الانتداب السعودي: ولاية أم متصرفية
صحيفة البناء اللبنانية ـ
وليد زيتوني:
تؤرّخ الشعوب لذواتها. تكتب مواضيها. تزّين أيامها السالفة تلوّن أساطيرها وأبطالها تسرد وقائع انتصاراتها تنشرها فنّاً وأدباً ليصبح التاريخ جزءاً من كنوزها الفكرية والمعنوية والأخلاقية.
جميل أنت كمواطن أن تحضر مسرحية تختصر مرحلة من تاريخ بلادك أو تشاهد فيلماً يرسم ملامح بطل أو بطلة فئة أو جماعة قدّمت ما يرضي نفسها وضميرها ومجتمعها أو تقرأ كتاباً أو نصّاً يثير في نفسك الاعتزاز بالمجد والكرامة والشموخ.
بالواقع كثيرة هي المسرحيات والأفلام الوثائقية في بلادنا. منها الصحيح والحقيقي ومنها المزوّر والمحّور والمدبلج والمسروق والمنسوخ حتى بتنا شعباً بلا ذاكرة أو تاريخ.
التاريخ الذي بدأناه بالحرف والكلمة صار مدوّنات حبّرها الدم. وأضحت المسرحيات التاريخية خبزنا اليومي ننفعل فيها نشارك في صنعها نسترجع شخصياتها نستعيد وقائعها نحن هذا الشعب «كومبارس» دائم حين يدعونا المخرج إلى لعب دور يريده.
في المسرحية التي لم تتوقف برغم تبّدل المخرج أو المخرج المساعد يرقّى بعضنا إلى رتبة باشا أو بيك أو شيخ أو آغا ويُسلْم مناصب تمثيلية رئيساً أو نائباً أو وزيراً أو مديراً أو ربما قائداً للمئة كلٌ حسب ولائه وإجادته للدور المعطى.
آخر الفصول المستحدثة في هذه المسرحية التي ربما هي أطول مسرحية في التاريخ هي عامية «سوليدير» كنسخة منقحة بتصرف عن عامية أنطلياس. عامية وعامية مضادة تعلن الثورة على قاعدة الاستقلال والحرية والكرامة الوطنية تُهاجم «باستيل» النظام وتُخرج «طانيوس شاهين» الجديد مبشراً بالعبور إلى الدولة. «الكومبارس» الهائل ردّد خلف أباطرة الثورة «حرية عدالة مساواة» وسيق أتباع النظام إلى السجن بانتظار المقصلة. المفارقة الوحيدة بين العاميّتين أن أرضية العامية الأولى كانت وطنية أما عامية سوليدير فهي سعودية الرأسمال والملكية والهوى.
حين احتدمت الأمور عام 1860 إثر المجازر المتبادلة أراد المخرج أن يعطي هدنة لكومبارس الجيوش المتقاتلة فأوجد صيغة المتصرفية حلاً للعقدة الثانوية التي كانت قائمة آنذاك وكان حكم الباشاوات من ألبانيا والنمسا وأرمينيا من داوود باشا إلى أوهانس باشا. ظلّت هذه المتصرفية إلى أن كان القضاء والقدر مسعفاً في إزاحة الرجل المريض بواسطة الحرب العالمية الأولى.
أما اليوم وبعد أن استدعى المخرج الأميركي بواسطة المخرج المساعد السعودي هذا الكومبارس إلى ساحات «الوغى» لتسطير فصل جديد! هل نشهد تكراراً لمتصرفية جديدة يولّى عليها أمير من الشيشان أو باكستان أو أفغانستان أم شيخاً لبنانياً من السعودية أو أميراً سعودياً من لبنان؟
نعم حسب إرادة المخرج فهو الذي يقرّر يفعل ما يريد حتى أنه ينَصّب الرؤساء ويوحي بالأنبياء ويظّهر العرافين ويمنّ علينا بالمال والسلاح والمكرمات.
نعم أيها «الكومبارس» العظيم الذي لم يتحوّل إلى شعب لن تفيدك نداءات العزة والكرامة ولا استغاثات الرحمة بنفسك ما لم تنبع من نفسك وذاتك الحرية الحقيقية والعزة الحقيقية والكرامة الحقيقية.
نعم أيها «الكومبارس» العظيم لن يسمح لك المخرج أن تتحول إلى شعب حقيقي لن يسمح بتسليح جيشك مهما تعددت التصريحات والبيانات والهبات لن يسمح لك باسترجاع أرضك لن يسمح لك باستغلال ثروتك
لن يسمح لك أن تحدّد صديقك أو عدوك لن يسمح لك أن تعيش كما يروق لك أو تموت كما يروق لك.
أيها المنادى إنها فرصتك الأخيرة تمرّد على الذلّ والخنوع إنها لحظة الخروج من تبعية البداوة ومن الحضارات المزّيفة الوافدة.
أولادك ينادون: نريد وطناً.
عميد ركن متقاعد