التمديد لـ”اليونيفيل”: الملابسات والخيارات
موقع العهد الإخباري-
علي عبادي:
أما وقد تبنى مجلس الأمن الدولي القرار 2695 الذي يعيد تأكيد مضمون القرار 2650 الصادر العام الماضي لجهة منح القوات الدولية المنتشرة في جنوبي لبنان صلاحيات فوق العادة في تحركاتها على الأرض، فهذا يشير الى أن وجود القوات الدولية على هذه الأرض بات حاجة دولية، وتحديداً أميركية (وضمناً اسرائيلية)، أكثر منه حاجة لبنانية صرفة.
للتذكير، فإن القرار الجديد ــ أو المجدَّد ــ كرّر التأكيد أن “اليونيفيل” “لا تحتاج إلى إذن مسبق للقيام بالمهام المنوطة بها، وأن “اليونيفيل” مرخَّص لها بإجراء عملياتها بشكل مستقل”، برغم أن المشاورات بين الجهات المختلفة في مجلس الامن أدت الى إضافة فقرة لا تغيّر في جوهر القرار وتشير إلى “التنسيق مع الحكومة اللبنانية”، إنما هذا التنسيق لا يلغي “إستقلالية” القوات الدولية في حركتها. ويتأكد ذلك بمطالبة “الأطراف بالإمتناع عن وضع أي قيود وعوائق أمام حركة قوات “اليونيفيل” وضمان حرية حركة البعثة الدولية، بما في ذلك عن طريق السماح لها بتسيير دوريات معلن وغير معلن عنها”.
وحاولت فرنسا، التي تساهم بوحدة عسكرية ضمن قوات اليونيفيل وتطمح الى لعب دور سياسي توفيقي في لبنان، أن تتقدم بمشروع “وسطي”، لكنها جوبهت بمعارضة من حلف الولايات المتحدة وبريطانيا ودولة الإمارات التي تحتل مقعداً غير دائم في المجلس الحالي. وأضافت فرنسا الى المسوَّدة مواد مقترحة تنص على أن قوات حفظ السلام يجب أن تنسق مع الحكومة اللبنانية، وحذفت النص الوارد في قرار مجلس الأمن العام الماضي الذي يطالب جميع الأطراف بالسماح “بدوريات معلن وغير معلن عنها” لقوات الأمم المتحدة.
إستقلالية أم مرجعية بديلة؟
هناك تحوُّل في توصيف مهمة القوات الدولية في الجنوب، وهذا التحوّل بدأ العام الماضي على نحو غير مسبوق، من خلال ترسيخ مبدأ إستقلالية قوات “اليونفيل” في شكل يكرس مرجعيتها فوق مرجعية الدولة اللبنانية، برغم أن تغيرات عدة قلصت من أهمية دور هذه القوات، لعل أبرزها استعادة لبنان معظم أراضيه المحتلة، وبالتالي انتفاء أهمية وجود هذه القوات في العديد من بلدات الجنوب المحررة والبعيدة عن الحدود. وبعدما كان القرار 425 الصادر في أعقاب إجتياح 1978 هو المستند الأساس لنشر هذه القوات وتحديد وظيفتها، أضحى القرار 1701 الذي صدر في أعقاب العدوان الصهيوني عام 2006 هو الأساس الذي تستند عليه الدول الغربية المهيمنة على مجلس الامن لتحديد وجهة عمل “اليونيفيل”. ولا بأس من الإشارة الى ان القرار 1701 صُمّم خصّيصاً لخدمة هدف “اسرائيل” في إنشاء منطقة خالية من أي وجود للمقاومة جنوب الليطاني، ولم يقدّم في المقابل أية ضمانات حقيقية لحماية لبنان من الإنتهاكات الاسرائيلية التي تصاعدت جواً وبحراً وبراً منذ لك التاريخ. ومع ذلك، وافق عليه لبنان رسمياً آنذاك بهدف وقف العدوان الصهيوني وتأمين إنسحاب قوات العدو من المناطق التي احتلتها حديثاً.
بالإضافة الى ذلك، يلاحَظ إرتفاع في لهجة التعامل الأميركي مع الدولة اللبنانية، وكأنها غير موجودة أو خاضعة للوصاية غير المعلنة، بما يخالف مبدأ سيادة الدولة اللبنانية التي تزعم الولايات المتحدة وحلفاؤها إحترامها. ومن المفيد الإشارة الى ان القوات الدولية تعمل على الأرض اللبنانية بطلب من الحكومة اللبنانية، وتمديد عملها يتم بطلب من الحكومة اللبنانية. لكن مع ذلك، تتجاهل الدول المذكورة إرادة الدولة اللبنانية في ضرورة تنسيق القوات الدولية خطواتها معها بما يصون سيادة لبنان وسلامة أراضيه. ولذلك رفضت الدول المهيمنة على قرار مجلس الامن طلب لبنان تعديل مشروع القرار بما يقيّد عمليات اليونيفيل بالتنسيق المسبق مع الجيش اللبناني.
