الأسد: السوريون اليوم أكثر تمسكا بالدفاع عن وطنهم… تصريحات المسؤولين الأميركيين مبنية على الأكاذيب

Bashar al-Assad- syria precident

أكد الرئيس السوري بشار الأسد أن السوريين اليوم أكثر تمسكا بالدفاع عن وطنهم من قبل بكثير، لافتا إلى أن “العمليات الإرهابية التي تأتي بتمويل وتحريض من الخارج هدفها إيصال السوريين إلى اليأس الكامل، ولكنها كانت تعطي تأثيرات معاكسة.”وقال الأسد، في مقابلة مع قناة “تيلي سور” الفنزويلية بثت أمس، إن “معظم تصريحات المسؤولين الأميركيين في معظم الإدارات هي تصريحات لا تحمل الحد الأدنى من المصداقية، ومنذ بداية الأزمة في سوريا بُنِيت السياسة الأميركية على الأكاذيب، سواء كانوا يعلمون أم لا يعلمون، وأنا باعتقادي أنهم كانوا يعرفون بمعظم الأكاذيب، ولكن ازدادت كثافة هذه الادعاءات والأكاذيب وساهمت الإدارة مباشرة بالتزوير بعد طرح موضوع استخدام الكيميائي في سوريا في 21 آب الماضي، ولم تقدم هذه الإدارة أي أدلة على ادعاءاتها، ما يعني عمليا انها كانت تكذب على الشعب الأميركي”.وأضاف إن “سوريا ملتزمة بكل الاتفاقيات التي توقعها، وهذا معروف عن سوريا منذ عقود طويلة، ولذلك أقول إن كل هذه الادعاءات الاميركية هي عبارة عن هراء وليس لها أي مستند واقعي ولا منطقي”. وأكد أن “العالم سيكون أفضل عندما تتوقف الولايات المتحدة عن التدخل في شؤون الدول الأخرى”.

وفي الآتي النص الكامل لمقابلة الأسد:

*هناك سيارة مفخخة انفجرت في دمشق وأدت إلى وقوع العديد من الضحايا. ما الرسالة التي يريد الارهابيون توجيهها، خاصة في هذه الظروف التي تمر بها سوريا ويمر بها العالم، وكيف ترون الظروف الحالية لمواجهة الإرهاب في سوريا؟

– هؤلاء الإرهابيون يعبرون عن رسالة واحدة، هي العقيدة السوداء المظلمة التي يحملونها. بالنسبة لهم، كل من لا يفكر بطريقتهم نفسها هو شخص لا يستحق الحياة، وهم يقومون من وقت لآخر بهذه العمليات لدفع المواطنين للاقتراب منهم أو لإحباطهم، بمعنى إفقادهم الأمل بالحياة، وعندما تفقد الأمل بالحياة تصبح الحياة بلا قيمة، تصبح قريبا منهم بشكل أو بآخر. هذا جانب، ولكن هناك أيضا عمليات إرهابية تأتي بتمويل وتحريض وتخطيط من الخارج لإيصال السوريين لليأس الكامل بأنه لا يوجد أمل في الوطن، وبأن سوريا التي تعرفونها عبر قرون من الزمن لم تعد موجودة. وفقدان الأمل هو الذي يدفع الناس إلى الهزيمة ويدفعهم باتجاه التوقف عن الدفاع عن بلدهم. ما رأيته أمس هو واحدة من مئات المحاولات التي حصلت في هذا الاتجاه، ولكنها كانت تعطي تأثيرات معاكسة، أي أن السوريين اليوم أكثر تمسكا بالدفاع عن وطنهم من قبل بكثير.

