التحالف الأمريكي يقاتل “داعش” ويقتل السوريين: “أخطاء” أم منهج؟
روسيا اليوم – علي حسون
فيما يتعرض أهالي منبج للقتل والترهيب على يد تنظيم “داعش” الإرهابي على الأرض، تقوم طائرات التحالف بقصفهم من الجو!
“الأمريكيون لا يقلون في وحشيتهم عن داعش” – هذا ما نقلته صحيفة “إيزفستيا” الروسية عن “محمد”، شاهد عيان من المدينة المحاصرة من قبل ما يسمى “قوات سوريا الديمقراطية”، مضيفاً أن الغارات التي شنتها طائرات التحالف الدولي، الذي تقوده الولايات المتحدة على قرية طوخان الكبرى في ريف منبج بمحافظة حلب، والتي يسيطر عليها “داعش”، أودت بحياة 212 شخصاً.
ويقول محمد: لا أفهم لماذا هذه القسوة، فالأمريكيون يقصفون يومياً، من دون أي تمييز بين السكان المدنيين ومسلحي “داعش”، وهم بهذا يتسببون بمقتل عشرات الأبرياء يومياً.
المجزرة التي ارتكبتها طائرات أميركية وفرنسية وحَّدت السوريين على اختلاف شرائحهم وانتماءاتهم، موالاةً ومعارضة على غير عادة، وانتشر هاشتاغ “#منبج_تباد” في صفحات السوريين على وسائل التواصل الاجتماعي خلال اليومين التاليين لارتكاب المجزرة، إضافة إلى حملات تدعو إلى إنقاذ المدنيين في المدينة، التي يسيطر عليها تنظيم “داعش” الإرهابي منذ 2014.
وتشهد المدينة الواقعة شمال حلب، والتي بقي من سكانها نحو 40 ألف شخص، هجوماً من القوات الكردية منذ 23 يونيو/ حزيران بدعمٍ كثيف من قبل طيران التحالف الغربي بقيادة واشنطن.
وأثارت المجزرة التي ارتكبها التحالف بدعوى مكافحة “داعش” في سوريا، غضباً واسعاً داخل الأوساط السورية، ولا سيما أنها صوحبت بصمت رسمي وإعلامي واسع من الحكومات الغربية التي تشارك في هذه الهجمات.
وقالت منظمة العفو الدولية إن الغارات على القرية يمكن أن تمثل أعلى حصيلة ضحايا في صفوف المدنيين منذ بدء قوات التحالف التي تقودها الولايات المتحدة العمليات الجوية ضد تنظيم داعش في سوريا عام 2014، فيما دانت الحكومة السورية مجزرة منبج، متهمة الولايات المتحدة وفرنسا بارتكاب عدوان، وطالبت الأمم المتحدة ومجلس الأمن بتحمل مسؤولياتهما في حفظ السلم والأمن الدوليين.
الولايات المتحدة علقت على الأمر، وقالت في بيان لها إنها على علم بعدد الضحايا، و”تُجري تقييمًا يتمتع بصدقية”. وأضاف المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية أدريان رانكين غالاوي “نأخذ الأمر بجدية بالغة”.
بيد أن المبعوث الشخصي للرئيس الأمريكي للتعاون مع البلدان الأخرى في مجال مكافحة “داعش” بريت ماكغورك فند هذه “الاتهامات”. وقال إن “الحكومة الأمريكية اطلعت على هذه الأخبار في وسائل الإعلام”. وأضاف “لا أعتقد أننا سنرى معطيات تؤكد شيئا من هذا القبيل” في موقف يعكس تعاطي واشنطن التقليدي مع هذا النوع من الجرائم، التي دأبت على ارتكابها خلال حروبها المتواصلة منذ أكثر من نصف قرن.
أما الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، والذي تقاسمت طائرات بلاده مسؤولية المجزرة مع نظيرتها الأمريكية، فأشار إلى عدم تأكده من قيام المقاتلات الفرنسية بتنفيذ عمليات بالقرب من منبج، في محاولة منه لنفي العلاقة الفرنسية بالمجزرة، التي نفذتها طائرات التحالف في القرية بناءً على إحداثيات قدمتها “قوات سورية الديمقراطية” حول مقار التنظيم في القرية.
ويؤكد نشطاء حقوقيون أن عدد الضحايا من المدنيين، الذين يتم توثيقهم من جراء قصف التحالف الدولي، كبير جدا مقارنة مع ما يدعيه الجيش الأمريكي، وأنه لا يوجد أي مبرر لقتل المدنيين بحجة محاربة الإرهاب الذي بدوره يقتل المدنيين. وطالب ناشطون حقوقيون الجيش الأمريكي بالاعتذار وتعويض المتضررين من هذه الضربات؛ مؤكدين أنه في حال عدم نظر الجيش الأمريكي للشكاوى، فإنه سيكون على المنظمات رفع دعاوى قضائية في المحاكم الأمريكية.
ولم تكن حادثة منبج الأولى من نوعها؛ حيث تكررت هذه الحوادث من التحالف الدولي بقيادة أمريكا أكثر من مرة. وعلى الرغم من خروج التحالف في حوادث عدة ليعترف بالخطأ المرتكب، فإنه لا يقوم بأي محاسبة فعلية على مثل هذه الجرائم؛ حيث إنها تدخل في طي الكتمان.
وللولايات المتحدة سجل حافل في هذا النوع من المجازر ضد المدنيين، وتحمل الرقم القياسي العالمي في عمليات القتل “غير القانونية” بحق المدنيين العزل.
ففي أعقاب هجمات الحادي عشر من أيلول، أطلقت الولايات المتحدة مشروعها المسمى “الحرب على الإرهاب”، الذي أودى إلى الآن بحياة الألوف من الأبرياء والمدنيين العزل في جميع أنحاء العالم؛ بما في ذلك في أفغانستان والعراق وباكستان واليمن والصومال وليبيا وسوريا. ومع ذلك، فإن التكلفة المدنية لما تسميه الولايات المتحدة الحرب على الإرهاب ومزاعم “تصدير قيم الديمقراطية والليبرالية” إلى العالم قد تم تجاهلها في الغالب من قبل وسائل الإعلام والسياسيين في الغرب. ذلك أن واشنطن تتصور نفسها فوق القانون، والسجل التاريخي يوضح بشكل مبرهن المواصلة الأمريكية لعمليات القتل الجماعي للمدنيين عبر العالم بصورة يغيب فيها القانون.
ولا يُذكر سجل الولايات المتحدة كدولة مارقة في وسائل الإعلام؛ لأن تمويلها وتسويقها يتم على أيدي الشركات التي تطالب بموارد العالم أجمع عن طريق التهديد تحت ضغط السلاح الأمريكي وقوات حلف شمال الأطلسي.
وبدلاً من اعترافها بجرائمها، تعمد الولايات المتحدة إلى إلقاء المسؤولية على من تَعدُّهم أعداءها.