الإتفاق النووي الإيراني.. الواقع والتحديات
صحيفة الوطن السورية-
محمد نادر العمري:
بعد حالة الاستعصاء وانغلاق الأفق الذي وصل إليه مسار التفاوض الإيراني مع مجموعة 5+1 في فيينا، ولاسيما مع الولايات المتحدة الأميركية على إثر تلويح الإدارة الأميركية الحالية برئاسة جو بايدن بنسف الاتفاق نهاية شهر تموز الماضي، بالتزامن مع اتهامات ملفقة وجهتها الوكالة الدولية للطاقة الذرية تزعم بها وجود آثار لمواد نووية في مواقع إيرانية لم تصرح عنها إيران، في تقاطع وتلاق مع الاتهامات والمزاعم الإسرائيلية، جاء الطرح والمبادرة الأوروبية للعب دور الوساطة لإخراج مسار هذا التفاوض من عنق الزجاجة الناجم عن المراوغة والمناورة الأميركية.
هذه المبادرة الأوروبية التي أعادت الآمال مجدداً وخلقت أجواء وظروفاً إيجابية، تضمنت في صيغتها الأولية لكلا الجانبين الأميركي والإيراني، بنوداً أبرزها:
– في حال موافقة الطرفين فإن الاتفاق بعد التوقيع عليه سيتم تنفيذه خلال فترتين زمنيتين متلاحقتين، تستغرق كل واحدة منها شهرين كاملين.
– رفع تدريجي للعقوبات الأميركية عن الجمهورية الإسلامية الإيرانية، على أن تبدأ منذ اليوم الأول الذي يلي الاتفاق وتتمثل في رفع العقوبات عن 17 بنكاً إيرانياً بما في ذلك البنك المركزي، و150 مؤسسة اقتصادية إيرانية في مقدمها مؤسسات الطاقة، وتحرير 7 مليارات دولار من الأصول الإيرانية المجمدة في بنوك كوريا الجنوبية، مقابل اتخاذ إيران إجراءات تحد من خلالها من رفع تخصيب اليورانيوم وتقلص عبرها عدد أجهزة الطرد المركزي التي قامت بتركيبها مؤخراً.
اللافت في المقترح الأوروبي، بند يتعلق بكمية تصدير إيران للنفط أثناء وبعد المدة المحددة، إذ نصت أحد بنود هذا المقترح، على تصدير إيران كمية تحدد بخمسين مليون برميل من النفط خلال فترة الأشهر الأربعة، على أن تزيد إنتاجها بعد ذلك إلى 2,5 مليون برميل يومياً، وهو ما يشي لعطش وحاجة السوق العالمية والأوروبية وخصوصاً لموارد الطاقة، وبذات الوقت التوجه نحو ضبط صادرات إيران وتحديدها لإرضاء الضغوط الإسرائيلية.
ولكن على الرغم من محاولة الأوروبيين بإغراء إيران بفتح أسواق النفط أمامها وتحرير جزء من أصولها المودعة في البنوك الخارجية، إلا هناك العديد من المعوقات والتحديات الماثلة أمام العودة للاتفاق النووي، وتحتاج بالدرجة الأولى لإرادة سياسية أميركية جادة لإزالتها، وتتمثل هذه العراقيل في:
أولاً- إذعان الوكالة الدولية للطاقة الذرية للمطلب الإيراني بسحب تقريرها الملفق بدعم أميركي وإسرائيلي وبريطاني، والذي تضمن وجود آثار من اليورانيوم المستخدم لإنتاج القنابل النووية في ثلاثة مواقع إيرانية غير مصرح بها وفق زعم الوكالة.
ثانياً- تقديم ضمانة أميركية تتعلق بتعهد الإدارة الحالية بعدم الانسحاب من الاتفاق النووي من الإدارات المتعاقبة، وهي من النقاط المحرجة للرئيس بايدن، لسببين: الأول أن هناك في الوقت الحالي، أي بفترة ولاية بايدن تيارين من النخب الأميركية من كلا الحزبين الديمقراطي والجمهوري يعربان عن رفضهما العودة للاتفاق النووي مع إيران، أما السبب الثاني فيتمثل في عدم وجود صلاحية داخل الدستور الأميركي يمنح رئيس الدولة الولاية على الرئيس الخلف للامتثال بسياساته إلا في حالة واحدة وهي تمسك الكونغرس بهذه القرارات وتبنيها.