*رأينا رئيس الولايات المتحدة باراك أوباما وهو يتحدث في خطابه وتأملاته عما قامت به الإدارة الأميركية في مختلف أنحاء العالم، وتكلم خصوصا عن الوضع في سوريا، وكان موضوع سوريا موضوعا أساسيا في الأمم المتحدة. أوباما بشكل أو بآخر قال إنه متفق مع أنه يجب أن يكون هناك حل سياسي للأزمة في سوريا، ولكنه رغم ذلك يطلب من مجلس الأمن أن يكون هناك قرار حازم ضد سوريا وضد حكومتكم إذا لم تقوموا باستكمال ما اتفق عليه بشأن الأسلحة الكيميائية، رغم انه أيضا أكد أنه بالنسبة للولايات المتحدة فإن حكومتكم هي من استخدمت هذا السلاح الكيميائي ضد المواطنين؟

– أولا، بالنسبة لخطابه هو ككل خطاباته سابقا. خطابات ملأى بالادعاءات، مبنية على التزوير وتحمل الكثير من الأكاذيب، ولكن بشكل عام، معظم تصريحات المسؤولين الأميركيين في معظم الإدارات، سواء الإدارة الحالية أم الإدارات السابقة، هي تصريحات لا تحمل الحد الأدنى من المصداقية، لذلك ليس المهم أن نعلق على تصريحاتهم، وغالبا أصبحت مكررة، متشابهة. منذ بداية الأزمة في سوريا بُنِيت السياسة الأميركية على الأكاذيب، سواء كانوا يعلمون أم لا يعلمون. وأنا باعتقادي انهم كانوا يعرفون بمعظم الأكاذيب، ولكن ازدادت كثافة هذه الادعاءات والأكاذيب، وساهمت الإدارة مباشرة بالتزوير بعد طرح موضوع استخدام الكيميائي في سوريا في 21 آب الماضي، ولم تقدم هذه الإدارة أي أدلة على ادعاءاتها. يعني عمليا كانت تكذب على الشعب الأميركي. عندما لم يتمكنوا من إقناع الشعب الأميركي بادعاءاتهم لم يعد بوسعهم التراجع، فانتقلوا للمزيد من التصميم على الكذب، رغم اننا تحديناهم منذ الأيام الأولى كي يقدموا أدلة حول هذا الموضوع. أما حديثهم عن الفصل السابع، فبالنسبة لنا لا يقلقنا في سوريا. أولاً لأن سوريا ملتزمة بكل الاتفاقيات التي توقعها وهذا معروف عن سوريا منذ عقود طويلة، بل ربما منذ الاستقلال. ثانيا، لأنه الآن هناك توازن في مجلس الأمن لم يعد يسمح للولايات المتحدة، كما كان الوضع سابقا، باستخدام مجلس الأمن مطية أو أداة من أجل تحقيق أجنداتها الخاصة، من قلب أنظمة وتدمير دول بهذه الطريقة التي كانت سائدة، خاصة في التسعينيات. لذلك أستطيع أن أقول إن كل هذه الادعاءات الأميركية هي عبارة عن هراء، وليس لها أي مستند واقعي ولا منطقي.

*لنتكلم أيضا حول خطاب أوباما. نرى انه كان متخبطا لا يعرف ماذا كان يريد. أحيانا يتكلم عن استخدام القوة وأحيانا يتكلم عن استخدام الحل السلمي. يقول إن الاعتداء الإسرائيلي على سوريا هو من أجل الدفاع عن مصالح اميركا في المنطقة. ما هي مصالح الولايات المتحدة في المنطقة، وما الذي تبحث عنه في سوريا. أيضا حول ما يتم في مجلس الأمن بشأن سوريا، هل من المستبعد أن تقوم الولايات المتحدة بالاعتداء على سوريا.

