الاعلام الفلسطيني المُؤثر.. فلسطين اليوم نموذجاً
هيثم أبو الغزلان
تدرك دولة الاحتلال الإسرائيلي خطورة الرواية الفلسطينية الصادقة، لأنها تُشكّل خطراً على روايتها المزيفة؛ فسعت إلى إسكات رموز هذه الرواية؛ قتلاً وترهيباً واعتداءات، ومحاولة إسكات للاعلام الفلسطيني.. ولن يكون آخر هذه المحاولات القيام بمحاولة إسكات فضائيتي “فلسطين اليوم”، و”الأقصى”، وقبلهما إغلاق ثلاث اذاعات في محافظة الخليل: “منبر الحرية”، و”راديو الخليل”، و”إذاعة دريم”، بعد اقتحامها ومصادرة معداتها وتهديد بعضها الآخر بالإغلاق، كما هدد إذاعتي “ون” و”ناس” بالإغلاق، ومواقع إعلامية مختلفة، وقيام الاحتلال برفع دعوى على هيئة الاذاعة والتلفزيون الفلسطينية أمام محكمة لاهاي تحت ذريعة “التحريض”، واغتيال واعتقال عشرات المراسلين والمصورين الاعلاميين. ويتلخص الهدف الإسرائيلي من وراء كل ذلك إلى خنق الرواية الفلسطينية التي تنقل واقع الانتفاضة الفلسطينية المستمرة والنضالات المتواصلة لشعب يُراد له أن يستكين وأن يتعايش مع احتلال مجرم.
ومنذ البداية أدرك القادة الإسرائيليون حجم المخاطر التي تعترض روايتهم الزائفة؛ فقرروا التخلص من كل رموز النضال الفلسطيني، فقاموا بتصفية غسان كنفاني، ووديع حداد، وكمال عدوان، وكمال ناصر، وأبو يوسف النجار، وماجد أبو شرار، والدكتور فتحي الشقاقي، وهاني عابد، والشيخ أحمد ياسين، وعبد العزيز الرنتيسي، وأبو جهاد الوزير، وأبو إياد، وأبو عمار.. ومحاولات عديدة فشلت في اغتيال المستهدفين، منهم: بسام أبو شريف، وأنيس الصايغ..
لقد كتب الياس خوري عن اغتيال غسان: “لم يكن كنفاني سوى حلقة من الموت الفلسطيني الكثير الذي غطى تاريخ المنطقة منذ بدء الغزوة الصهيونية”… فاغتيال “كنفاني أخذ شكل القتل الرمزي، وبه افتتحت إسرائيل سياستها المركزية مع الجسد الفلسطيني، فصار قتل القادة والمناضلين الفلسطينيين أشبه بطقس رمزي، يسعى ليس إلى قتل الشخص المحدد فقط، بل إلى قتل الفكرة الفلسطينية”.
ويوضح خوري فكرته، فيقول: “عندما اغتيل كنفاني في بيروت عام 1972، اعتبر الكثيرون هذا العمل محض اغتيال سياسي، أما تحويل جسد الكاتب أشلاء فلم يكن مقصوداً في ذاته. إذ أن الهدف هو قتل الكاتب والمناضل.
وفي العاشر من نيسان 1973، اغتالت وحدة كوماندوس إسرائيلية كمال ناصر (الناطق الرسمي باسم منظمة التحرير الفلسطينية)، وكمال عدوان، ومحمد يوسف النجار، عضوي اللجنة المركزية في حركة “فتح. الغريب أن الناس وقفوا أمام جسد كمال ناصر المُدمّى، وقد أصابهم الذهول. إذ لم يكتفِ الإسرائيليون بقتل الشاعر الفلسطيني رمياً بالرصاص، بل ألقوه أرضاً على ظهره، يداه مصلوبتان، وهناك رصاصة في فمه.
يومذاك اتضحت دلالة الرمز في الموت الفلسطيني. كاتب “رجال في الشمس”، تمزق أشلاء وتطايرت أعضاؤه، والشاعر الناطق، أُخرس برصاصة في فمه، وصُلب على الأرض. وهذه كانت رسالة إسرائيلية تبحث ليس عن القتل فقط بل عن القتل الرمزي.
وبناء عليه، عمل الإعلام الإسرائيلي على تضليل الرأي العام، عبر قلب الحقائق وطمسها، وجعل الضحية جلادًا، والقتيل قاتلاً. وتصوير “إسرائيل” على أنها “ضحية للعنف الفلسطيني”. لذلك هي ـ أي إسرائيل ـ، التي تُهاجم من قبل أشخاص عنيفين بالحجارة، تقوم بحسب الصورة التي تصنعها لنفسها في الإعلام الإسرائيلي والغربي والأمريكي، بحسب ما أورده المفكر الفلسطيني الراحل “إدوارد سعيد”، على أنها “تستخدم الصواريخ والدبابات الإسرائيلية لحماية المواطنين الإسرائيليين من العنف الفلسطيني”!!
ومن هنا، يأتي استهداف الاحتلال الإسرائيلي، لقناة “فلسطين اليوم”؛ باقتحام مكتبها في الضفة الغربية وإغلاقه، واعتقال مديرها في الضفة وفيق عليات، وعدد من اعلامييها. ذلك لأن مراسليها وغيرهم، عملوا باحترافيّة عالية أظهروا من خلالها حقيقة الإجرام الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني.
ومع تطور وازدياد فعل وقوة انتفاضة القدس، وتعميق مساحة حملة المقاطعة (BDS) في دول العالم ضد إسرائيل، فإن الاستهداف الإسرائيلي سيزداد ويتسع، خصوصاً المُوجّه ضد وسائل الإعلام الفلسطينية، بحجة التحريض على العنف، والقيام بتغطية أحداث انتفاضة القدس. وأيضاً ستزداد الانتهاكات التي يرتكبها جنود الاحتلال الإسرائيلي ضد الصحفيين بغرض إيقاع أكبر ضرر بهم، لمنعهم من العمل، والتغطية الإخبارية التي تنقل انتهاكات وجرائم الاحتلال إلى العالم..
إن حجم التعاطف والتأييد والمؤازرة التي حظيت به قناة “فلسطين اليوم”، بعد الاعتداء الإسرائيلي المتواصل عليها، يؤكد على صدق الرسالة التي تحملها القناة، والتفاف الشرائح الفلسطينية كافة حول هذه القناة التي قرنت شعارها بأنها “قناة لكل فلسطين”، بواقع مارسته منذ انطلاقتها.. وهذا يضع عبئاً جديداً عليها، وعلى الاعلام الفلسطيني بشكل عام، بضرورة الاستمرار بهذا الطريق وهذا النهج، وتطوير الخطاب الاعلامي، وزيادة التشبيك مع المؤسسات الاعلامية الأخرى يما يخدم القضية الفلسطينية، والرسالة الاعلامية ضد الاحتلال الإسرائيلي، ويكشف المزيد من جرائمه ضد الشعب الفلسطيني، وبما يُكسب الفلسطينيين المزيد من الأنصار والأصدقاء على كل المستويات.
ومن هنا، فإن كل التوقعات تشير إلى استمرار العدوان الإسرائيلي على وسائل الاعلام الفلسطينية، بل وتصاعده، وخصوصاً ضد قناة “فلسطين اليوم”، في محاولة إسرائيلية لمنع وخنق الرواية الفلسطينية التي باتت حاضرة بقوة وتستعد للمزيد من التحديات والمواجهة في المرحلة المقبلة..