البوابة الدمشقية عبر التاريخ: مدخل التشبيك الشرقي
جريدة البناء اللبنانية-
خضر رسلان:
يمكن القول إنّ موقع سورية الجغرافي ما بين القارات الثلاث آسيا وأفريقيا وأوروبا جعلها تاريخياً جسراً للأمم يتخطى مهمته أن يكون رابطاً ومعبراً للاتصال بين من قطنوا وعبروا، الى مركز للاشعاع الحضاري زادته صقلاً تفاعلها مع الحضارتين (العراقية من الشرق والمصرية في الجنوب) فأضحت جزءاً متمّماً لبلاد الرافدين تتكامل معها اقتصادياً عابرة من خلالها الى الأقاليم الشرقية الى إيران وجوارها وعلى امتداد تجارة الحرير التي كان مسارها إلى الصين وتنتهي عند مشارف البحر الأبيض المتوسط لتواصل براً إلى أوروبا عبر تركيا أو بحرا عبر الموانئ السورية. وإلى أرض سورية وبلاد الشام كانت تجيء القوافل العربية من جنوب الجزيرة وشمالها.
وبناء على المسار التاريخي ومحورية الحضور السوري على مستوى الإقليم الذي زاده ترسيخاً المفهوم الاستراتيجي الذي سلكه الرئيس حافظ الأسد الذي قاد سورية مرتكزاً على حقيقة مركزية تفيد أنّ سورية في هذا الفضاء الجيوسياسي تتجاوز بحدودها ودورها بلاد الشام أو سورية الطبيعية ـ إلى كلّ المشرق كمفهوم استطاع ان يفرضه على المشهد الإقليمي والدولي مستنداً على التجارب التاريخية التي تحتم تعزيز التلاحم بين مكوناته ايّ مكونات الإقليم وصولاً الى الحديث عن المصير المشترك الذي تمّ ترجمته في الكثير من القضايا والأحداث التي عصفت في المنطقة من رفض اتفاقية كامب ديفيد الى الوقوف الى جانب إيران أثناء الحرب المفروضة التي تعرّضت لها بتواطؤ دولي قلّ نظيره. هذا فضلاً عن تحوّل دمشق الى ملجأ لكلّ الأحرار العرب وقاعدة مركزية لقوى المقاومة ورافد أساسي للقوى الحية اللبنانية التي أسقطت اتفاقية 17 أيار وصولاً حتى تحرير لبنان من الصهاينة عام 2000 الذي شهده الرئيس حافظ الأسد خاتما حياته دون تقديم أيّ تنازل عن حبة تراب واحدة سواء من الجولان او القدس الشريف، مؤكداً على موقع سورية الريادي المتميّز في الخريطة الجيوستراتيجية التي وبعدما تيقن الأميركيون والصهاينة ثبات القيادة السورية الجديدة على نهجها المقاوم التي رفضت المساومة على مبادئها رغم كلّ الاغراءات والعروضات التي قدّمت لها تمّ شنّ حرب كونية عليها لتحقق اهداف عدة منها:
1 ـ إلغاء دور الشام التاريخي كنقطة ارتكاز للقوى المناهضة للهيمنة الأميركية.
2 ـ إنهاء القضية الفلسطينية وتعزيز الدور «الإسرائيلي» في المنطقة.
3 ـ الاستفادة من الموقع الجغرافي لسورية لإمداد أوروبا بالغاز القطري بديلاً للروسي.
هذه الحرب أفرزت تشكيل محورين رئيسيين في المنطقة.
المحور الأول: اصطفّ اصطفافاً مع أميركا، بقيادة السعودية ودول الخليج ودول أخرى، وتبنّى الرؤية الأميركية وسياساتها بكلّ تفاصيلها، التي تتضمّن تبني خيار التطبيع مع الكيان الصهيوني، بحجة تقويض النفوذ الإيرانيّ في المنطقة ومحاربته.
أما التكتّل المواجه، فهو الذي تقوده الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ويبدأ من طهران، مروراً بالعراق واليمن ولبنان وسورية وفلسطين، ويقوم على دعم القضية الفلسطينية ورفض الهيمنة الأميركية والوجود الاجنبي في الإقليم.
تزامن فشل الحرب الكونية ونجاح الدولة السورية ومحورها المقاوم في رفع مستوى التشبيك في مختلف الميادين السياسية والاقتصادية والعسكرية مع نشوء الأزمة الأوكرانية التي أفرزت بيئة جديدة أثّرت في المشهد العالمي ملقية بظلالها تجاه الكثير من الملفات والمستجدات الساخنة، مما انعكس على التكتلات الإقليمية في المنطقة التي باتت تتمتّع أكثر من أيّ وقتٍ مضى بقدرٍ أكبر من السيطرة والاستقلالية في ما يتعلق برسم مسار سياستها، وهذا ما ظهر جلياً في التحوّل السعودي الذي يبدو أنها باتت أقلّ تأثراً بالضغوط التي تُمارسها الجهات الدولية عليها.
بناء على ما تقدّم وانسجاماً مع الحقائق التاريخية وعلى الموقع الجيوسياسي المعطوف على علاقات التشبيك التي رسمتها القيادة السورية بدءاً من موسكو عبوراً الى بكين وصولاً الى طهران ومحور فلسطين ومع بروز دلالات واضحة على بداية أفول الأحادية القطبية وصعوداً ولو بشكل بطيء للقوى الإقليمية، وعلى هذا الأساس يتوقع ان يكون لدمشق أدوار متميّزة ورائدة وأن تتحوّل سورية الى نقطة ارتكاز محورية في العديد من الملفات الدولية والإقليمية والتي من أهمّها دورها المرتقب في تعزيز التقارب الإيراني السعودي والمساعدة في حلّ المشاكل العالقة سواء منها في العراق واليمن فضلاً عن الساحة اللبنانية التي تشي كلّ المؤشرات انّ أثرها سيزهر ياسميناً يلج من البوابة الدمشقية يرمّم العلاقة مع دولتها ويمهّد الطريق لعودة نازحيها.