الثورة التي جعلت إيران قوة عظمى
وكالة أخبار الشرق الجديد ـ
غالب قنديل:
في ظل تحولات هامة عالميا وإقليميا تمرالذكرى السنوية المعتادة لانتصار الثورة الشعبية الإيرانية التي أسقطت نظام الشاه وأطلقت مسار التغيير في دولة إقليمية كبرى تميز تاريخها بكونها قوة إمبراطورية وبلدا غني الموارد قاري الامتداد يمتاز بتشابكات جغرافية مترامية داخل آسيا وبتنوع عرقي وإثني تتوسطه الفارسية وتحتضنه داخل الهوية الإسلامية للثورة بوصفها عنصر التوحيد الممكن تاريخيا لذلك التنوع .
أولا في هذه الذكرى الخامسة والثلاثين تزهو الجمهورية بانتصارها على الحصار الاستعماري الذي طوقها منذ لحظة انتصار الثورة وقد انتزعت اعتراف الغرب بكونها قوة إقليمية كبرى ودولة نووية تمكنت من كسب التحدي الاستقلالي وطورت قدراتها الذاتية الاقتصادية والتقنية في أصعب الظروف فامتلكت جيشا من المهندسين والعلماء والباحثين في جميع أبواب العلوم الحديثة والتكنولوجيا الصناعية وتمكنت من غزو الفضاء بإمكاناتها الذاتية والصافية وهو رصيد يؤهلها لمكانة بارزة في العلاقات الدولية المعاصرة.
إيران المستقلة والقوية والقادرة علميا وتقنيا وعسكريا حلم كبير ألهم قائد الثورة الراحل الإمام آية الله الخميني ورفاقه الأوائل الذين يتقدمهم آية الله السيد علي الخامنئي خليفة الخميني ومرشد الجمهورية الذي رسم الفصول الراهنة من التحدي التاريخي والحصاد الحضاري والعلمي والاقتصادي الذي يؤسس لتفتح القوة الإيرانية العظمى ويفرض على العالم بأسره الاعتراف بها والتوجه نحوها والرضوخ لمشيئتها كدولة مستقلة سيدة وكشريك رئيسي في محور عالمي مناهض للهيمنة الاستعمارية وذاك باختصار ما كان عليه حلم قائد الثورة ومفجرها ومفكرها آية الله الخميني.
ثانيا القواعد التي أرساها الإمام الخميني في تأسيس النظام الجمهوري الإسلامي وعمل السيد الخامنئي على تطويرها تثبت صلاحيتها في توليد ديناميكية خاصة للتغيير قاعدتها الإرادة الشعبية بحيث تحول دون التكلس والتحجر اللذين حاصرا معظم ثورات القرن العشرين بينما ضمنت حماية النهج الثوري ومبادئ الثورة هيكلية القيادة المعقودة للمرشد التي وضعت بتصرفه قوة اجتماعية وميدانية عصبها الحرس الثوري والمنظمات واللجان الشعبية للدفاع عن الثورة والتي تضم ملايين الإيرانيات والإيرانيين المتأهبين لمقاومة أي انحراف عن الأهداف العليا للثورة .
نموذج النظام الإيراني الفريد من نوعه قدم تعددية سياسية تحكمها البرامج والمشاريع التي تطال مختلف وجوه الحياة العامة وتحتوي تطلعات الناس إلى التغيير المتواصل وضمان تداول السلطة بسلاسة في سائر المؤسسات الدستورية المنبثقة بالاقتراع الشعبي العام لاختيار السلطتين التشريعية والتنفيذية ( مجلس الشورى ورئاسة الجمهورية ) بينما تتكفل القيادة بحراسة التوجهات العليا ومقاومة اي انحراف محتمل عن المبادئ الاستراتيجية وفي مقدمتها نهج مقاومة الهيمنة الاستعمارية والصهيونية في المنطقة والعالم كهوية تبنتها الثورة منذ فجرها ورسختها في نصوص دستور الجمهورية الإسلامية.
ثالثا إيران الجديدة التي ولدت في مثل هذه الأيام بمخاض ثوري استثنائي تتأهب لمرحلة تاريخية مهمة في مسارها وينتظرها صعود اقتصادي وازدهار حضاري شامل مع تفكيك الحصار الذي حرمها من فرص كثيرة وهي قدمت نموذجا لشعوب العالم في تحويل التهديدات إلى فرص من خلال بنيانها الاقتصادي المتقدم والمستقل كما ستكون في انفتاحها المقبل نموذجا للقوة الصاعدة التي ترسخ نهجها المناهض للهيمنة والداعم لقضايا الشعوب المستضعفة والمظلومة .
قضية فلسطين التي مثلت عنصرا حاسما في هوية الجمهورية الإسلامية منذ البداية ما تزال العصب في سياسة إيران الإقليمية والدولية وهي تلقى تعبيرها الحيوي في خيار دعم سوريا وقوى المقاومة وخلال السنوات الخمس والثلاثين الماضية كان هذا الحلف الاستراتيجي بين إيران وسوريا هو الحاضن لخيار المقاومة ولتيار التحرر في الشرق وفي حضنه انبثقت وتعاظمت قوة المقاومة اللبنانية التي دمرت هيبة الردع الإسرائيلية وأحدثت تحولا استراتيجيا فريدا.
الحلف السوري الإيراني بما فيه من تنوع فكري وثقافي اغتنى بالتجربة الطويلة فلم تزده التحديات إلا التحاما وصلابة اكدتهما الأحداث السورية الأخيرة بقوة وهي تجربة متطورة سياسيا وفكريا وعمليا تؤسس لمرحلة جديدة من العلاقات بين شعوب المنطقة وحكوماتها وقياداتها الحرة المقاومة بينما تتداعى وتهتز الحكومات الرجعية التابعة للاستعمار والمكونة لمنظومة الهيمنة الإمبريالية الصهيونية في الشرق التي تقابلها منظومة حلف المقاومة والتحرر .