الاردن وإيران.. نقلة نوعية
صحيفة الديار الأردنية ـ
مروان سوداح*:
في زيارة نائب رئيس الوزراء وزير الخارجيّة وشؤون المغتربين ناصر جوده، الى الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ونجاح زيارته ومباحثاته في طهران، أهمية كبيرة ونوعية، وكثيرة المعاني، وأرى أن الإنعكاسات الإيجابية للزيارة وأبعادها تشمل الاردن والمنطقة.
في العاصمة الايرانية، استقبل الرئيس حسن روحاني الوزير الاردني، ووفقاً لوكالة الانباء الاردنية الرسمية بترا، فقد بحث الرئيس حسن روحاني مع الوزير جوده، ملف العلاقات الثنائيّة، وشؤون تطوّرات الأوضاع في المنطقة، وتسلّم روحاني رسالة خطيّة من الملك عبدالله الثاني، تضمّنت تمنّيات الملك بالتقدّم والاستقرار للشعب الإيراني الشقيق.
الرئيس الايراني أكد حرص بلاده على تطوير العلاقات الأردنيّة الإيرانيّة، في المجالات المختلفة، وأشاد بحسب خبر وكالة الانباء الاردنية، بالدور المحوري والمهم الذي يقوم به الأردن، بقيادة الملك عبدالله الثاني، إزاء التطوّرات، التي تشهدها المنطقة والعالم. وتمّ خلال اللقاء استعراض جُملة من القضايا ذات الاهتمام المشترك، وأولويّة النهوض بمستوى العمل الإسلامي المشترك وتفعيل آليّاته. وأيّد الجانبان ضرورة دعم الحلول السياسيّة السلميّة للعديد من التطوّرات والأزمات الحادة التي تشهدها بعض دول الإقليم.
في طهران دَارت مباحثات وعُقدت لقاءات اخرى مع الوزير جوده، منها ما هو في غاية الاهمية مع معالي وزير الخارجيّة الإيراني محمد جواد ظريف، الذي يَبرز في العالم كوزير خارجية رفيع المستوى، راكم خبرات دبلوماسية طويلة وكبيرة، ويَشتهر بشساعة ثقافته وموسوعيته، وعُمق درايته، ومهاراته السياسية.
زيارة الوزير الاردني الى طهران جاءت بعد تحسّن تدريجي طرأ على ملف علاقات البلدين، بعد برودة سياسية ودبلوماسية وتجارية واقتصادية طويلة خلال عهود سابقة، شهدت عودة السفير الاردني الى المركز، بينما بقي سفراء إيران في عمّان، يَقومون بعملهم كالمعتاد، عدا فترة انقطاع قصيرة جداً، كان سببها ظروف دبلوماسية، لا صِلة لها بعدم وجود سفير المملكة في العاصمة الايرانية.
الملك عبد الله الثاني زار طهران في العام2003، وأعقب الزيارة بفترة طويلة، تردي العلاقات بين العاصمتين سياسياً ودبلوماسياً، سيّما منذ بداية الصقيع العربي، وتزايد المدّ الارهابي ضد دول المنطقة وأنظمتها وشعوبها، ومحاصرة الاردن بالارهاب الامريكي وبالنار الصهيونية من كل حَدب وصَوب. لكن عودة العلاقات الاردنية الايرانية بالتدريج الى سابق عهودها، بعودة السفير الاردني الى مقرّه في السفارة الاردنية بطهران، غدا واقعاً سياسياً هاماً ولافتاً، برغم الحملة الإعلامية الضخمة والغير المسؤولة التي تشنّها بعض القوى والأنظمة السياسية في المنطقة، بهدف تخويف الاردن من إيران على خلفية إدعاءات وجود الوحدات القتالية لحزب الله على الحدود الاردنية السورية، ومزاعم أن وجودها هو بداية تأسيس “هلال شيعي” في الإقليم وتشييعه، و”عدوان” مزعوم على الاردن.
