاعت ان تتحكم ببداية المغامرة لكنها بالتأكيد لن تكون قادرة على رسم نهايتها، والأفضل لها ان تقفز من القطار قبل ان يصطدم بمصالحها ونفوذها أولاً.