الجولة المقبلة لإنتصار محور المقاومة
صحيفة الوطن السورية-
تحسين الحلبي:
وأخيراً ستبلع إسرائيل تهديدات طالما كررتها منذ عام 2008 ثلاث حكومات بشن حرب مباشرة على إيران ولو شنتها وحدها، مع أن هذه التهديدات كانت تترافق بشكل مندمج مع تحريضها للولايات المتحدة بشن حرب أميركية على إيران بهدف التخلص من قدراتها العسكرية وإيقاف تطورها النووي حتى لو كان لأغراض سلمية، ولذلك يعلق المحللون في إسرائيل بشكل خاص، بأن أكثر عدوين شكلا خطراً على إسرائيل وهددا وجودها هما سورية وإيران، فسورية بقيت الدولة العربية التي تقاوم إسرائيل بكل الوسائل وتعد جبهة الحرب الأخيرة بين الدول العربية في مواجهة إسرائيل، أما الدولة الثانية فهي إيران التي لم تستطع إسرائيل التخلص منها منذ عام 1979 بعد الثورة التي انتصرت فيها على الشاه، أهم الحلفاء الذين عولت عليهم إسرائيل في حمايتها.
في النهاية نجحت هاتان الدولتان في تشكيل قاعدة لتوسيع المقاومة ضد الكيان الإسرائيلي في لبنان بقيادة حزب الله، وكذلك في فلسطين المحتلة بقيادة فصائل المقاومة، ورغم توسع عمليات التطبيع مع إسرائيل ومشاركة دول عربية جديدة سيناريوهات، إلا أن كل هذه النتيجة لم تؤد أبداً إلى زيادة قدرة إسرائيل في المنطقة رغم المواقف غير الودية والنيات السيئة لبعض الدول العربية تجاه سورية وإيران، ولا تزال دمشق وطهران ومعهما بقية أطراف محور المقاومة، يشكلان قدرات متزايدة لم توقفها كل العقوبات وأشكال الحصار، وأصبح لدى هذا المحور قدرة ردع تكفي لمنع الحرب الشاملة الأميركية أو الإسرائيلية عليهما.
هذه الحقيقة عبر عنها تحليل موضوعي نشرته مجلة الأبحاث الأميركية «ريسبونسيبيل ستيتكرافت» بقلم أهم متخصصين في شؤون المنطقة وهما الباحثة اينيل شيلاين وروس ريديل، تحت عنوان «لماذا بقيت فكرة الهجوم على إيران سيئة»، ففي هذا البحث يستنتج الاثنان أن كل ما استهلكته إسرائيل من تهديدات بشن حرب وحدها أو مع الولايات المتحدة، ذهب أدراج الرياح، وكانت كل تلك الشعارات التهديدية مجرد محاولة لابتزاز إيران وعرض قدرة ردع غير موجودة أصلاً لديهما ضد إيران بالذات، وبشكل موضوعي يفترض الاثنان أنه لو بادرت إسرائيل بشن حرب مباشرة ضد إيران وحدها أو بمشاركة أميركية، لبدأت الصواريخ تتساقط على إسرائيل من دون توقف بعشرات الآلاف من إيران وحزب اللـه ومن قطاع غزة دونما حاجة لمشاركة صواريخ سورية أيضا، وعند ذلك ومهما بلغت قسوة الهجوم الأميركي، فإن خسارة تل أبيب وواشنطن تفوق أي تصور بالمقارنة مع استعادة إيران لقدراتها واستمرارها في الحرب، وهذا ما تخشاه واشنطن منذ عام 2009 حتى حين كانت تحتفظ بما يزيد على مئتي ألف من القوات في العراق قرب إيران وبسبب هذه الحقيقة لم يعد لواشنطن سوى القبول بحل وسط مع طهران، وهو حل سيرضي إيران وحلفاءها وسيفرض جدول عمل يتمتع فيه محور المقاومة بانتصار في هذه الجولة على إسرائيل وحليفها الأميركي معاً، وسيخلف هذا الوضع الجديد صورة للضعف الإسرائيلي في المنطقة وصورة لعدم جدوى أي تطبيع مع إسرائيل لأن أطراف محور المقاومة التي لم تطبع، هي التي ستتمتع باستقرار وانسجام مع إرادة شعوبها ومستقبلها ومع إرادة الدول الشقيقة التي رفضت التطبيع، على حين ستتولد في دول أخرى أزمات كانت محتملة على المدى القصير والبعيد، وسيختل ميزان القوى ولن يكون بمقدور واشنطن تحريض دول عربية على إيران بعد عقد اتفاقات معها على تخفيض العقوبات واستمرار المحافظة على اتفاق فيينا في الموضوع النووي، وحين تبدو الحرب الأميركية محتومة الخسارة لأميركا تكون إسرائيل قد تلقت هزيمة مؤكدة تنهي تفوقها على محور تحدى القوة الأميركية نفسها وأجبرها على عدم اختبار قوة إيران وحلفائها، ويبدو أن نتيجة هذا المسار للأحداث بدأت تظهر على شكل رغبة دول عديدة باستعادة علاقاتها الودية مع طهران ومع دمشق، لأن كل تقارب مع إحدى العاصمتين هو تقارب مع الأخرى، وخاصة بعد أن أثبت هذا التحالف التاريخي صلابته وإنجازاته لكلا الشعبين رغم كل الصعوبات والتضحيات التي قدمها محور المقاومة من أجل الحفاظ على استقلاله وسيادته ومصلحة شعوبه والشعوب العربية والإسلامية في المنطقة.