التحالف الصيني الروسي ونهاية حلم واشنطن
جريدة البناء اللبنانية-
حسن حردان:
شكلت القمة الأخيرة بين الرئيسين الصيني شي جين بينغ والروسي فلاديمير بوتين في موسكو، وما نتج عنها، شكل أكثر المؤشرات القوية على تنامي حجم التعاون الروسي الصيني الذي بلغ مستويات متقدّمة بعد اندلاع الحرب الروسية الأطلسية في أوكرانيا، حتى يكاد المرء يصل إلى قناعة راسخة بأنّ حلفاً استراتيجياً روسياً صينياً قد جرى تدشينه في اجتماع القمة، وانّ السياسة الأميركية مُنيت بذلك بأكبر إخفاق في تاريخها، فهي حصدت نتيجة عكسية لمحاولاتها الفاشلة إحداث تباعد بين موسكو وبكين، من خلال سعي واشنطن إلى استمالة الصين إلى صفها بهدف عزل روسيا والقضاء على طموحاتها في لعب دور عالمي، وبالتالي تحطيم ايّ آمال صينية أو روسية في منافسة أميركا على الساحة الدولية، لإقامة عالم متعدّد الأقطاب، واستطراداً تمكّن واشنطن من تعويم هيمنة القطب الأوحد بقيادة الولايات المتحدة.. لكن القيادة الصينية برئاسة شي بينغ، أدركت الفخ الأميركي المنصوب لها من خلال الغزل الأميركي الغربي لبكين لإقناعها بالابتعاد عن موسكو، والسير في سياسة العقوبات ضدّ روسيا، كما أدركت القيادة الصينية جيداً بأنّ انضمامها إلى هذه السياسة الأميركية، إنما كمن يطلق النار على قدميه، وانّ النتيجة لن تكون سوى كما يقول المثل، «أكلت يوم أكل الثور الأبيض».. ايّ انه بعد أن تنجح أميركا بمحاصرة وعزل روسيا عالمياً، وبالتالي إضعافها وإخضاعها، فإنّ الدور التالي سيأتي على الصين التي تعتبرها أميركا التحدي الأخطر لهيمنتها على العالم، لكنها ايّ واشنطن لا تستطيع الوصول إلى هدفها إلا إذا تمكنت من التفريق بين روسيا والصين، غير انّ هذه السياسة الأميركية لم يكتب لها النجاح، كما كان متوقعاً، لأنّ دولة كبرى مثل الصين ليست من السذاجة بمكان حتى تقع في حبال وألاعيب السياسة الأميركية..
ولذلك كان الردّ الصيني على الغزل الأميركي الغربي الملغوم، بتعزيز علاقاتها مع روسيا على نحو غير مسبوق، مما أحدث صدمة في واشنطن والعواصم الغربية، التي لم تكن تتوقع حصول ذلك، ما دفع مستشار الأمن القومي الأميركي السابق جون بولتون إلى القول: «التحالف الروسي الصيني مشكلة حقيقية للغرب».. أما وزير الخارجية الأميركي الأسبق مايك بومبيو فقد وصف ما جرى قائلاً: «لقد فشلت إدارة بايدن وسمحت للروس والصين بالاتحاد، وهذا يشكل مخاطر كبيرة للولايات المتحدة».. مشيراً إلى «أنّ العضوين الدائمين الآن في مجلس الأمن الدولي توحدا ضدّ الولايات المتحدة، الأمر الذي ستكون له عواقب سلبية على واشنطن»… على انّ صحيفة أكسبر رو الروسية جاء عنوانها معبّراً عن نتيجة القمة: «بوتين وشي جين بينغ ضمنا لواشنطن وجع الرأس»…
هذه النتيجة المرة للسياسة الخارجية الأميركية وانْ كانت قد بدت مفاجئة لواشنطن، إلا أنّ كبير منظري السياسة الأميركية زبيغنيو بريجنسكي كان حذر مبكراً صناّع السياسة في بلاده من مخاطر انتهاج سياسات الهيمنة لأنها سوف تستفز الدول الكبرى وتدفعها إلى التحالف والتعاون في ما بينها ضدّ أميركا، ولهذا فالأفضل بالنسبة لأميركا انتهاج سياسات تأخذ بالاعتبار مصالح هذه الدول حتى تتمكّن الولايات المتحدة من الحفاظ على دورها في قيادة العالم. مفرّقاً عن انتهاج سياسة الهيمنة، وبين انتهاج سياسة قيادة العالم. غير ان الادارات الأميركية المتعاقبة لم تأخذ بنصيحة بريجنسكي، ودأبت على مواصلة سياسات الهيمنة الأحادية، واستخدمت الوسائل العسكرية والحروب الناعمة وسيلة للاحتفاظ بهذه الهيمنة، وعندما فشلت هذه الوسائل لجأت إلى الوسيلة الاقتصادية، والتي تقوم على فرض العقوبات الاقتصادية والحصار المالي والاقتصادي ضدّ الدول التي ترفض الخضوع لسياسات الهيمنة الأميركية، أو تتحدّى هذه الهيمنة، ولم تستثنِ منها حتى الدول الكبرى مثل روسيا والصين، وبلغت هذه السياسة أوْجها في السنوات الأخيرة عندما لجأت إدارة الرئيس جو بايدن إلى فرض العقوبات على روسيا وأجبرت دول أوروبا والدول الحليفة لأميركا على الالتزام بها في محاولة لعزل روسيا وإخضاعها، لكن النتيجة جاءت معاكسة تماماً خصوصاً بعد فشل هذه السياسة في دفع الصين إلى الانضمام إلى صف الدول التي تقاطع روسيا.. الأمر الذي أظهر قصر نظر صناع القرار في واشنطن وعدم إدراكهم مصالح الدول الكبرى والمخاطر الناجمة عن تجاهل هذه المصالح والضرب بها عرض الحائط، مما دفع الدول المتضررة من سياسات الهيمنة والعقوبات الأميركية إلى التكاتف والتعاون والتحالف في ما بينها لكسر هذه الهيمنة وإسقاط سياسة العقوبات عبر إقامة الشراكات والتحالفات الاقتصادية وإجراء التبادلات التجارية بالعملات الوطنية، وصولاً إلى إقامة التحالفات العسكرية والاستراتجية لفرض موازين عالمية جديدة تكسر الهيمنة الأميركية والتي تجلت بالشراكة الروسية الصينية من جهة والمناورات العسكرية البحرية المشتركة بين كلّ من روسيا والصين وإيران إلخ… حتى جاءت قمة بوتين شي وما نتج عنها من تكريس للتحالف الاستراتيجي بين أكبر دولتين تواجهان الهيمنة الأميركية، وما سبق هذه القمة من نجاح بكين في تحقيق المصالحة السعودية الإيرانية، ومن ثم تفجر أزمة بنوك أميركا على خلفية تداعيات فشل سياسة العقوبات الاقتصادية الأميركية ضدّ روسيا، جاءت هذه التطورات المتلاحقة لتصبح المياه البارد على رؤوس صناع القرار في واشنطن والعواصم الغربية، الذين استفاقوا على انهيار أحلامهم التي اعتقدوا انها ستصبح حقيقة فإذا بها تنهار أمام أعينهم كما يذوب جبل الجليد…