البوابة اللبنانية والمتعهد المصري

موقع إنباء الإخباري ـ
ناصر الحسيني:
يعقد وزير الخارجية المصري سامح شكري لقاءات عدّة مع المسؤولين اللبنانيين في زيارته لبيروت التي جرى التهكن حول مضمونها ومؤدّاها، ما بين مبادرة على الصعيد الداخلي اللبناني لإيجاد تسوية سياسية تسفر عن انتخاب رئيس جمهورية، وما بين محاولة حراك إقليمي على خلفية التراجع التركي في الأزمة السورية واهتزاز نظام أردوغان بعد محاولة انقلاب فاشلة قادها الجيش.
وتأتي هذه الزيارة، كإحدى ملامح التغيّرات في المنطقة، فالسياسة الخارجية المصرية بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي تندفع باتجاه كسر حلقة رفض التطبيع الشعبي وافتتاح عهد السلام الدافيء مع إسرائيل، والسعودية اقتحمت هذا الميدان بجرأة ودون لبس، يتزامن ذلك مع ورشة عمل يقوم بها مندوبو الجامعة العربية بشأن ميثاق الجامعة العربية وآلية التصويت داخلها وشكل القرارات “غير الملزمة” لأعضائها، لإعادة صوغ إطار عربي يحاول التشبّه بمجلس الأمن الدولي، لجهة دور “فرض السلام” ولو بالقوة، وذلك من منظور ضيّق تنفرد به دول عربية قوية كالسعودية، أو إذا ما تمّ اعتماد وإقرار القوة العربية المشتركة وآلياتها التنفيذية لتكون أول تشكل حربي عسكري عربي مشترك مسموح به، دوله الفاعلة الإمارات العربية المتحدة والسعودية ومصر والأردن وغيرها من الدول المنخرطة في مناورات سنوية عدة في الولايات المتحدة والإمارات العربية والأردن وغيرها من البلدان وبمشاركة إسرائيلية، ضمنّ التنسيق المشترك والرؤية المتبلورة تجاه دور الجيوش العربية في المنطقة، وعملية استبدال عقائدئها لمواكبة التطورات الجديدة .
إنّ الإتجاه العلني في التطبيع مع إسرائيل وإزالة كل ما من شأنه أن يعوق هذا التوجه ولو تحت شعارات العمل العربي المشترك وقضايا العرب التقليدية(الشأن الفلسطيني والتسوية)، تظهر مؤشراته أيضاً في العمل الحثيث للملكة السعودية داخل الجامعة لتعديل الميثاق وتطوير الإطار الفكرى لمنظومة العمل العربى المشترك، وقد صرّح السفير السعودي أحمد عبدالعزيز قطان لدى القاهرة ومندوب بلاده في الجامعة أننا “بصدد تنفيذ قرارات المجلس الوزارى للجامعة العربية فيما يخص تعديل ميثاق الجامعة وتطوير الإطار الفكرى لمنظومة العمل العربى المشترك”، مؤملاً “الانتهاء من إعداد ميثاق الجامعة الجديد، ليتواكب مع التطورات التي تحدث في العالم”. ورداً على سؤال حول ما إذا كان تعديل الميثاق يشمل آلية التصويت على قرارات الجامعة، قال قطان: «تعديل آلية التصويت أمر نسعى إليه في الوقت الراهن، وآلية التصويت تمّ طرحها وتمّ الاتفاق على أن ننظر ذلك خلال الجلسات المقبلة، فلا بد أن تتغير آلية التصويت حتى نستطيع حسم كل المسائل في وقتها” .
فيما أكّد الأمين العام المساعد ورئيس مكتب الأمين العام للجامعة أحمد أبو الغيط، السفير حسام زكي، وكلاهما مصريين، فيما يخص الحديث عن تعديل آلية التصويت في الجامعة العربية من خلال الميثاق، أنّ “هناك آراء نوقشت في هذا الشأن، بالإضافة إلى موضوعات أخرى تتعلق بتعديل الميثاق، وهي أمور تحتاج بعض الوقت”، مؤكدا أنّ “الأهداف العامة من عملية التعديل والتطوير متوافق عليها بين الدول بنسبة كبيرة” ، في إشارة للتباين الذي يشوب وجهات النظر بين السعودية ومصر حيث ترفض الأخيرة الهيمنة السعودية على القرار العربي دون العودة للقاهرة، مع الموافقة الضمنية على مبدأ التطبيع الشعبي والعلني مع إسرائيل.
وقد أشار أمين عام الجامعة أحمد أبو الغيط قبيل افتتاح القمة العربية في موريتانيا حزيران الماضي إلى اعتزامه التغيير في العمل العربي المشترك وتطويره، وقال إنّ:” المهمة الأولى له بعد توليه المنصب تحقيق استقرار الأمة العربية، وأعكف على دراسة القضايا التي لا بدّ من حلها، وسأكون أمينا لقيادة الجامعة العربية”، وأكّد في افتتاح أعمال القمة أنّ:” الجامعة العربية تحتاج بشكل عاجل إلى التطوير لزيادة دورها في التعامل مع المشكلات العربية” .
