الأهــداف الأميركيــة الفعليــة
وكالة أخبار الشرق الجديد ـ
غالب قنديل:
كالعادة وعلى طريقة مهرجي السيرك العالمي تخلع الولايات المتحدة قناعا وترتدي قناعا آخر تسخر له آلة الضجيج الإعلامي الكونية الضخمة وشتى فنون العلاقات العامة والتسويق السياسي التي يجيدها موظفو الإمبراطورية الآفلة وهي تنتقل إلى ورشة مزعومة لبناء حلف عالمي لمكافحة الإرهاب ولكن خلف الأكمة قائمة من الأهداف التي تسعى إدارة اوباما لتحقيقها .
أولا التدقيق في جميع خطب اوباما عن خطر تمدد داعش يكشف حقيقة ان وجهة الحرب التي يروج لها ليست تخليص المنطقة وشعوبها من خطر الإرهاب بل إعادة ضبط قوة خرجت عن السيطرة بعد ما باتت لها مواردها المالية والتسليحية الخاصة كما قال واللافت ان تلك الموارد باقية ومستمرة في معظمها من قلب منظومة الحكومات الموالية للغرب في تركيا وقطر والسعودية ومن دون أي تدخل اميركي فعلي لإلزام أصدقاء واشنطن بإغلاق الحنفيات وقطع الخطوط التي قامت في إطار العدوان على سورية منذ اكثر من ثلاث سنوات وعبارة الخروج عن السيطرة التي استعملها أوباما هي بمثابة اعتراف بحقيقة التشغيل والاستخدام الأميركيين لهذا التنظيم الذي نتوقع إعادة استعماله اميركيا بعد ضبطه وتقليم أظافره كما حصل مع القاعدة التي استدارت إلى الهند مؤخرا ( طبعا ليست مصادفة ).
ثانيا الخروج عن السيطرة يتبدى من خلال التهديد الداعشي لعدد من المصالح والمواقع التي تشكل خطرا على منظومة الهيمنة الاستعمارية في المنطقة وأهمها ان تمدد داعش في العراق طرق حدود حقول النفط التي تستثمرها شركات اميركية وبريطانية في الشمال وتكذب الولايات المتحدة بالكلام عن حماية الأقليات العراقية فالجوهري والطاريء الذي حرك الغارات الجوية عند الاقتراب الداعشي من أربيل هو استغاثة شركات النفط التي هرب موظفوها الأجانب وليس هلع الكرد والأزيديين والمسيحيين من أبناء الشعب العراقي من المذابح والاقتلاع وسبي النساء وغيرها من جرائم داعش الموصوفة بل إن الولايات المتحدة وجميع حلفائها تجاهلوا تلك الفظائع المشينة بداية واستعملوا تعابير الثورة والهبة الشعبية في توصيف غزوة الموصل الداعشية ووظفوها في خطة الإخلال بالتوازن السياسي العراقي.
ثالثا صدى التمدد الداعشي داخل المملكة السعودية بات في تقدير مراكز التخطيط الأميركية نذيرا باستقطاب خطير كشفته موجة تأييد وهابية واسعة في نجد والحجاز يقودها الجناح الوهابي المتطرف الذي يساند خلافة البغدادي ويرى فيها صورة معاصرة لفجر الدعوة الوهابية وهذا الجناح يكفر حكم آل سعود وقد خرج عليه غير مرة في التاريخ المعاصر وكانت اخطر انتفاضاته في ثورة الحرم المكي التي قادها جهيمان العتيبي وهي معضلة تهدد ركيزة منظومة الهيمنة التي قامت في المنطقة منذ تأسيس المملكة السعودية وتستدعي تقليم اظافر داعش وإضعاف وهج حركتها وارتداداتها في الخليج وشبه الجزيرة العربية حيث المصالح النفطية الأميركية والغربية الأهم .