– أولا، بالنسبة للتناقض الذي تذكره هو موجود في كل خطاب، وفي كل تصريح من تصريحات المسؤولين الأميركيين، سواء الرئيس أم وزير خارجيته أو بعض الآخرين الذين يصرحون. فمثلا يقولون إن سوريا لا تمتلك من الإمكانيات ما يقلق الجيش الأميركي إذا أراد أن يقوم بعمل عسكري أو بعدوان عسكري، وفي الوقت ذاته يقولون إن سوريا تهدد الأمن القومي الأميركي. هذا نموذج. والنماذج كثيرة في هذا الإطار. أما احتمال أن تقوم الولايات المتحدة بعدوان، فلو عدت للحروب التي خاضتها الولايات المتحدة ولسياسة الولايات المتحدة، على الأقل في النصف الأول من الخمسينيات، فهي سياسة تنتقل من عدوان إلى آخر بدءا بكوريا مرورا بفيتنام إلى لبنان إلى الصومال إلى أفغانستان إلى العراق. هذه هي السياسة الأميركية. هذا عدا ما قامت به في أميركا الجنوبية من تحريض على انقلابات ومقتل الملايين بسبب السياسة الأميركية. عشرات من الحكومات أطيحت بسبب السياسة الأميركية، فهذه هي السياسة الأميركية التي نراها حاليا، وهي نفسها التي كانت موجودة منذ عقود، لم تتغير، ولا أرى أن هناك سببا رئيسيا الآن ليجعلها تتغير، على الأقل من خلال رؤيتنا للوضع الداخلي الأميركي. هذا يعني أن احتمالات العدوان دائما قائمة، مرة تكون الحجة الكيميائي، وفي المرة الأخرى تكون هناك حجج مختلفة. المهم أن ما تقوم به الولايات المتحدة عمليا خلال هذه العقود هو تجاوز مجلس الأمن، تجاوز ميثاق الأمم المتحدة، تجاوز سيادة الدول، تجاوز كل الأعراف الإنسانية والأخلاقية، فربما علينا دائما أن نضع هذا الاحتمال نصب أعيننا في كل مكان من العالم، وهذا ما نقوم به في سوريا. لذلك نقول: هل هناك احتمال للعدوان؟ قد لا يكون هذا الاحتمال واردا الآن، ولكن متى يأتي هذا الاحتمال ويصبح واقعا لا أحد يعلم، ولكن يبقى احتمالا، ولا يجوز أبدا أن نستبعد هذا الاحتمال. أما لو عدنا للفقرة المتعلقة بما هي مصالح الولايات المتحدة. أنا اعتقد أن ما قامت به الولايات المتحدة عبر هذه العقود وعبر هذه الحروب والتدخلات يناقض تماما مصلحة الولايات المتحدة، فهي دولة عظمى ولديها مصالح سياسية واقتصادية وعسكرية وغيرها. تستطيع أن تحقق هذه المصالح بالاحترام المتبادل، بالعلاقة الجيدة، بالثقة، بالمصداقية، بتسويق ونشر العلم والمعرفة التي تتمتع بها الولايات المتحدة بدلا من نشر الإرهاب والدمار والخوف. فلا شك ان لها مصالح كدولة كبرى، ومعظم الدول الكبرى لديها مصالح عبر أنحاء العالم، ولكن هذه المصالح تنطلق أولا من الاستقرار في العالم. لا يمكن أن يكون لديك أي نوع من المصالح في منطقة مضطربة، حيث توجد حروب وإرهاب. نعم لديها مصالح، ولكن كل ما تقوم به الولايات المتحدة من سياسات يناقض مصالحها ويناقض مصالح الشعب الأميركي.

*هذا الخطاب من أوباما وهذا التناقض الواضح للإمبراطورية الأميركية. تكلم أمس عن مخرج سياسي وسلمي للأزمة في سوريا، ولكن رغم ذلك ترك الباب مفتوحا أمام خيار أنكم يجب ألا تبقوا في الحكم، وقال حرفيا إنه حان الوقت لكي تعرف روسيا وإيران حاليا أن استمرار الرئيس الأسد في الحكم سيوسع المجال أمام المجموعات المتطرفة لزيادة نشاطها. كيف ترون ما قاله أوباما، وهل تعتبرون أنه من الممكن أن تتركوا السلطة؟

