“الثورات الملوّنة”.. هاجس بكين في هونغ كونغ
صحيفة السفير اللبنانية ـ
محمود ريا:
بين مطالبة الولايات المتحدة للصين بالتحلي بضبط النفس في التعامل مع التطورات الحاصلة في هونغ كونغ، ومطالبة الصين لدول العالم، وعلى رأسها الولايات المتحدة، بعدم التدخل في شؤون المنطقة الصينية التي تحظى بحكم ذاتي موسع، يبدو أن ما تشهده شوارع المدينة المزدهرة سيكون له انعكاس أكيد على العلاقات بين الدولتين العملاقتين، وربما على الوضع في العالم ككل.
في الأصل، ليست العلاقات الأميركية ـ الصينية في أحسن حالاتها، وبرغم لقاء وزيري الخارجية الأميركي والصيني يوم الأربعاء الماضي، والتحضيرات لزيارة الرئيس الأميركي باراك أوباما المقبلة إلى بكين، فإن ما تلقيه الاستراتيجيا من ظلال على العلاقات الاقتصادية بين البلدين أكبر من أن تخفيه كلمات المجاملات في المقابلات الرسمية.
واليوم، تأتي قضية هونغ كونغ لتشكل باباً آخر للتباينات بين واشنطن وبكين، وربما تفتح التطورات المتسارعة فيها المجال لتوتر حقيقي بين العاصمتين.
لقد رصدت الصين جيداً ما ورد في وسائل الإعلام الأميركية من تشبيه “ثورة هونغ كونغ” بأحداث “ساحة تيانانمين” في العام 1989، تلك الأحداث التي وضعت الصين في مسار مواجهة حقيقي مع العالم الخارجي، وعلى رأسه الولايات المتحدة، نظراً للحزم الذي استخدمته السلطات الصينية مع المتظاهرين حينها، والذي رأى فيه الغرب جرائم موصوفة، ما دفعه إلى فرض عقوبات اقتصادية وعسكرية ما زالت الصين تعيش آثارها حتى اليوم.
ما يحصل في هونغ كونغ يبدو مقلقاً للقيادة الصينية، ولكن كل التصريحات والمواقف الصادرة عن المسؤولين الصينيين، والتعليقات الواردة في وسائل الإعلام المقربة من القيادة، تؤكد أن الصين لا يمكن أن تسمح بفلتان الأمور في هونغ كونغ.
وتذكّر الصين في كل لحظة بأن هونغ كونغ هي “هونغ كونغ الصينية”، وأن هذه المدينة، وإن كانت تحظى بحكم ذاتي واسع، وبالاستقلال الاقتصادي ضمن مبدأ “دولة واحدة ونظامين”، إلا أنها تبقى مدينة ضمن إطار السيادة الصينية، وبالتالي، فبكين لن تسمح بأن يكون قرار المدينة النهائي خارج إطار المؤسسات الصينية في “البر الرئيسي”.
ومن أجل ذلك، تعلن الصين بوضوح رفضها لأي تدخل خارجي في ما يحصل في هونغ كونغ.
الناطقة باسم وزارة الخارجية الصينية قالت بالحرف، على مدى يومين متتاليين: “نأمل من الدول المعنية أن تظهر حكمة في أقوالها وأفعالها، وأن تمتنع عن التدخل في الشؤون الداخلية لهونغ كونغ بأي شكل من الأشكال، والابتعاد عن دعم أعمال غير قانونية مثل “احتلوا الوسط”، وألا ترسل إشارات خاطئة”.
هذه الكلمات القليلة والمكثّفة، أتبعتها الصحافة الصينية بتعليقات قليلة ومركزة، تحذّر من أي وهم لدى دول غربية بأن ما يحصل في «هونغ كونغ» هو واحدة من “الثورات الملوّنة”، التي تمكنت الولايات المتحدة عبرها من تغيير أنظمة وتعديل سياسات في العديد من الدول. أما لماذا لا يمكن وصف ما يحصل في هونغ كونغ بـ«الثورة الملوّنة»، فلأن الأخيرة ـ بحسب صحيفة «غلوبال تايمز» المقرّبة من القيادة الصينية ـ ليست دولة، بل هي جزء من الصين، ولا يمكن للصين أن تسمح بحصول أي تغيير يؤثر سلبا على مصالحها فيها.
إزاء هذا الواقع، تبدو الصين كمن يغلق الباب منذ البداية على احتمالات فلتان الأمور من قبضتها في هذه المدينة الصينية، لأن الصداع القادم عليها من هونغ كونغ في الشرق، والقلق الذي لا يتوقف من أزمة سينكيانغ في الغرب، يضع بكين في ما يشبه حالة الحصار، بما يشغلها عن طموحها المتصاعد بلعب دور بارز على مستوى العالم.
فهل تنجح عملية التطويق الأميركية الغربية في إقلاق الصين فعلاً، أم أن حالة الهدوء الظاهرة في تعامل “المركز الصيني” مع تطورات هونغ كونغ تعكس قدرة حقيقية على التحكم في النهاية بمسار الأمور؟