“الثورات النسوية”: النسخة الجديدة لـ “الربيع العربي”
موقع الخنادق:
أظهرت الاحتجاجات التي تلت مقتل “مهسا أميني”، نمطاً جديداً من التفكير الاجنبي المعادي للجمهورية الاسلامية في إيران، يعكس مرونة التخطيط لدى الجهات الدولية الداعمة والممولة للحراك، التي لم تعد دعوى إدارتها المباشرة لأشكال الاحتجاج والفوضى المرفقة بحملة تضليل ضخمة لتحقيق هدف رئيسي وهو نسف المبادئ والأسس الدينية والقيمية التي قامت عليها الجمهورية الاسلامية منذ تأسيسها عام 1979.
الجديد في الخطة المعتمدة اليوم (والتي صاغها الديبلوماسي السابق ومدير الـ CIA الحالي ويليام بيرنز، ألمع العقول في الإدارة الامريكية الحالية وأكثرها فهمًا للملف الإيراني مع شريكه اللامع الآخر جيك سوليفان مستشار الأمن القومي والمدير الفعلي للسياسة الخارجية الامريكية)، هو أسلوب تداخل المراحل التي تقتضي نقل الشرارة التي فجّرت الأحداث في إيران إلى خارجها، وبالتحديد إلى نقاط الاشتباك الفعلية بين واشنطن وطهران في منطقة غرب آسيا، وتحديداً إلى دول محور المقاومة، والاستفادة من أي تطوير لنقل هذه الشعلة لتحريكها مجدداً إلى مناطق الفراغ (دول الربيع العربي).
بما أن الأمريكيين يفضّلون العمل في المنطقة الرمادية ضد إيران، فإن العنوان “الجندري” والمرتبط بقضايا المرأة “في العالم الثالث” حصراً، يعتبر جذاباً للتسلل عبره إلى شكل جديد وهجين من الحرب الناعمة، يستفيد من الزخم الذي تغذيه البروباغندا الغربية منذ سنوات على مدار الساعة في مواقع التواصل الاجتماعي، الحاضنة التلقينية المعرفية الأولى والرئيسية لمعظم شباب العالم الثالث، من خلال لافتات (الفقر – الامية – سطوة علماء الدين – تسلط الاسلام السياسي – التطبيق الخاطئ لتعاليم الدين – الاستبداد – الفساد – العنف – قهر المرأة – النظام الأبوي – وعشرات اللافتات المشابهة). استفاد البرنامج الأمريكي من تراجع النفوذ الروسي المستنزف بعمليته الخاصة الطويلة والبطيئة والمكلفة في أوكرانيا عن المنطقة، حيث أنّ خلوها من التأثير الروسي وذبذبة القرار التركي وضعف مصر وباكستان الشديد، وانغماس معظم الدول العربية في اتفاقيات التطبيع، وسّع كثيراً من دائرة الفراغ وانعدام الوزن في غرب آسيا، وجعل الجمهورية الاسلامية ومحور المقاومة وجهاً لوجه مع اللاعب الأمريكي مباشرة.
وهنا بيت القصيد، فلأن الأمريكي عانى المرارة في تجاربه العسكرية السابقة الأصيلة والوكيلة مع محور المقاومة، وقائدته إيران، وهُزم تقريباً في معظم المواجهات، فإن العودة إلى أسلوب الجيل الرابع من الحروب، أصبح خيار واشنطن الأمثل، حيث أنّ هذا الخيار الذي يُبعد الجنود الأمريكيين عن الميدان، يُطلق يد الأمريكي، للزجّ بنوع آخر من الجيوش في الجبهات، وهي منظمات المجتمع المدني (NGOS) المختلفة الألوان، التي تبدأ من الجماعات النسوية، مروراً بالجماعات البيئية وجماعات حقوق الانسان، وصولاً الى الجماعات المهتمة بالتراث والحركات الصوفية، وجماهير الفن والرياضة وخلافه.
