الجولات الأمريكية على المنطقة.. إعدادٌ للحرب أم لتجنبها؟
موقع العهد الإخباري-
إيهاب شوقي:
يحلو لبعض الأبواق الإعلامية تسييد حالة من الذعر لدى الجماهير ومشاركة العدو الإسرائيلي في تسييد حالة مفادها أن هناك حربا وشيكة يستعد الكيان بمشاركة أمريكا لشنها على إيران.
بل وتتمادى هذه الأبواق في الإيحاءات وتربط بين زيارة رئيس الأركان الأمريكي لسوريا، وجولة وزير الحرب أوستن في المنطقة لكل من الأردن ومصر والكيان الصهيوني، وزيارته غير المعلن عنها للعراق، لتوحي أن هناك تحالفا يعد وأن الحرب ستكون بمشاركة تحالف عربي على غرار حرب الخليج الثانية!
وهنا ينبغي مناقشة ذلك عبر عنوانين رئيسيين، أولهما هو جدوى هذه الحرب النفسية، وثانيهما هو قراءة في هذه التحركات الأمريكية والصهيونية مع الذكر الواجب لأن جميع الاحتمالات واردة وأن محور المقاومة في حالة جهوزية لأي حرب غادرة وأي حماقات.
أولا: جدوى الحرب النفسية:
في إطار تهديدات أمريكا والعدو للمقاومة بأي حرب، ينبغي للعدو وذيوله معرفة أن هذه التهديدات تأتي بنتائج عكسية، حيث تزيد معسكر المقاومة تلاحما وصمودا، ناهيك عن جهوزية المجاهدين على الجبهات وانتظارهم الأوامر لمواجهة العدو في أية لحظة، ناهيك عن غضب جمهور المقاومة من ممارسات العدو وراعيه الأمريكي واشتياقه للثأر ومناداته بتعجيل المواجهة والخلاص بإيمان كامل وثقة بزوال قريب للعدو، وأن هذا الزوال سيكون على أيدي رجال محور المقاومة.
وبالتالي فإن هذه الحرب النفسية أو هذا التخويف لن ينتزع تنازلا واحدا من المقاومة، ولو التزمنا الاحتياط وذهبنا إلى أنها تهديدات جدية، فإن الجهوزية متوفرة للمعركة.
ثانيا: قراءة في هذه التحركات الأمريكية والصهيونية:
ربما كان تقرير موقع “مونيتور” الأمريكي، قبل أيام من زيارة وزير الحرب الأمريكي للمنطقة، مفسرا لجانب كبير نراه هو الأصح في هذه التحركات، حيث أوضح تقرير مونيتور أن جولة أوستن تهدف إلى “إزالة شكوك قادة الشرق الأوسط في التزام إدارة الرئيس بايدن بالاحتياجات الأمنية للمنطقة بعد التدقيق المتزايد في مبيعات الأسلحة وتراجع التواجد العسكري الأمريكي في أفغانستان والخليج “.
وهذا الكلام الوارد بالتقرير يشكل مدخلا مباشرا لما نريد قوله عن شعور العجز الذي باتت أمريكا و”اسرائيل” تشعران به تجاه المستجدات الدولية والإقليمية.
هذا العجز بدأت تنضح به التقارير الاستراتيجية، وهي الأهم، بعيدا عن الدعايات الإعلامية التي تبثها وسائل الإعلام الصهيونية وتشاركها به وسائل اعلام عربية تخدم ذات الغرض الصهيوني.
وهنا يجب التطرق إلى السياق الدولي والإقليمي لرصد ما يلي:
1 ــ تطورات الحرب في أوكرانيا لا تسير على الهوى الأمريكي، بل بدأت تدخل في مرحلة جادة من التقدم الاستراتيجي لروسيا. وقد أشار تقرير نشره معهد الأبحاث والتحليل الأوراسي “Asia Times” لكاتبه براندون ويتشر، الموظف السابق في الكونغرس الأمريكي إلى أن دخول القوات الروسية إلى “أرتيوموفسك” سيمثل بداية لنهاية النظام في كييف.
وقال التقرير نصا، أن فكرة أن الصراع الأوكراني سيكون مجرد وسيلة لإضعاف الجيش الروسي أشبه بالخيال، والوضع في “أرتيوموفسك” يظهر فقط استعداد روسيا لمواصلة تحقيق أهدافها.
وقال ويتشر حول سحب أوكرانيا قواتها من المدينة المحاصرة: “المدينة تقع على الطريق إلى نهر الدنيبر، قلب التجارة والنقل النابض، دنيبر الشريان الرئيسي لأوكرانيا. طرد القوات الأوكرانية من المحتمل أن يسمح لروسيا بالاندفاع إلى نهر دنيبر. كما أن السيطرة الروسية على نهر دنيبر ستمنع أيضًا هجومًا غير مدروس من قبل الأوكرانيين على شبه جزيرة القرم”.