وبالعودة إلى زيارة شكري إلى لبنان، فإنّ لهذه المتغيرات موجبات تحدو بالخارجية المصرية لكي تعير لبنان اهتمامها، فإضافة إلى كون أزمة الرئاسة السابقة جاء حلّها من القاهرة بانتخاب قائد الجيش السابق ميشال سليمان، وينسحب الأمر أيضاً على انتخاب مفتي الجمهورية اللبنانية عبد اللطيف دريان بمساعي مصرية، هناك المساحة الفلسطينية في لبنان وموقفها السياسي من السلام الدافيء والتي تجنح بفصيليها السلفي وأنصار المسار السياسي ومعهما حماس بقوة الضغط المصري عليها ولو اقتضى الأمر بالقوة العسكرية، إلى الإنخراط في المبادرة المصرية والمساهمة بإيجاد حلّ للقضية الفلسطينية تزيح عبأها لصالح التفرغ لمواجهة إيران وحلفائها في المنطقة، وسوف يستمع وزير الخارجية إلى تقارير سفارته في بيروت عن مواقف الأطراف الفلسطينية ورؤيتها للمرحلة المقبلة على ضوء مبادرة السيسي، ولن يكون مثيراً للإستغراب لقاء شكري مع ممثلين عن حزب الله للوقوف على رأيه في قضايا المنطقة وإنّ كان المراقبون يتوقعون أنّ يكون أي لقاء مع المصريين “بلا طعمة” كسابقه، وإن كان لهذا الإلتقاء المصري ـ الحزب اللهي، حسنة نفي صفة المذهبية عنه وانحصار التباين في الشكل السياسي الصرف، فحزب الله طرف فاعل ومؤثر في أي معادلة سياسية تطرح على البساط اللبناني وليس من المقبول على الدبلوماسية المصرية المعروفة بحنكتها تجاهله …
أمّا عن لبنان وموقعه من العمل العربي المشترك وإعادة صياغة دور الجامعة العربية، فللقاهرة، وهي مقر الجامعة العربية، تقدير خاص للبنان كونه عضوٌ مؤسسٌ للجامعة العربية ويهمها نيل دعمه والوقوف على رأيه، وكونه أيضاً البلد الذي يحمل لواء المقاومة والممانعة وتستقر فيه قاعدة شعبية عريضة تعادي التصالح مع إسرائيل فضلاً عن التطبيع على المستوى الشعبي معها.
دولياً، ومع تغيّر سيناريو الأزمة السورية ولو ببطء، يأتي تحرك القاهرة على ضوء الإستجابة التركية للضغوط الروسية عسكريا وسياسياً في سوريا، وتخوف أنقره من تحول سيناريو الدولة الكردية المعلنة في شمال سوريا والمدعومة من واشنطن إلى محل توافق مع موسكو، سيما أنّها استجابة “لاشتهاءات” إسرائيلية بتقسيم المنطقة والتي يضرب الحجر الكردي منها عدة عصافير إيرانية وعراقية وسورية وتركية، وتكون إسرائيل حاضنة شرعية لهذا الكيان، فرأت القاهرة أن تفتتح الفصل الدبلوماسي الجديد من البوابة اللبنانية ومد يد العون للنظام السوري من نفس البوابة، و”الزمرة” السياسية التي تضم روسيا والعراق ولبنان وإيران متوافقة مع فصيلة الرأي السياسي للقاهرة بالحفاظ على الدولة السورية وعدم تقسيم أراضيها والحفاظ على الجيش العربي السوري.
وطبعاً يستهدف هذا الحراك المصري أيضاً درء مخاطر هروب عناصر إضافية متشددة إلى أراضيها بكل السبل السياسية والأمنية بإغلاق الجبهات والممرات التي يمكن أن تساهم في هذه المسألة جراء إعادة ترتيب الأوراق في سوريا وتسارع الإنكفاء التركي وبدء عملية تصفية الجماعات المسلحة .
وقد أشار عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية رخا حسن إلى أنّ زيارة شكري للبنان تأتي للإستفادة من تغير موقف تركيا من الأزمة السورية، واتصالاتها المباشرة مع طهران، وتقاربها مع موسكو، وهو دافع محوري للتحرك المصري لإطفاء الأزمة في لبنان .
قد يقول قائل إنّ مصر التي تحاول النهوض من كبوتها لا بدّ أن تستثمر علاقاتها الدبلوماسية المتاحة، خاصّة مع استمرار التهديد المتأتي من الجماعات المسلحة من خاصرتها الغربية ليبيا، وخوفها من انهيار سوريا وبالتالي لبنان، ما يفتح المجال للتوقّد السلفي في الأردن من إطلاق شراراته التي ستصيب حتما مقتلاً في الجسد المصري، ولكنّ تجاوز معايير العمل العربي باتجاه التطبيع مع إسرائيل والسير ضدّ إرادة الشعوب لهو أخطر بكثير من خطر الجماعات المسلحة التي بدأ الجسم العربي يلفظها مدينة بعد مدينة.