وفي عودة إلى وظيفة الاحتجاجات الايرانية وتداعياتها في المشهد الكبير في منطقة غرب آسيا، فإن الشعلة التي أطلقت شرارة الاحتجاجات وغذتها، نزعات إنفصالية في كردستان الايرانية وسيستان وبلوشستان وآذربيجان الإيرانية، أدت وظيفتها كمدماك لما سيلي وظهر من خلال تطوّر الأحداث، أنّ الزج بكل أطياف المجتمع المدني في العالم بمواجهة الجمهورية الاسلامية احتجاجاً واستنكاراً، نتيجة لما تنقله السردية الامريكية من وقائع ملفّقة ومفبركة حول حقيقة الاحتجاجات، كل ذلك كان يضمر بالإضافة إلى الهدف الرئيسي، وهو خلخلة الوضع في إيران، هدفًا ثانويًا مدمجًا، وهو عملية تغطية للخطوة التالية التي تحرّكت بفاعلية بعد 10 أيام بالتمام والكمال من انطلاقة الاحتجاجات في إيران، وقضت تلك الخطوة التالية بإطلاق جيش “النسويات” في البلدان العربية وخاصة في العراق ولبنان وتونس والمناطق السورية الخارجة عن الدولة والكردية السورية بعنوان: الدفاع عن ما اصطلح بتسميته في الايام الاولى بـ “الانتفاضة النسوية”، ثم في الاسبوع الثاني بات يُطلق عليه اسم “الثورة النسوية” في إيران، إلاّ أنّ الهدف المخفي وراء العنوان كان شيئاً آخر وهو، الاستفادة من:
-الحركة النسوية السورية والكردية السورية التي تمتلك حضوراً وكلمة مسموعة في معظم الحركات النسوية اليسارية والعلمانية وحتى الاسلامية السنية في البلاد العربية.
-الخبرة والدور القيادي للنسويات اللبنانيات والعراقيات في حراكي لبنان والعراق عام 2019، واللاتي تنتمين إلى الاتجاه اليساري المتطرّف في الفكر والنظرة إلى الاسلام والتشيع.
إن تقديم الحراك النسوي الايراني الخارج على “قانون الدولة الثيوقراطية” كنموذج ومثال مصطنع للنضال النسوي بعد إعادة قولبته وصياغته في مختبرات الحرب الناعمة عندما أصبحت السردية الوحيدة عن حراك إيران هي التي يتحكّم فيها فقط الخارج البريطاني والفرنسي والكندي بزعامة الامريكي.
ومن أجل تصدر الحركات النسوية اللبنانية والعراقية والسورية “المعارضة” والتونسية، مهام الدفاع عن “نساء إيران”، فقد جرى حشد 168 منظمة نسوية عربية وإسلامية، و472 منظمة نسوية عالمية لتدعيم الدور القادم، الذي تؤكده معظم المؤشرات، وهو إعطاء دور أساسي للحراك النسوي العربي الآنف الذكر، في قيادة طفرة جديدة من الحراك العربي، وتمكينه ابتداءً من طرح لافتاته الفكرية وحملاته الاحتجاجية وعمليات تأثيره وترويجه، تحت مظلة “امرأة – حرية – استقلال”، الشعار الذي ارتضاه العرّاب الامريكي لمجمل الحراك في إيران، وتالياً في محيطها العربي. هذا الترتيب يعتبر تأسيسًا لموجة جديدة من “الربيع العربي”، الذي فشلت نسخته الأولى فشلًا ذريعًا، ولم يحقّق العلمانيون منها شيء، حيث أعادت الثورات المضادّة القبض على السلطة التي أعيد تشكيلها مجدداً بأشكال:
– أوتوقراطية عسكرية كما في مصر والسودان.
– ميليشيوية كما في ليبيا (المقسومة إلى جزئين متصارعين).
– شعبية حكومية دستورية كما في سوريا ولبنان والعراق واليمن وتونس.
– قمعت بالحديد والنار كما في البحرين والسعودية.
– تم استقطابها في الحكم لفترة مؤقتة كما في المغرب وسلطنة عمان والجزائر.
اللافت أن برمجة التغذية الراجعة من احتجاجات النساء في إيران، لحظت دوراً مهماً للناشطين من الرجال العرب خلف الحركات النسوية العربية، التي تتصدر الآن واجهة معظم المحتوى المنشور بالعربية، والمتصدية عربيًا لتفسير أبعاد وتداعيات الحراك الايراني للجمهور العربي.