وبالطبع تخشى أمريكا من انعكاسات هذا التقدم الاستراتيجي الروسي على وضع تحالفاتها، فقد يميل بعض الحلفاء للتقارب مع روسيا والصين والمعسكر الشرقي بفعل تراجع الهيبة الأمريكية على خلفية فشلها في نصرة أوكرانيا وترجيح كفتها، وبالتالي وصول رسالة للحلفاء بأن الدعم الأمريكي سيكون محدودا عند تورطهم في أي معركة، وهو ما تحاول أمريكا تفاديه عبر طمأنة الحلفاء ومحاولة تثبيتهم في فلكها ومعسكرها.
2 ــ جولة وزير الحرب الأمريكي لمصر والاردن والكيان، تشي بأن الموضوع الرئيسي هو التصعيد الفلسطسيني الإسرائيلي بسبب حماقات حكومة “المجانين” الصهيونية وتواتر التقارير التي تتوقع تصعيدا كبيرا في شهر رمضان وأنه تصعيد قد ينزلق لحرب جديدة غير مضمونة الانزلاقات، وبالتالي فإن الجولة هي لمحاولة التهدئة وليست للتصعيد، وتأتي زيارة أوستن المفاجئة لبغداد في سياق زيارة رئيس الأركان لسوريا، وهي الخوف من هجمات المقاومة على القواعد الأمريكية كنوع من رفع معنويات الجنود، وأيضا للإيحاء بأن أوضاع أمريكا في سوريا والعراق مستقرة وتحت السيطرة.
3 ــ يكثف العدو الصهيوني من عدوانه على الشعب الفلسطيني وغاراته على سوريا، ونشر التقارير عن تنسيقه مع أمريكا لمواجهة إيران، بغرض الإيحاء بالقوة ودفع الأمور لحافة الهاوية، للاحتيال على أزمته الداخلية غير المسبوقة من جهة، ولانتزاع أي تنازلات من إيران وتعميق الحصار والعزلة عليها من جهة أخرى.
4 ــ هناك خوف أمريكي وصهيوني حقيقي من الصمود الإيراني في مواجهة التهديدات، ورغم النفي الإيراني المتكرر لنية صناعة سلاح نووي وتأكيده الدائم على سلمية المشروع النووي، إلا أن رفع إيران لمعدلات التخصيب ردا على عدم التزام امريكا بالاتفاق النووي، يشكل رعبا حقيقيا، وخاصة بعد نشر تقارير عن قنبلة هيروشيما وأنها صنعت بمعدل تخصيب 80% وليس كما يشاع عن العتبة النووية بأنها 90%، وبالتالي فإن إيران لو أرادت صناعة قنبلة فإنها تستطيع صناعتها في أيام وخاصة وأن إيران تعترف بمعدل 60% وهو ما يعني أنها تستطيع بالفعل صناعتها لو اتخذت القرار.
وهذا الخوف من هذه التحركات يمكن قراءته في سياق توصيات دينيس روس، المساعد الخاص السابق للرئيس باراك أوباما، والتي قدمها لإدارة بايدن في تقرير على موقع معهد واشنطن، حيث اقترح خطوات يمكن أن تساعد في كبح تقدم طهران نحو قنبلة نووية وتجنب المخاطر الإقليمية لهجوم إسرائيلي أحادي الجانب.
وما قاله روس نرى انعكاساته العملية، في ما يبدو أن الإدارة الأمريكية استجابت لهذه الخطوات، حيث قال روس:” لتجنب الحرب مع خصم مهدد ، يجب على هذا الخصم أن يعتقد أنك ستستخدم القوة”. قد تكون الإشارة الواضحة لنهج أمريكي جديد ضرورية الآن ليس فقط لإقناع الإيرانيين بوقف تقدمهم نحو سلاح نووي، ولكن أيضًا لإظهار الصين وروسيا أن الولايات المتحدة قادرة على التعامل مع تهديدات متعددة في وقت واحد وأنها لديها الإرادة للقيام بذلك. بالإضافة إلى ردع الإيرانيين ، يمكن لإدارة بايدن تغيير حسابات الصينيين والروس بشأن الخطط التوسعية في أجزاء أخرى من العالم.
وبالتالي يمكن فهم التهديدات في هذا السياق، بأنها لتجنب الحرب، ونوع من أنواع سياسة حافة الهاوية وإثبات الجدية لإيران وروسيا والصين، وأنها تهديدات على خلفية الفشل في سياسة الحصار والتخويف… ولكن وإن كانت حقيقية، فالسيناريوهات كلها على طاولة المقاومة والجهوزية على أشدها.