– بالنسبة للجزء الأول، أيضا هو نموذج آخر من التناقض الأميركي. كأن نقول إننا نسعى للحرب ونسعى للسلم بالموضوع نفسه وبخريطة الطريق نفسها لكي نحل مشكلة معينة. هذا المنطق يعني تسويق العنف في العالم، أي شرعنة العنف كوسيلة أو كأسلوب للوصول إلى حل سياسي، وهذا يخالف المنطق. لا يمكن أن يلتقي العنف مع العمل السياسي. العنف يدمر أي فرصة للعمل السياسي. نحن نرفض هذا المنطق الذي حاولت تسويقه الولايات المتحدة مؤخرا من أجل تبرير العدوان على سوريا.أما بالنسبة لموضوع التنحي، فهذا الموضوع مطروح منذ أكثر من عام من خلال المسؤولين الأميركيين أو بعض حلفائهم من الأوروبيين. بالنسبة لنا هذا الموضوع لا يعنينا لسبب بسيط، لأنه منذ أكثر من خمسة عقود والولايات المتحدة لم تذهب برئيس في سوريا ولم تأت بمسؤول. سوريا مستقلة عبر أجيال، فلا يمكن الآن للولايات المتحدة أن تفترض بأنها قادرة على أن تحدد للشعب السوري من يأتي ومن يُطرد من الحكم. هذا الموضوع خاضع مئة في المئة لرغبات الشعب السوري. حتى الدول الصديقة ليس لها دور في هذا الموضوع. هذا يخضع لرغبات الشعب السوري، ويخضع حصرا لصندوق الاقتراع. عندما تكون هناك انتخابات يحدد من خلالها الشعب السوري من يريد ومن لا يريد فالموضوع منته، فعندما لا يريدك الشعب السوري يجب أن تذهب مباشرة والعكس صحيح. أما الولايات المتحدة سواء تحدثت في هذا الموضوع أم قامت بأشياء، فليس لها دور على الإطلاق، لذلك نحن لا نهتم كثيرا بتصريحاتها حول هذا الموضوع منذ البداية.

*لننهِ هذا الموضوع حول أوباما. قال عبارة سوف تبقى للتاريخ إن “العالم اليوم أفضل حاليا شكرا للولايات المتحدة”. كيف تفكرون، هل العالم أفضل وشكرا للولايات المتحدة؟

– لنتحدث بالواقع. هل أصبح العراق أفضل بالوجود الأميركي. هل أصبحت أفغانستان أفضل، هل الوضع في ليبيا أفضل، هل الوضع في تونس أفضل، هل الوضع في سوريا أفضل، أي مكان أفضل، هل كانت فيتنام أفضل عندما كان الأميركي يتدخل في شؤونها أم عندما تركها تستقل وتطور نفسها بنفسها؟ هذا الوضع لديكم أيضا في أميركا الجنوبية، هل هو أفضل الآن أم عندما كانت تتدخل الولايات المتحدة؟ الحقيقة أعتقد أن العالم يكون أفضل عندما تتوقف الولايات المتحدة عن التدخل. نحن لا نريد منها أن تساعد أحدا. هو (أوباما) كان يقول أمس نحن لا نستطيع أن نحل مشاكل كل العالم. أنا أقول إن الأفضل ألا تقوم الولايات المتحدة بحل مشاكل العالم. في كل مكان أرادت أن تقوم بعمل حولت الوضع في تلك المنطقة من سيئ إلى أسوأ.ما نريده من الولايات المتحدة هو ألا تتدخل في شؤون دول العالم، وعندها سيكون العالم بكل تأكيد أفضل. أما إذا كان يقصد أن انتشار الإرهاب اليوم في كل مكان هو الأفضل، فهذا يؤكد ما يقوله البعض من الأميركيين في الإعلام وفي الصحافة ان سياسة أوباما تقوم على دعم التطرف والإرهاب. إذا كان هذا صحيحا، فكلامه بهذا المعنى يكون دقيقا، بأن العالم أفضل لأن الإرهاب منتشر في هذا العالم. عدا ذلك نستطيع أن نقول إن كلامه غير دقيق وغير صحيح.

*هل وجدتم جديدا في موقف أوباما حول الرئيس (الايراني حسن) روحاني عندما أشار إلى أن روحاني قال إنه ليس هناك حل عسكري للأزمة في سوريا، وإن الأسلحة الكيميائية وصلت إلى المجموعات المسلحة التي تقاتل في سوريا عن طريق الدول الغربية؟ كيف ترون موقف روحاني وهو يدعو إلى إيقاف تمويل وتسليح المعارضة، وكيف ترون هذا الموقف حاليا من إيران ومن الرئيس الإيراني؟

