الجبن السويسري والكيان الفلسطيني المُقترح
صحيفة الديار الأردنية ـ
مروان سوداح:
بعضهم يتحدثون عن وجود “خطة كيري” وآخرون ينفون وجودها، وبين التأكيد والنفي يواصل كيري زياراته المكوكية للمنطقة، عودة على بدء الزيارات المكوكية الشهيرة لهنري كيسنجر، الذي دشّن “المكوك” الامريكي في “الشرق الاوسط” لغيره من الوسطاء الامريكان بين العرب والاسرائيليين، لحل القضية الفلسطينية التي قد لا تحل أبد الدهر.
التظاهرات الشعبية التي تعمُ المنطقة في مواجهة مخطط كيري، أو مساعي ورغبات وإستراتيجيات كيري الامريكية التسووية وأوصاف أخرى تطلق عليها، تستفز قطاعات واسعة من العرب والفلسطينيين للنهوض في وجهها. فأولئك الذين يخرجون بالألوف الى الشوارع في الاردن وفلسطين والدول العربية، من الماء الى الماء، يرون بأن زيارات كيري تشكل خطراً داهماً على الشعب العربي واستقلاله في كل اقطاره، وتهديداً للكيانية العربية أينما كانت، لكون هذه الزيارات، والمخطط الكامن خلفها، مقدمة لتصفية القضية الفلسطينية، وشرعنة الاحتلال الصهيوني والدولة الدينية اليهودية، التي يُراد لها ان تكون الوطن الديني والقومي العالمي في آنٍ لليهود، وبدايةً لتوسع أفقي وجيوسياسي واسع على الأرض العربية غير الفلسطينية، بإعتبار ان فلسطين لم تَعد موجودة في المنظار الصهيوني، وبأنها تذكر فقط في الأدبيات العربية ووثائق الامم المتحدة وفي عقول “المرضى النفسيين” مِن الزعماء وقادة المجتمع المدني، والمنظمات السياسية، وفي اجتماعات الجماهير التي يسمّونها رعاع الأرض العربية، وصراصير في قنينة مُحكَمة الإغلاق، كما سبق ووصف سيء الذكر والصيت القابع في الجحيم أرائيل شارون.
مخطط كيري يستهدف إجراء نقلة نوعية في “القضية الفلسطينية الاسرائيلية العربية”، على اعتبار وجوب انه آن الآوان لتكتيل الأطراف الثلاثة لمواجهة التحديات الماثلة في المنطقة في وجه امريكا، وجر العربة الامريكية فيها بجهود الجميع، ومن الطبيعي ان يواصل كيري وهذا الطموح الكبير لديه، زياراته واتصالاته “لتقريب” وجهات النظر بين تلك الأطراف، وصولاً الى تصوّر “واضح” ومتفق عليه لديها، في تفاصيل واستراتيجية التسوية، يضمن التفاوض على اربعة بالمئة من العشرين بالمئة الباقية من مساحة فلسطين المحتلة، للإبقاء حَصراً على المدن الفلسطينية الرئيسية بيد السلطة الفلسطينية بغية تخليص “اسرائيل” من الكثافة والأعباء السكانية العربية المختلفة، وإعفاء اسرائيل بالتالي من الإدارة السياسية المؤرقة والمزعجة لها في الضفة الغربية، وشمول السيطرة الاسرائيلية على المستوطنات المُقَامة فيها، برغم تصريحات نتنياهو المتضاربة، بأنه على استعداد للتنازل عن “جزء كبير” من أراضي الضفة، “في المرحلة النهائية” للتسوية، للفلسطينيين”!”، وهي وعود شبيهة بوعود غزة أريحا أولاً، التي جرى تجميدها عقب الانسحاب الاسرائيلي الأول بموجب إتفاق 1993، وإرغام اسرائيل الفلسطينيين الدوان في حلقة مفرغة لمدة 21 سنة.
يبقى في مُخطط كيري ان القدس ستكون مدينة دولية ومفتوحة “للجميع”، ويُخصص جزء صغير فيها للفلسطينيين هو على وجه الحصر بعض المواقع الدينية الخاصة بالمسلمين، من تلك “الغير المتنازع عليها” بينهم وبين اليهود، وتنتقل سفارات الدول التي تعترف بإسرائيل لتستقر في أحياء القدس الشريف، ويُفتح الباب لتهجير الفلسطينيين الى الاردن، لأنه لا مُتّسعاً لهم في من الكيان الفلسطيني المُقبِل والهزيل، الذي سيكون شبيهاً بحُفرٍ مُتناثرة في قطعة من الجبن السويسري، وتنتهي بالتالي قضية المُطالبة بدولة فلسطينية كاملة، ويَنتهي معها النضال العربي التحريري، ويبقى الجولان السوري وغيره من الأراضي العربية مُحتلةً إسرائيلياً الى قيام الساعة!!!.