إنقلاب المهام
عودة الى القرار 425 الذي قرر في أعقاب الإجتياح الصهيوني الأول للجنوب في آذار/ مارس 1978 “في ضوء طلب الحكومة اللبنانية، تشكيل قوة مؤقتة تابعة للامم المتحدة في الحال، تخضع لسيطرتها، لتعمل في جنوب لبنان بقصد التحقق من انسحاب القوات الإسرائيلية، وإعادة السلام والأمن الدوليين، ومساعدة حكومة لبنان على تأمين عودة سلطتها الفاعلة إلى المنطقة”. فقد اعتادت الحكومة اللبنانية أن تتوجه كل عام الى مجلس الأمن لطلب التجديد لولاية “اليونيفيل”، بلا تعديل في مهامها. لكن في 31 آب/ أغسطس 2022، فوجئ لبنان بطرح مشروع تعديلات على قرار التمديد، تقضي بمنح هذه القوة حق القيام بمهامها بصورة مستقلة، وتسيير الدوريات “المعلن وغير المعلن عنها”، بدون إبلاغ الجيش اللبناني. علما أنه وفقاً لقواعد الاشتباك المعمول بها منذ وقف العدوان على لبنان سنة 2006، يرافق الجيش دوريات اليونيفيل ضمن نطاق عملياتها بالقرى الحدودية جنوباً.
ويتضح أن نص القرار 425 الذي صاغته الولايات المتحدة في حينه يؤكد على أن دور قوات الأمم المتحدة هو مساعدة الحكومة اللبنانية وأجهزتها لتمكينها من استعادة فاعليتها، مع التذكير بأن الجيش اللبناني لم يكن له حضور في تلك المرحلة بسبب الحرب الأهلية. وبالتالي مع اختلاف الظروف اليوم واضطلاع الجيش اللبناني بحضور ميداني بارز في الجنوب وتحقّق الإنسحاب من معظم المناطق المحتلة، لم يعد مبرَّراً أن تحلّ القوات الدولية محلّ الجيش اللبناني في أية مهام أمنية. وبالتالي، فإن دورها المفترض هو مساندة الجيش، لا أن يكون دورها هو الأساس ودور الجيش هو مساندتها وفق التوجه الجديد.
ويمكن أن يستنتج المرء أن هذا التغير أو الإنقلاب في المهام يهدف إلى نقل ولاية “اليونيفيل” من الفصل السادس الى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة الذي يدعو إلى فرض القرار بالقوة، كما تخوّف وزير الخارجية اللبناني عبد الله بوحبيب الذي أكد على رفض لبنان هذا الأمر. كما يمكن أن نستنتج أن هناك قراراً أميركياً أوسع بالوصاية على لبنان، يبدأ من إدارة الشأن الداخلي بكل تفاصيله وينتهي بإدارة الموقف الميداني في الجنوب.
وفي الحديث عن فاعلية دور “اليونيفيل” في تحقيق مصالح لبنان، لسائل أن يسأل: ما الذي تفعله “اليونيفيل” لوقف ممارسات التجريف واقامة جدران على طول الحدود، بما يمثل إقامة حدود أمر واقع في نقاط متنازع عليها، فضلاً عن احتلال القسم الشمالي (اللبناني) من بلدة الغجر؟ وهل “اليونيفيل” مهتمّة بوقف الخروق الاسرائيلية المتراكمة في مقابل اهتمامها بما يجري في حقول وزواريب البلدات الواقعة جنوب الليطاني وصولاً الى شماله؟
على ضوء ذلك كله، ثمة سؤال أكبر عما اذا كانت هناك حاجة حقيقية بالفعل الى القوات الدولية وانتشارها في بلدات الجنوب، أو أن من المفيد (وهذا بديل مقترح) تكليف قوة مراقبين دوليين بالعمل مكانها وتكون وظيفتها الحصرية التأكد من الإنسحاب الإسرائيلي وإقرار ترسيم النقاط الحدودية، أخذاً في الإعتبار مساعدة لبنان على استعادة أراضيه وسيادته وليس فرض وصاية عليه أو الحلول محل قواته الأمنية. وإنها لمفارقة أن يتغنى الأميركيون في غير مناسبة باحترافية الجيش اللبناني، لكن عندما يصل الأمر إلى الجنوب يريدون أن يكون الجيش مجرد قوة مواكبة لـ”اليونيفيل”. أما لماذا؟ فلأنَّ جُلَّ مسعى الحكومة الأميركية هو الضغط على الجيش اللبناني لوضعه في مواجهة المقاومة وتحقيق مصالح “إسرائيل”، حتى لو جاء ذلك على حساب مصلحة لبنان العليا. ونعرف أن العديد من الدوائر الأميركية تدعو علناً الى حجب بعض المساعدات عن الجيش اللبناني بهدف زحزحته عن تموضعه وجرّه إلى صدام مع شعبه ومقاومته. وإضافة الى ذلك، يمكن للبنان أن يطلب العام المقبل عدم التمديد للقوات الدولية، والعودة الى صيغة مراقبي الهدنة التي اعتُمدت بعد العام 1948، باعتبار أن الحاجة الى هذه القوات إنتفت مع مرور الزمن.