الجماعات الإرهابية في سوريا: من معركة ضد الدولة السورية الى معركة وجودية داخلية!
موقع الوقت التحليلي:
تعيش الساحة السورية حالة من التطور على الصعيد الداخلي، لا تتعلق فقط بتقهقر الجماعات الإرهابية أمام الجيش السوري فحسب، بل تعيش حالةً من الأزمات الداخلية بينها. وهو ما بدا هذه المرة واضحاً في مشهد الحرب بين “أحرار الشام” و”جند الأقصى”، والذي أعاد الى الأذهان حالة الصراع مع تنظيم داعش منذ ثلاث سنوات. في حين خرج المراقبون ليتحدثوا عن أن ذلك يعني المزيد من نقاط القوة لصالح الجيش السوري، والذي بات على عتبة السيطرة بإنجازاته على كامل المشهد السوري. فماذا في آخر مستجدات القتال بين جماعتي “أحرار الشام” و”جند الأقصى”؟ وكيف تطورت الخلافات بينهم؟ وما هي دلالات ذلك؟
الإقتتال بين الطرفين: معركة جديدة في سوريا
أعلنت حركة “أحرار الشام الإسلامية” أمس السبت عن اتخاذها قراراً حاسماً بوجوب قتال فصيل “جند الأقصى” بعد الأحداث التي حصلت بين الطرفين في اليومين الماضيين، وأدت إلى مقتل عددٍ من العناصر بينهم. ونشرت “أحرار الشام” أمس بياناً أعلنت فيه أنها اتخذت قراراً بحسم موضوع جند الأقصى الذين “عاثوا في الأرض فساداً” بحسب البيان وذلك عبر استخدام “السيف”. ونفى البيان كل الحديث عن مصالحات أو إتفاقيات بين الطرفين، حيث باتت الأمور آخذة بالتصعيد. مؤكداً على أنه لا يمكن أن يستمر الجهاد في الشام بحسب تعبيرهم، من خلال وجود داعش أو أذنابها. فيما أشار البيان الى أن الحل العسكري بينهم هو الخيار الحالي. من جهتها أصدرت جماعة “جند الأقصى” بياناً دعت من خلاله جبهة “فتح الشام” لإلزام حركة “أحرار الشام الإسلامية” لقبول ما يُسمى بالإحتكام الى الشريعة. ولم يخل البيان من الإتهامات بالبغي والظلم والعدوان.
وكان عناصر من “جند الأقصى” قتلوا 11 مقاتلاً من “أحرار الشام” على الأقل خلال عمليات دهم واقتحام شهدها ريف إدلب الجنوبي. فيما تُظهر حركة أحرار الشام رغبة في استمرار قتالها لجند الأقصى، بعد أن تلقت تأييداً من 16 فصيلاً من جماعات أخرى.
الأزمة منذ الشرارة الأولى
يمكن عرض تطور الأزمة والأحداث بين الطرفين من خلال التالي
– بدايةً حصلت المعركة الأولى بين الجهتين في “خان شيخون”، وهو سرعان ما انتقل نحو معارك أخرى في مناطق كثيرة، منها معرّة النعمان ومعرَّة زيتا والحامدية وجرجناز وسرمدا والمسطومة. لتظهر محافظة إدلب وكأنها أصبحت أرض معركة بين الطرفين.
– احتدام المعارك دفع الجهتين الى الحشد ومحاولة استقطاب جماعات مُسلحة لتكون داعمة. مما جعل المعركة وجودية بعد أن كانت عبارة عن مناوشات متفرقة. وهو ما جعل الخبراء يعتقدون بإمكانية استمرار القتال بين الطرفين لفترة طويلة وحتمية انتقاله الى أماكن أخرى.
– في ظل الإشتباكات، بدأت عملية الإعتقالات المتبادلة بين الطرفين خصوصاً خلال الأسبوع الماضي في بلدتي “سرمين” و”سراقب”. مما أظهر الكثير من المشكلات الجوهرية والتي يبدو أنها مبدئية وليست ظرفية. في حين أدت مسألة اعتقال “أحرار الشام” لخليةً من “جند الأقصى” يوم الأربعاء، لرد فعل الأخيرة بمداهمة منازل قياديين من أحرار الشام واعتقالهم.
– تطورت الأمور في ظل وضوح انعدام وجود أفقٍ للمصالحة، وصولاً الى صدور بيانات مضادة بين الطرفين أمس تؤكد خيار الحرب والمواجهة العسكرية.