رابعا تعمل الولايات المتحدة في استثمار تهديد داعش لأمن الدول الغربية بسبب احتمال خروج مجنديها القادمين من بلدان الناتو إلى هجمات جديدة على غرار القاعدة وهذا ما يصطلح على تسميته بارتداد الإرهابيين إلى دول المصدر وهي بذلك تسعى لإعادة رص صفوف حلفائها بعنوان جديد قديم وامام خطر مشترك وتسعى في سياق العملية نفسها لترميم مكانتها القيادية المتراجعة دوليا بعدما حصدته من خسائر نتيجة التحولات الدولية الكبرى التي فرضها مناهضو الهيمنة الأحادية الأميركية في العالم ولذلك تصمم الولايات المتحدة على إقصاء خصومها ومنافسيها عن الحلف الذي تسعى لإنشائه وتجاهر صراحة بأنها ترفض مشاركة روسيا والصين وإيران والدولة الوطنية السورية التي تتصدر الحرب ضد الإرهاب في المنطقة بجدارة وقوة.
خامسا يسعى باراك اوباما إلى استثمار حربه المزعومة في رص صفوف الرأي العام الأميركي خلفه من جديد بعد تراجع شعبيته وهو يريد التأثير على توازن القوى السياسي في بلاده لصالح حزبه الذي يخوض منافسة صعبة مع خصومه في الانتخابات النصفية المقبلة ويتعرض لحملات عنيفة من النقد يراهن على كبحها بشعار مكافحة الإرهاب وبإعلان الحرب العالمية ضد خطر داعش ومن خلال سيناريوهات تروجها وسائل الإعلام الأميركية عن احتمال وقوع هجمات تشبه عمليات 11 أيلول 2001 .
سادسا تسعى إدارة اوباما إلى إظهار الولايات المتحدة في المنطقة بصورة المخلص بعد خروجها الذليل من العراق وإلى طمس مسؤوليتها عن تغذية الإرهاب التكفيري واستحضاره وحشده في الحرب على سورية وفي سعيها لتمزيق الوحدة الوطنية في كل من سورية والعراق ضمن مخطط التفتيت الأميركي الذي سمي بمخطط الشرق الأوسط الجديد والذي يتركز في بلاد الشام لحماية إسرائيل ولمحاصرة وإضعاف محور المقاومة الذي شل قدراتها الاستراتيجية .
سابعا تحت ستار الحملة ضد داعش تختبر الولايات المتحدة فرص تصعيد العدوان على سورية بالتعاون مع حلفائها المتورطين باحتضان فصائل القاعدة وبدعم داعش وتمويلها عبر توفير طلاء سياسي جديد لبعض الجماعات التكفيرية والأخوانية المستعدة للانخراط في القتال ضد دولة البغدادي تحت يافطة الاعتدال المزعوم وقد برهنت الوقائع على وجود مساع قطرية وتركية وسعودية لتعويم بعض الفصائل لهذه الغاية التي تلبي رغبة الرئيس الأميركي في التهرب من هزيمته امام الرئيس بشار الأسد بدلا من التقاط فرصة التحالف الدولي الإقليمي للتكيف مع حقيقة صمود الدولة السورية وقدراتها المتميزة في مكافحة الإرهاب التكفيري الذي لا يقضى عليه من الجو كما قال الوزير وليد المعلم.
ثامنا لا يقل اهمية عن كل ما تقدم هدف دائم ومستمر في جميع الحروب الأميركية وهو تنشيط مبيعات السلاح والتكنولوجيا الحربية والاستخباراتية فموسم الحرب الجديد يتيح للولايات المتحدة عقد صفقات مربحة لبيع الكثير من الأسلحة والتجهيزات الحربية المتطورة ولبرامج التدريب وإعارة الخبراء والمستشارين لحكومات المنطقة وتضخيم الصورة الإعلامية للحرب المزعومة يستهدف تجميع مليارات الدولارات بيد واشنطن من هذا الباب وخزائن الخليج رهن الإشارة كالعادة.