ويتصدّر أكثر من 90 ناشطة وناشطًا عربيًا، معظمهم من أهل الفكر والقلم ومن أساتذة الجامعات أو الذين يمكن وصفهم بالنخبة العربية، وهي نوع من الصفوة الامريكية الـ (ELITE)، التي ستلهم الشباب العربي بحسب تقدير واضعي الخطة، وتأخذ بيده نحو هذه الطفرة الجديدة، التي يبدو أنها ستكون حكمًا الخطوة التالية للحراك الايراني في المخطط الامريكي.
إلا أن الامريكي يغامر في هذه المرحلة من خطته بفقدان كل شيء، فمعظم الشباب العربي متديّن أو قريب من الدين، أو متأثر بالقيم والتقاليد الدينية والشرقية، وهذا يعني أن الامريكي لو أخطأ التقدير، سيكون كالنافخ في قربة مثقوبة. قد يكون هذا الاحتمال أو هذه الفرضية تم أخذهما بعين الاعتبار في عقل المخطط الأمريكي، مما قد يلجأ في البداية لخطوة اختبار ميدانية في لبنان المأزوم مثلًا، أو تونس التي عادت العلمانية فيها للازدهار، فإذا ما رأى الأمريكي أن ردة الفعل على الخطوة كانت معاكسة وشديدة الرفض للمس بهوية الشباب العربي، فإنه قد يُحجم لفترة ما، ثم يعيد الكرة كما فعل مرارًا وكما يفعل الآن، بعد تهافت برنامجه في إيران، وبعدما برز اقتدار الشعب والقيادة الايرانية على استيعاب الخرق.
لكن مرحلة انكفاء الامريكي في هذه الحالة، قد تصاحبها موجة من الفوضى الأمنية والاغتيالات والتفجيرات والضغوط الاقتصادية، قد تشمل منطقة غرب آسيا بأجمعها، لإعادة تهيئة الميدان لجولة جديدة قادمة من الحرب الناعمة، وليس مقدّراً منذ الآن، كيف ستكون المنطقة في فترة الانتظار او الفراغ الذي سيلي الانكفاء الامريكي المؤقت، حيث أن الخبرة التاريخية تفيد بأن الامريكي يخسر كثيراً إذا تم منعه من الفعل وفرض عليه الانتظار وقتًا طويلًا.
الخلاصة والاستنتاج
– أظهرت الاحتجاجات التي تلت مقتل “مهسا أميني”، نمطاً جديداً من التفكير الاجنبي المعادي للجمهورية الاسلامية في إيران، يعكس مرونة التخطيط.
– الجديد في الخطة المعتمدة اليوم هي العودة إلى اعتماد أسلوب تداخل المراحل، التي تقتضي نقل الشرارة التي فجرّت الأحداث في إيران إلى خارجها، وبالتحديد إلى نقاط الاشتباك الفعلية بين واشنطن وطهران في منطقة غرب آسيا، وتحديداً إلى دول محور المقاومة، والاستفادة من أي تطوير لنقل هذه الشعلة لتحريكها مجدداً إلى مناطق الفراغ (دول الربيع العربي).
– بما أنّ الأمريكيين يفضلون العمل في المنطقة الرمادية ضد إيران، فإن العنوان “الجندري” والمرتبط بقضايا المرأة “في العالم الثالث” حصرًا، يعتبر جذابًا للتسلّل عبره إلى شكل جديد وهجين من الحرب الناعمة، يستفيد من الزخم الذي تغذّيه البروباغندا الغربية منذ سنوات على مدار الساعة لمعظم شباب العالم الثالث، من خلال لافتات (الفقر – الامية – سطوة علماء الدين – تسلّط الاسلام السياسي – التطبيق الخاطئ لتعاليم الدين – الاستبداد – الفساد – العنف – قهر المرأة – النظام الأبوي – وعشرات اللافتات المشابهة).
– ثمة ترجيحات قوية معززة بعدة مؤشرات دالة بأن الأمريكي أطلق هذا البرنامج في منطقة غرب آسيا، مستفيدًا من تراجع النفوذ الروسي المستنزف عن المنطقة بعمليته الخاصة، الطويلة والبطيئة والمكلفة في أوكرانيا.