دلالات وتحليل
إن عدداً من الدلالات يجب الوقوف عندها وهي على الشكل التالي:
أولاً: يُشبه الوضع اليوم، ما جرى نهاية عام 2013، حين تسبَّب مقتل القيادي في أحرار الشام “أبو ريان”، لإندلاع الشرارة الأولى من الإقتتال ضد تنظيم داعش الإرهابي في ريف حلب الشرقي. وهو ما يبدو مشابهاً لما حدث منذ يومين في ريف إدلب الجنوبي. في حين يمكن اليقين بأن الوضع اليوم يختلف تماماً عما كان عليه في ذلك الحين حيث تُعتبر الأمور معقدة أكثر وحالة الجماعات الإرهابية أصعب، خصوصاً أنها بحاجة للتوحد ونبذ كل ما يُفرِّقها لاسيما بعد الخسارات التي مُنيت بها في معركة حلب.
ثانياً: لا يمكن التغاضي عن مسألة أهمية “حكم الساحة الجهادية” بحسب ما تُعبِّر هذه الجماعات، كونه السبب الحقيقي للصراع بين الطرفين. خصوصاً في ظل وجود خوف كبير لدى أحرار الشام من محاولات جند الأقصى إنشاء إمارة خاصة لهم في منطقة ريف حماه الشمالي، وذلك عبر التعاون مع تنظيم داعش الإرهابي في منطقة ريف حماه الشرقي. وهو ما تعتبره أحرار الشام خطراً وجودياً عليها. مما يُبرز وجود خلافات جوهرية تتعلق بمن يحكم الساحة في سوريا.
ثالثاً: لا شك أن لهذه المواجهة بين الطرفين، عواقب وخيمة على الجماعات الإرهابية في سوريا، خصوصاً في ظل معركتها ضد الجيش السوري. مما يُعتبر بحد ذاته ورقة رابحة للجيش السوري والشعب في سوريا. فيما ستكون لهذه الإختلافات، تداعيات وآثار مباشرة على معركتي حماه وحلب التي تحصل اليوم مع الجيش السوري. كما أظهرت تقارير عديدة وجود خلافات بين الأطراف الإرهابية الأخرى والتي اختلفت في دعمها للإقتتال ودعوتها للتوحد.
رابعاً: الإنتقال من معركة موحدة بين التنظيمات الى معركة وجودية لها. حيث ستسعى التنظيمات الى الدفاع عن نفسها بدل التوحد حول هدف واحد كان حتى الأمس القريب قتال الجيش السوري. وهو ما يعني بداية نهاية مشروع هذه الجماعات الإرهابية. حيث هددت جند الأقصى بإيقاف ما سُمي بـ “غزوة مروان حديد” ضد الحكومة السورية بهدف التوجه لحماية نفسها من أحرار الشام. وهو ما يطرح العديد من الأسئلة خصوصاً حول الجهات التي تقف خلف هذه الجماعات، وتحديداً السعودية وتركيا، حيث تدعم الأولى جند الأقصى بينما تدعم تركيا أحرار الشام. فيما يبدو أن السماح بتطور الإقتتال بين الطرفين ووصوله لهذه المرحلة من التصعيد العلني، يعني عدم وجود قرار حتى الآن لدى مرجعية الطرفين بالتهدئة. وهو ما يجب الوقوف عنده.
لا تكاد تخلو الساحة السورية من مشكلةٍ بين الجماعات الإرهابية. لكن المشكلة اليوم باتت تُلقي بظلالها على مستقبل التكفيريين في سوريا. في حين تُطرح العديد من علامات الإستفهام حول الجهات الداعمة والمرجعية التي تقف خلف هذه الجماعات والتي ما تزال صامتة حول الإقتتال الحاصل. لنقول أن لذلك العديد من الدلالات. في حين لم يعد هناك مجالٌ للشك في أن لهذه الأحداث، تداعيات إيجابية على الساحة السورية. خصوصاً أنها ستدفع الإرهابيين نحو مزيدٍ من الإقتتال والتشرذم. مما يعني أن الحكومة سيمتلك عاجلاً أم آجلاً ورقة الإطاحة بالإرهاب. فقد انتقلت هذه الجماعات في سوريا، من معركة ضد الدولة السورية الى معركة وجودية داخلية، يبدو انها ستكون مُحتدمة ومفصلية فيما يتعلق بمستقبل المشهد السوري.