التقارب السعودي-الإيراني بعيون يمنية
موقع قناة الميادين-
علي ظافر:
المفارقة هنا أن السعودية بهذا الإعلان الثلاثي المشترك، نسفت من بكين تلك الدعاية المضللة التي أطلقتها قبل ثماني سنوات من واشنطن بأنها تريد من عدوانها العسكري على اليمن “مواجهة النفوذ الإيراني”.
بعد قرابة ثلاث سنوات من المفاوضات الاستكشافية بين الرياض وطهران في بغداد ومسقط، توّجت اللقاءات بإعلان الطرفين من بكين اتفاقاً سعودياً-إيرانياً وبرعاية صينية على “استئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما”، وذلك بـ ” إعادة فتح السفارات والممثليات في غضون شهرين” بعد قطيعة دامت قرابة سبع سنوات أو تزيد (منذ العام 2016) أي بعد اندلاع العدوان على اليمن بعام واحد.
إعلان الاتفاق بين الخصمين اللدودين، أثار حفيظة كيان العدو الصهيوني من ناحية، وحفيظة الأميركي كونه أُعلن ومن الصين، ويتضح ذلك من خلال موقف رئيس وزراء حكومة العدو الإسرائيلي السابق بينت، إذ وصَّف الاتفاق بين الدولتين بأنه ” انهيار لجدار الدفاع الإقليمي الذي بنته إسرائيل ضد إيران”، فيما عدّته أوساط أميركية سياسية وإعلامية “خسارة كبيرة ومضاعفة للمصالح الأميركية وتحدياً جيوسياسياً للولايات المتحدة وانتصاراً للصين”، وفي المقابل، عدّته دول عربية خطوة في المسار الصحيح ستسهم في “خلق مناخ إيجابي في المنطقة”، وعلى وجه الخصوص، في العراق وسوريا ولبنان واليمن.
مقاربة صنعاء للتقارب بين الرياض وطهران
يعتقد سياسيون ودبلوماسيون في صنعاء أن تطبيع العلاقات بين الدول العربية والإسلامية، أمر مرحب به من حيث المبدأ، لتفويت الفرص أمام الأعداء المستثمرين في أزماتنا وخلافاتنا في المنطقة، وقد عكس ذلك موقف رئيس الوفد الوطني، محمد عبد السلام، من دون الإشارة أو ذكر الاتفاق بين طهران والرياض، وذلك في تغريدة له عبر “تويتر” أن ” منطقتنا بحاجة إلى عودة العلاقات بين دولها”، مؤكداً أن أميركا و”إسرائيل” “عملت على استثمار الخلافات الإقليمية” والتخويف من إيران كـ ” فزاعة لإثارة النزاعات وللعدوان على اليمن”.
والمفارقة هنا أن السعودية بهذا الإعلان الثلاثي المشترك، نسفت من بكين تلك الدعاية المضللة التي أطلقتها قبل ثماني سنوات من واشنطن بأنها تريد من عدوانها العسكري على اليمن “مواجهة النفوذ الإيراني”، و”إعادة اليمن إلى الحضن العربي”.
وإن كانت الرياض اليوم تظن، بأن استئناف علاقاتها مع طهران، سيمكنها من فرض مقارباتها السياسية على صنعاء، فهي واهمة إلى أن ينقطع النفس؛ لأن قرار صنعاء بيدها وحدها لا شريك لها، وإن كانت تكن الاحترام والتقدير للجمهورية الإسلامية الإيرانية قيادة وشعباً، هذا أولاً، وثانياً؛ لأن السعودية بحسب ما كشفه السفير اليمني في طهران إبراهيم الديلمي “سبق أن طلبت من طهران في الجلسات السرية خلال الأعوام الماضية في بغداد ومسقط الاتفاق أولاً على الملف اليمني، وبقية الملفات تفاصيل” فكان الإيرانيون يردون عليهم بصريح العبارة وبكل وضوح: بأن “القرار في صنعاء وليس في طهران”، وأن موقفهم وعلاقتهم مع صنعاء و أنصار الله علاقة إخوة صادقة في مواجهة العدوان والحصار الذي تقوم به السعودية، واقترحوا على المسؤولين السعوديين وقف العدوان والحصار.
الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله بعد اطلاعه على محاضر تلك الجلسات سبق أن كشف ذلك قبل سنتين (في ذكرى يوم الشهيد 2021)، أن “السعوديين طلبوا من الإيرانيين… موضوع اليمن، فرد عليهم الإيرانيون بأن القرار بيد اليمنيين في صنعاء”.
وصنعاء هنا لا تمانع في أي دور إيجابي أو وساطة لأي دولة، فما بالك بدولة صديقة صادقة كإيران، التي وقفت إلى جانب الشعب اليمني في مظلوميته، وانحازت إليه في موقفه الدفاعي المشروع، ومطالبه المحقة والعادلة، وبالتالي لن تقبل السعودية أن تكون إيران وسيطاً، بل تفترضها وصية على صنعاء، كما تمارس هي وصايتها على مرتزقتها وهذا غير صحيح.
الطريق الإلزامي لتصفير المشكلات
إن كانت الرياض تنوي التطبيع مع صنعاء، كما طبعت علاقاتها، مع قطر، وتركيا وصولاً إلى إيران، فإن ذلك يوجب عليها الاعتذار لليمن، ورفع الحصار، وإعادة الإعمار، وتعويض كل المتضررين من الحرب نفسياً وجسدياً، ومعالجة وحل الملفات الإنسانية، والانسحاب الكامل وغير المشروط من اليمن، وتفكيك كل الكيانات والميليشيات التي أسستها ولا تزال تدعمها، وعدم التدخل في شؤون اليمن، بعد ذلك يمكن ترميم العلاقات بين البلدين على أساس الاحترام المتبادل والندية والمصالح المشتركة.
في الخلاصة، لسنا مع من يبالغ في هذا الاتفاق، ولا ممن يقلل منه بانتظار النتائج، والعبرة كما يقال في الخواتيم، لكن ما هو مؤكد أن استئناف العلاقات بين البلدين لن يكبل إيران عن دعم فلسطين وحركات المقاومة، كما لن يكبل العلاقات السعودية- الأميركية- الإسرائيلية، بقدر ما يسهم ربما، وهو احتمال ضعيف جداً، في تبريد المشكلات في المنطقة وتصفيرها، بالنظر إلى حاجة السعودية إلى الاستثمار وتنمية الاقتصاد وتأمين النفط، خصوصاً أنها شارفت على الاقتراب من خط نهاية الرؤية الخيالية 2030، ولأنها تريد أن تجعل من نفسها مركز الاستثمار الأول في المنطقة بدلاً من الإمارات، التي تعمل هي الأخرى على وضع رجل في “تل أبيب” ورجل في دمشق.