ثالثاً- المفاوض الإيراني يطالب برفع العقوبات الغربية عن بلاده بشكل كامل وليس بشكل تدريجي، وهو ما يشكل صعوبة أمام الرئيس الأميركي جو بايدن، لأنه لا يستطيع وفق تقديرات مراكز الاستطلاع تأمين النصاب المطلوب وهي أكثرية الكونغرس للموافقة على رفع كامل للعقوبات، على الرغم من وجود أكثرية ديمقراطية داخل الكونغرس، ولكن نسبة 13 بالمئة منهم يرفضون الاتفاق، ولا يمكن تفادي هذه الصعوبة إلا بالتوصل لتسوية مع الجمهوريين لتمرير مشروع ما يتقدمون به للكونغرس.
ولكن السؤال الأبرز هنا، لماذا فجأة تحولت التصريحات من تهديد ووعيد أميركي بنسف الاتفاق، لأجواء إيجابية مبشرة باقتراب التوقيع، ولماذا طرحت المبادرة الأوروبية بهذا التوقيت للعب دور الوساطة وهي أحد أطراف الاتفاق؟ الإجابة عن ذلك تضعنا أمام مروحة متعاقبة من المقاربات:
المقاربة الأولى: تتمثل في حاجة الاتحاد الأوروبي لمصادر الطاقة ثم لمصادر الطاقة ثم لمصادر الطاقة، نتيجة انخفاض المخزونات الاحتياطية لأعضائه من هذه المصادر للحدود الدنيا مع اقتراب فصل الشتاء، بعد شدة الصراع الذي أقحموا به ضد روسيا في أوكرانيا لمراضاة التوجه الأميركي، وتعنتهم بعدم دفع ثمن الطاقة الروسية بالروبل الروسي وتحديدهم سقفاً أعلى لسعر الغاز الروسي وفق تقديراتهم.
المقاربة الثانية: رغبة الولايات المتحدة الأميركية متمثلة بالإدارة الحالية، في استرضاء الأوروبيين ومنحهم دوراً سياسياً واقتصادياً عبر إفساح المجال لهم للعب دور الوساطة بين الأميركيين والإيرانيين، وهي وساطة ما كانت لها أن تتم ولا أن ترى النور إلا بضوء أخضر أميركي، وذلك لعدة أهداف تسعى واشنطن لتحقيقها: فهي من جانب تريد ضمان بقاء الأوروبيين في مقدمة صراعها مع روسيا في أوكرانيا وعدم التخلي عنها نتيجة الحاجة للطاقة، ومن جهة أخرى تأمين جزء من حاجة أوروبا من الطاقة كما وعدتهم أميركا سابقاً، ومن جهة ثالثة لقطع الطريق أمام أي مبادرة صينية أو روسية لإحياء الاتفاق كما كان يتم تسريبه خلال الفترة الماضية وهو ما يعرض المساعي الأميركية لاحتواء دولتين ونفوذهما للفشل.
المقاربة الثالثة: تتجلى في اعتقاد إدارة بايدن الديمقراطية بأن العودة للاتفاق، هو إنجاز لها يجب أن تعيده لرصيدها الذي فقد منها في فترة حكم الجمهوريين، وهو ما قد يزيد من شعبية الديمقراطيين في الانتخابات النصفية المقبلة وفق اعتقادها، كما أن العودة للاتفاق يبرر للإدارة الأميركية الحالية تخفيض حجم قواتها في الشرق الأوسط والزج بهم جنوب شرق آسيا وشرق أوروبا لاحتواء النفوذين الروسي والصيني.
على الرغم من تعقد المشهد وتضارب التصريحات ما بين متفائل باقتراب العودة، أو الرافض لها، وما بين المتوعد لنسفه أو الراغب في الإغراء، وعلى الرغم من معالجة أكثر من 85 بالمئة من النقاط الخلافية وفق التصريحات الرسمية، إلا أن النسبة الضئيلة مازالت هي الأصعب، مع العلم أن الجميع ومن دون استثناء بمن فيهم الجمهورية الإسلامية والولايات المتحدة هم بحاجة إلى العودة لهذا الاتفاق وإن كانت هذه الحاجة بنسب متفاوتة ولكنها تشكل حاجة تزداد مع مرور الوقت ومع اشتداد الكباشات والصراعات والتجاذبات.