– إن خلوّ المنطقة من التأثير الروسي وذبذبة القرار التركي وضعف مصر وباكستان الشديد، وانغماس معظم الدول العربية في اتفاقيات التطبيع، وسّع كثيرًا من دائرة الفراغ وانعدام الوزن في غرب آسيا، وجعل الجمهورية الاسلامية ومحور المقاومة وجهًا لوجه مع اللاعب الأمريكي مباشرة.
– عانى الأمريكي المرارة في تجاربه العسكرية السابقة الأصيلة والوكيلة مع محور المقاومة وقائدته إيران، وهُزم تقريباً في معظم المواجهات، وباتت العودة إلى أسلوب الجيل الرابع من الحروب خيار واشنطن الأمثل، الذي يُبعد الجنود الأمريكيين عن الميدان، ويُطلق يد الأمريكي للزج بنوع آخر من جيوش (NGOS) المختلفة الألوان في الميدان.
– إنّ الشعلة التي أطلقت شرارة الاحتجاجات في إيران، وغذّتها نزعات انفصالية في كردستان وآذربيجان الإيرانية، وسيستان وبلوشستان، أدّت وظيفتها الأساسية في الداخل الايراني والثانوية خارجها، لتُستخدم كعملية تغطية للخطوة التالية، التي تحركت بفاعلية بعد 10 أيام من انطلاقة الاحتجاجات في أيران، وقضت بإطلاق جيش “النسويات” في العراق ولبنان وتونس والمناطق الكردية السورية، تمهيداً لدور جديد ومبتكر في التخطيط الامريكي.
– من أجل تصدر الحركات النسوية اللبنانية والعراقية والسورية “المعارضة” والتونسية مهام الدفاع عن “نساء إيران”، فقد جرى حشد 168 منظمة نسوية عربية واسلامية و472 منظمة نسوية عالمية، لتدعيم وإعطاء دور أساسي للحراك النسوي العربي، في قيادة طفرة ثورية جديدة، وتمكينه ابتداءً من طرح لافتاته الفكرية وحملاته الاحتجاجية وعمليات تأثيره وترويجه.
– تحت مظلة “امرأة – حرية – استقلال”، الشعار الذي ارتضاه العرّاب الامريكي لمجمل الحراك في إيران وتالياً في محيطها العربي، يضطلع الحراك النسوي العربي بدور حساس تأسيساً لموجة جديدة من “الربيع العربي”، الذي فشلت نسخته الأولى فشلًا ذريعًا، ولم يحقق اليسار والعلمانيون منها شيء، حيث أعادت الثورات المضادة القبض على السلطة التي أعيد تشكيلها مجدداً.
– إنّ الامريكي يغامر في المرحلة التالية من خطته بفقدان كل شيء، فمعظم الشباب العربي متديّن أو قريب من الدين، أو متأثر بالقيم والتقاليد الدينية والشرقية، وقد يكون هذا الاحتمال بعقل المخطط الأمريكي، فيلجأ في البداية لخطوة اختبار في لبنان المأزوم مثلًا، أو تونس، فإذا ما رأى أن ردة الفعل كانت معاكسة وشديدة الرفض للمس بهوية الشباب العربي، فإنه قد يُحجم لفترة ما ثم يعيد الكرّة كما يفعل الآن بعد تهافت برنامجه في إيران وقدرة الشعب والقيادة الايرانية على استيعاب الخرق.
– أي مرحلة انكفاء مقبلة للأمريكي قد تصاحبها موجة من الفوضى الأمنية والاغتيالات والتفجيرات والضغوط الاقتصادية، من المرجح أن تشمل منطقة غرب آسيا بأجمعها، لإعادة تهيئة الميدان لجولة جديدة قادمة من الحرب الناعمة.
– ليس مقدّرًا منذ الآن، كيف ستكون المنطقة في فترة الانتظار او الفراغ الذي سيلي الانكفاء الامريكي المؤقت، حيث أن الخبرة التاريخية تفيد بأن الامريكي يخسر كثيراً إذا تم منعه من الفعل وإجباره على الانتظار مرغماً.