الإعلام المقاوم والممانع، وصفة مضمونة لمنع الهزيمة

موقع قناة المنار-

خالد الفقيه:

أرسى الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في اطلالته الاخيرة حول تجديد الخطاب الإعلامي وإدارة المواجهة قواعد جديدة وتوجيهات عامة وتفصيلية للدور الذي يجب أن يضطلع به الإعلام الممانع الوطني والقومي والإنساني، بل ووضع أركان نظرية جديدة للإعلام نسفت النظريات السابقة المتمحورة حول انطلاق الإعلام من أسس الإفادة والتشغيل، وأنه إبن للبيئة العامة ولا يستطيع تجاوزها والقفز عنها.

ويمكن القول إن السيد نصر الله أسقط نظرية الغرس الثقافي التي تتبعها النظم السياسية والاقتصادية لخلق مجتمعات تابعة مسلّمة بما تتلقى من المرسِل بعد تطويعها، وهو ما درجت عليه وسائل إعلام عربية جعلت من التطبيع مع المحتل الصهيوني ممراً إجبارياً لإمكانية عيش المواطن العربي، بل وذهبت في الآونة الأخيرة نحو إستدخال الهزيمة النفسية في الوجدان والسلوك والعربي بليِّ أعناق حقائق التاريخ والجغرافيا والترويج لحق المحتل الإسرائيلي في أرض فلسطين من خلال ما تقدمه من مواد إعلامية وبرامج تسلية وترفيه ووثائقيات وإستضافات لقادة الاحتلال على شاشاتها. والأمر ينطبق على الإمبريالية الأمريكية من خلال ترويج تفوقها وعملقة مُواطنها الذي لا يُهزَم.

نظرية السيد نصر الله الإعلامية الجديدة عميقة، ويمكن وضع وصف لها بالتالي: “الإعلام شريك في صنع النصر وصورة الإنتصار كإبن للبيئة الشعبية المتنوعة المتطلعة للإنفكاك، والإنعتاقُ من النمط التخويفي والإستهلاكي السابق عبر الأدوات المختلفة إذا ما توافر له التخطيط الإستراتيجي التكاملي المبتعد عن التنافس والمؤمن بقدراته هو نقطةُ البداية”. ففي حرب تموز 2006 إمتازت التقنيات الإعلامية عن الحروب السابقة بين العرب والكيان الصهيوني بدقتها وسرعتها، عدا عن عدم قدرة أي كان على التحكم بها وبسعة إنتشارها وعبورها للحدود السياسية والجغرافية، حتى أن الإعلام المقاوم صار مصدراً للمعلومة ليس فقط للمتلقين بل للاعبين في هذه الحرب، وعلى ما تنقله بنَوْا مواقفهم السياسية والعسكرية برصدهم يوميات الحرب وردود الفعل إزاءها حول العالم. وكان السيد قال وقتها: “كل ما عندنا يُقال، ولكن عند الصهاينة اليوم كل شيء مخفي، أين تسقط الصواريخ؟ هم حتى الآن يتحدثون عن أكثر من ثلاثة آلاف صاروخ نزلت عندهم، أؤكد لكم أن هذه الصواريخ مسددة إلهياً ومسددة أيضاً فنياً وتقنياً ولا تضرب عشوائياً”.

وبالإستناد لما جاء في كلمته، ومن منطلق إهتمامي الخاص بدراسة وتدريس النظريات الإعلامية وتأثيراتها في الجامعات الفلسطينية، أستطيع القول: إن السيد نصر الله متابع دائم لوسائل الإعلام ويستطيع القراءة بعمق في ما تقدمه، ودعوته لتجديد الخطاب الإعلامي وتطويره شكلاً ومضموناً بالاستفادة من التطورات التقنية الحاصلة على مستوى العالم وخاصةً وسائل التواصل الاجتماعي، قد عنى بذلك أن قاعدة الإعلام الممانع توسعت وأدخلت لنطاقها المواطن الصحافي، الذي يجب الإستفادة منه في الرصد والبث والنقل، وهو ما يسهل على الإعلام المؤسساتي تحويل التهديدات ونقاط الضعف الى فرص ونقاط قوة. ومن ذلك إشارته إلى خيبة الأمل التي مُني بها العدو في خلق صور نصر في جولات عدوانه الأخيره.

