التحدي الصارم… والتصدي الدائم
موقع الانتقاد الإخباري ـ
محمود ريا:
يلهو البعض بزواريب، ويلتهي البعض بمجازر، ويضيع الكثيرون عن الطريق، والطريق واضحة، لا تحتاج لدليل.
إنها إلى هناك، إلى فلسطين، حيث العدو يتربص بالجميع، يجهّز لغزة غزوها، وللبنان اجتياحه، ولسوريا ضربتها، ولإيران الذراع الطويلة… ويتحضّر.
هو لا يكتفي بإعداد عدة الهجوم، وإنما يعمل على تأمين عدة الدفاع، فهذا يكمل ذاك، ولا يحصل هذا من دون ذاك.
وفي حين ينادي البعض بسحب كل قدرة لنا في لبنان على مواجهة أي عدوان، ويعمل البعض الآخر على تدمير كل قوة موجودة في سوريا، ويحرّض البعض على أي “درع استراتيجية” في إيران، يواصل الصهاينة القيام “بتأمين كل ما هو لازم”، للقيام باعتداءاتهم المعهودة بدعم وتشجيع من “الشبيح العالمي الأكبر”، الولايات المتحدة الأميركية.
وها هو “التحدي الصارم” يرمى قفازاً مستفزاً في وجه الجميع، وبدل أن يكون العرب على “قدر التحدي”، ها هم يتلهون ببعضهم، أو الأصح أن بعضهم يُلهي البعض الآخر عن التصدي لهذا التحدي، بخلق محن هنا، وإحن هناك، ومشاكل هنا وقلاقل هناك.
إنه باختصار: مشاركة للعدو في تحضيراته للاعتداءات القادمة. إنه إعلان عن المشاركة في المناورات العسكرية الأميركية ـ الصهيونية التي تجري في هذه الأيام باسم “التحدي الصارم”، والتي تهدف إلى اختبار قدرات الدفاع الجوي الصهيوني على صد الصواريخ التي قد يتعرض لها كيان العدو جرّاء عدوانه على هذه المنطقة أو تلك من مناطقنا العربية.
لا يتابع العرب كثيراً هذه المناورات، وتفاصيلها، ومراحلها وأهدافها، وما يحصل فيها. لا يعرفون ما هي الأسلحة التي تستخدم فيها، والمنظومات التي تتحرك من خلالها، والأهداف التي تسعى للتدرب على صدّها.
ولماذا يعرفون، وهم عن كل هذا ملتهون؟
لماذا يُتعبون أنفسهم في معرفة ماذا يخطط لهم عدوهم، وهم يقدمون لهذا العدو أكثر مما يرغب، من خلال ضرب بعضهم بعضاً، ومحاولة تحطيم ما لديهم من قدرات، بأيديهم هم، وليس بأيدي أي أحد آخر؟
ولكن لا.
فلينتظر أولئك الذين يظنون أن مشروعهم يتحقق، وأن أهدافهم باتت وقائع على الأرض، تماثيل يسجد لها الأعراب، ويعبدونها من دون الله، ويدافعون عنها بدمهم وبنفطهم وبإماراتهم وممالكهم.. وحتى جمهورياتهم التليدة والوليدة.
فلينتظروا، لأن هناك من يصبر على تحدياتهم، ويتحمل عناء التصدي لمشاريعهم، ومن يبذل كل يوم جهداً فوق جهد من أجل إحباط مخططاتهم.
هناك من لا يهمّه كل ما يحصل في الزواريب، وما يقوم به الأخ والغريب، من مشاكل ومن فتن. يتعالى على كل ذلك، وينظر إلى هناك.. إلى “التحدي الصارم”.
وليس هذا فقط، بل هو يتلاعب بهذا “التحدي”، يعدّل في خططه، ويفرض عليه تحديات جديدة، ويدعوه لمواجهة أخطار أكثر صعوبة.
هناك من لديه صبر” أيوب”، ومن هو قادر على تحريك “أيوب”، ومن هو يملك ما هو أخطر وأكبر وأقدر من “أيوب”. إنه يخطط كما يخططون، ويرسم كما يرسمون، و”يناور” كما يناورون، ويحضر لهم من المفاجآت، ما هم عن صدّه عاجزون.
إنهم يقولون لهم: “ها نحن نشهر تحدينا في وجه تحديكم، وسلاحنا في مقابل سلاحكم، ولدينا ما هو أكبر من ترساناتكم، إيماننا وصبرنا، الذي عرفتموه حيث يجب أن تعرفوا”.
فماذا يمكن أن تفعل المؤامرات والمشاحنات والدسائس والمكائد مع عزم هؤلاء ومع صبر هؤلاء، ومع تعالي هؤلاء عن العربان، للنظر إلى أسيادهم، من فوق القباب الحديدية، والدروع الصاروخية؟