تحسّن العلاقات الاردنية الإيرانية، برغم استمرار الحرب الارهابية في المنطقة على الجبهتين السورية والعراقية بالدرجة الاولى هو في صالح الاردن بالدرجة الاولى، ويُوحي بأن الاردن الرسمي قد حزم أمره لجهة التقارب مع إيران، بعدما تطوّرت وتعمّقت العلاقات الاردنية مع كل من روسيا والصين، وتبلور الحلف الايراني الروسي الصيني بشكل أكثر وضوحاً مع مرور الأيام، وثباته وقوته، ما جعل من إمكانيات التقارب الاردني الايراني حِراك لازم. فإيران تساهم مساهمة محسوسة جداً في دعم حلفائها، كذلك الأمر للقوى الاخرى الصديقة لها. وموقع الاردن حالياً في الخارطة الاوسطية، يُحتم التقارب مع ايران لأسباب كثيرة ربما هي عدم الثقة بالقوى الدولية التي تقف وراء الارهاب الدولي، والثقة أكثر بأن القوى المُقابلة لها جادة في دحر الإرهاب، وجادة في تزويد دول الإقليم بالأسلحة، وبكل ما يلزم لدحره، خاصة ان الارهاب يهدّد إيران نفسها كما يهدد دول المنطقة كافةً، وبالتالي فإن تعاون الاردن مع إيران في هذا الملف بالذات سيغدو لازماً وعميقاً، والاردن مؤهل لهذا الدور.
شخصياً أرى في زيارة الوزير جوده الى إيران، خطوة كبيرة المعاني ونقلة نوعية، ومن الضروري متابعة كل ما سيتمخّض عنها وتحليله بصورة دقيقة. فالزيارة هي تعبير اردني عن إدراك المتغيرات المختلفة في العالم والإقليم إتصالاً بإيران، وبضمن ذلك المباحثات النووية الإيرانية الغربية ومآلاتها، ومسارعة اللحاق بكل تلك المتغيرات قبل إفلاتها من الاردن. لذلك، سوف تمهّد الزيارة الى تنسيق أكثر وأعمق مابين بعض الدول العربية الأقرب للاردن، و مابين إيران، وربما سيتوسط الاردن لبعضها مع ايران، في قضايا الاهتمام والهم المشترك، وللمحافظة على اوضاع تلك البلدان بدون تغيير حاد. فمن شأن سير المعارك في العراق وسوريا نحو الحسم لصالح البلدين، هو نصر للسياسة الايرانية بالمنطقة، التي ستحوز على اوراق جديدة، ستسارع دول الاقليم للعب بها سوياً مع طهران، لذلك نرى ان نتنياهو يسارع الى واشنطن لإقناعها بضرب إيران فخلط الاوراق بالمنطقة من جديد.
قوة ايران عسكرياً وسياسياً وصناعياً وفي غيرها من الحقول، سيُحتم التقارب معها، وبغير ذلك، فإن دول الإقليم التي سوف تنأى بنفسها عن إيران، ستتهدّدها اخطار عديدة. فالمساهمة الايرانية في المجال العسكري والأمني وفعاليتها، صار عاملاً مُهماً لدول الإقليم وأجهزته وسياساته المكانية والعالمية، ولا يُمكن غضّ النظر عنها. ناهيك عن أن الدحر التدريجي والثابت للإرهابيين، وبروز القوى الشعبية المُنظّمة في سوح المعارك السورية والعراقية، قد وضع المنطقة على المَحك، وأمام ممارسة واقعية جديدة لم تكن معهودة مِن قَبل، تشي بأن الجماهير قد بدأت تنهض لتأخذ دورها الاجتماعي والنضالي الطبيعي الاوسع وبمختلف أطيافه، والعسكري والسياسي واحد منها.
*كاتب وصحفي متخصص بالشأن الآسيوي.