كما أن تطوير الخطاب الإعلامي بتنوعه البشري والعقائدي هو من المداخل القوية للتصدي لرواية بعض الإعلام العربي المتماهي مع الاحتلال الإسرائيلي، والساعي لتقزيم إنجازات الشعوب والترويج للعدو وضرورة التسليم بحق الصهاينة في فلسطين.

مواجهة الكذب والتضليل الإعلامي الصهيوني وبعض العربي المتحالف معه، تتطلب كذلك مراجعة الأدبيات والمصطلحات الإعلامية وتبني الصدق والمصداقية في ما يقدم، وذلك للخروج من مخاطبة الذات نحو تكريس إعلام مختلف مستند للحق، فالإعلام جزء فاعل من قواعد الاشتباك ويجب أن يُنظر اليه كذلك كونه يؤسس لثقافة ترفض الهزيمة، وخسران الجبهة الثقافية أشد وقعاً من خسران جبهات عسكرية كاملة.

أما الدعوة لإعتماد الدراسات والبحوث والتحليلات والرصد، فهي بالفعل مدخل مهم لمغادرة مربع الشعر والتغني بالأمجاد والركون إليها دون السعي لتعظيمها وخلق ساحات جديدة لها. فالعدو ذاته يعمل من هذا المنطلق، وتقرير فينوغراد بعد حرب تموز 2006 أشار بوضوح إلى الدور الإعلامي الذي لعبته المقاومة خلال الحرب، لجهة صنع الهزيمة بجيش الاحتلال. وللتذكير، لم يكن إطلاق الاحتلال الإسرائيلي مباشرة بعد حرب عام 1967 إذاعة ومحطة تلفزيون وصحفاً ولاحقاً فضائيات ناطقة باللغة العربية، وكذلك الحال بالنسبة لقوى عالمية، إلا ترجمة لدراسات واقعية لسبر غور وعقول من تتوجه لهم، ودراسة ردود فعلهم للتخطيط بناء عليها، وهذا يقود للتفكير بإطلاق فضائية أو مواقع تواصل إجتماعي متينة ومتمكنة باللغة العبرية، وربما بلغات أخرى. وكل ذلك سيعني ليس فقط تطوير الخطاب بل أدواته المتسعه والتي تتجاوز أدوات الرقابة والمنع كما في السابق وبكلفة أقل بشرياً ومالياً، عدا عن القدرة على العمل تماشياً مع التطورات الميدانية وفي مختلف الساحات، ويعطي القدرة لمحاصرة الإعلام المعادي لخط الإلتزام بالقضايا المصيرية.

وما جاء على لسان السيد نصر الله في المؤتمر دعوة هامة يجب التقاطها وتطويرها، ووضع محددات وأسس لإطلاق ماكينة إعلامية تتجاوز الخلافات نحو التناقض المركزي مع عدو الشعوب العربية المتمثل بالكيان الصهيوني، ومع عدو الإنسانية المتصالح والمتآلف معه والمتمثل بالإمبريالية الغربية وعلى رأسها الإدارة الأمريكية كنظم سياسية لا شعبية. وهنا حري بالمقتدرين في هذا المحور العمل على التحرر من قيود الأقمار الصناعية ومن يملكونها، بإطلاق قمر صناعي في مدار المنطقة لتجاوز عقبات وعقوبات العمل، حيث أنه من المهم التنبه والعمل ضمن شبكات التواصل الاجتماعي، إلا أن مؤشرات ودراسات عديدة تفيد بأن الإعلام التقليدي ولا سيما المرئي والمسموع لا يزال الأكثر صدقية لدى جمهور المتلقين، وأن العودة إليه ستكون قوية وقريبة.

*اعلامي فلسطيني