التضخم المالي يفتك بالإقتصاد الأميركي
موقع العهد الإخباري-
د. محمود جباعي:
توسعت التداعيات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للعملية العسكرية الروسية في أوكرانيا بعد مرور قرابة الـ 55 يومًا على انطلاقها. اشتعلت حرب العقوبات الاقتصادية والمالية التي قادتها الولايات المتحدة والغرب ضد روسيا، في وقت تطور فيه الرد الروسي بعد اتخاذ عدة تدابير اقتصادية صادرة عن الحكومة الروسية، تهدف الى حماية الاقتصاد الروسي من جهة والى معاملة روسيا كل الدول غير الصديقة كما وصفتها موسكو بالمثل من جهة أخرى. ورغم أن روسيا هي المستهدف الأكبر من حيث حجم العقوبات الغربية عليها منذ 24 شباط 2022، إلا أن الواضح أن تأثير هذه العقوبات يطال الدول الغربية وأميركا أكثر من التأثير الاقتصادي والمالي على روسيا نفسها. فاليوم، دخلت الدول الفارضة للعقوبات على روسيا وفي مقدمتها الولايات المتحدة في دوامة اقتصادية كبيرة جدًا بعد ارتفاع معدلات التضخم المالي وغلاء أسعار السلع التي وصلت الى مستويات تضخمية قياسية تعتبر الأعلى في هذه البلدان منذ عقود.
أميركا تواجه موجات تضخمية على كافة الصعد
منذ بدء جائحة كورونا عانت أميركا كغيرها من دول العالم من ارتفاع مؤشر الأسعار بفعل اقفال المؤسسات وتوقف نسبة من النشاط الاقتصادي الذي دفع الحكومة الأميركية في حينها الى طباعة العملة بكميات كبيرة وضخها بالأسواق من دون أن تقابلها أي انتاجية تذكر، مما ألهب التضخم المالي في البلاد.
وتزامنًا مع بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، بدأت أسعار السلع الاستهلاكية في الولايات المتحدة بالارتفاع من جديد. ومع تفاقم الأزمة وطول أمد الحرب زادت معدلات التضخم بشكل كبير حيث ارتفع مؤشر أسعار المستهلك الصادر عن وزارة العمل الأميركية بنسبة تصل الى حوالي 8.5 % على مدى عام واحد وبنسبة 1.2 % على مدى شهر آذار الماضي فقط بعدما كان زاد بنسبة 0.8 % في شهر شباط بما يؤكد أن معدلات التضخم ترتفع بشكل كبير بين شهر وآخر مما يهدد بوصولها الى 2 % شهريًا، وهذا كفيل بتدمير القدرة التنافسية لمعظم المؤسسات الصناعية الأميركية بسبب ارتفاع كلفة الانتاج فيها.
التضخم المالي يشكل خطرًا جديًا على الاقتصاد الأميركي
بالعودة الى تفاصيل ارتفاع الأسعار ومستويات التضخم، يلاحظ أن أسعار الوقود وحدها ارتفعت خلال شهر آذار الماضي بنسبة 18.5 % مقارنة بشهر شباط مما يعني أن النسبة الأكبر من التضخم سببها ارتفاع أسعار المحروقات عالميًا والمرتبطة مباشرةً بالأزمة الروسية – الاوكرانية. كذلك ارتفعت أسعار السكن والغذاء والأدوية بشكل ملحوظ مما بدأ بالتأثير بشكل جدي على القدرة الشرائية للمواطنين بصورة عامة وعلى أصحاب المداخيل المنخفضة بصورة خاصة. كل هذا يؤكد دخول الولايات المتحدة في أزمة تضخم جديدة ومتراكمة مع الأزمة التضخمية السابقة الناتجة عن تداعيات أزمة كورونا، حيث وصل معدل التضخم المالي اليوم الى نحو 9 % وهو يقترب من تخطي الـ 10 % وهذا ما لم يحصل منذ عقود. ومع الارتفاع التدريجي والشهري لمعدلات التضخم المالي فإن الزيادات المحتملة على الرواتب والأجور سوف تتآكل بفعل الموجات التضخمية ولن تكون على مستوى ارتفاع الأسعار، مما ينذر بحصول احتجاجات شعبية في أميركا قريبًا جدًا كما حصل في العديد من الدول الاوروبية وعلى رأسها بريطانيا التي تظاهر شعبها منذ مدة احتجاجًا على ارتفاع معدل أسعار السلع الاستهلاكية.
خلاصة وتحليل
مع استمرار العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، ومع تبادل العقوبات الاقتصادية بين روسيا من جهة وأميركا ومعها الغرب من جهة أخرى، ستتفاقم الأزمات الاقتصادية والمالية في معظم الدول الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة الاميركية التي ستواجه حتمًا ارتفاعًا أكبر بمعدلات التضخم المالي بفعل حجم الاستهلاك الضخم الذي تحتاجه البلاد شهريًا، وهذا ما ينذر بحصول أزمة مالية اقتصادية عالمية جديدة تبدأ من أميركا وتنسحب على معظم دول العالم.