– الموقف الإيراني موقف موضوعي جدا من الأزمة السورية لأنه يعرف حقيقة ما يحصل في سوريا، وفي الوقت ذاته يعلم أن هذه المنطقة واحدة. وبالتالي إذا كانت هناك نار تشتعل في سوريا فلا بد أن تنتقل هذه النار إلى البلدان المجاورة ولاحقا إلى البلدان الأبعد من سوريا، بما فيها إيران. فإيران تنطلق بسياساتها من هذا المنطلق، وتنطلق أيضا من منطلق آخر بأنه من حق الشعب السوري أن يقوم بحل مشاكله، وهذا ما نتفق عليه نحن مع كل من يقبل بقرار الشعب السوري في حل مشاكله.أما تعليقات الأميركيين على الموقف الايراني، فأولا، كما قلت قبل قليل، الأميركي سواء صرح سلبا أم إيجابا فلا أحد يصدق ما يقوله لا إن مدح ولا إن انتقد، أو استنكر أو ذم. وفي الوقت نفسه الإيراني ليس من السذاجة لكي يخدع بالموقف الأميركي، فإيران لديها تجربة أيضا كالتجربة السورية مع الإدارات الأميركية المتعاقبة، على الأقل منذ قيام الثورة الإسلامية في إيران. لذلك ما يهمنا نحن من هذا الموضوع ليس التعليق الأميركي، ما يهمنا هو جوهر السياسة الإيرانية تجاه سوريا. وأؤكد مرة أخرى انه جوهر موضوعي ويحقق بطروحاته الاستقرار في منطقتنا، إذا تم تطبيق جوهر هذه الرؤية الإيرانية من الأطراف المختلفة في سوريا.

*في تصريح إيران في الأمم المتحدة كان هناك مقترح حول العلاقات بين إيران والولايات المتحدة بأنه سيكون هناك اجتماع بين الرئيس الإيراني والحكومة الأميركية. هذه الاجتماعات التي لم تحدث منذ زمن طويل، كيف ترون هذا التقارب، هل هو عملية تقارب حقيقية من الولايات المتحدة نحو إيران، أم انها طريقة لمحاولة إبعاد أصدقاء سوريا عنها؟ وهل أيضا هذا يعبر عن أن الولايات المتحدة لم يبق لديها إلا التفاوض لحماية مصالحها، وليس استخدام القوة؟

– أولا، أقرب حلفاء الولايات المتحدة لا يثقون بها مع كل أسف. فبكل تأكيد، التقارب الإيراني الأميركي لا يعني أن إيران تثق بالولايات المتحدة. نحن لدينا علاقة مع الولايات المتحدة مرت بمراحل متعددة من الصعود والهبوط، ولكن الثقة لم تكن موجودة في أي مرحلة من المراحل. لكن في العمل السياسي، أنت بحاجة لكي تجرب كل الوسائل وتطرق كل الأبواب من أجل أن تخفف التوتر في العالم. فالتواصل والحوار هما شيئان ضروريان في طبيعة العمل السياسي للدول. نعتقد بأن تقارب إيران مع الولايات المتحدة، سواء من أجل الملف النووي الإيراني أو من أجل أي ملف آخر، هو شيء إيجابي يخدم المنطقة إن كانت هناك رغبة حقيقية وصادقة لدى الولايات المتحدة بأن تبادل إيران الاحترام وألا تتدخل في شؤونها الداخلية، وألا تعرقل حصولها على التكنولوجيا النووية وغيرها. هذا من جانب. من جانب آخر، لا أتخيل أن الولايات المتحدة تخلت عن مبدأ اللجوء إلى القوة العسكرية. أنا أرى العكس. عندما رأت الولايات المتحدة أن هناك منافسين لها على الساحة الدولية، أو حتى شركاء حتى لا نقول منافسين من دول عظمى ناهضة على الساحة، لجأت أكثر للعودة إلى مبدأ القوة، رغم أن هذه الإدارة هي نفسها عندما أتت بالانتخابات أتت على مبدأ رفض مذهب (الرئيس السابق جورج) بوش بالنسبة لاستخدام القوة. هي تعود الآن للمذهب عينه. أعتقد أنهم يحاولون أن يقوموا بعملية استيعاب للدور الإيراني كما حصل مع سوريا منذ بضع سنوات، ولكن الإيرانيين واعون لهذه اللعبة.

*بالعودة إلى سوريا وموضوع الأسلحة الكيميائية، ما الضمانات الحقيقية التي تقدمها حكومتكم بشأن موضوع القائمة التي قدمتموها للأسلحة الكيميائية، بأن هذه حقيقة ما تمتلكونه من هذه الأسلحة. وما الضمانات التي تقدمونها إلى مفتشي الأمم المتحدة لكي يقوموا بعملهم وتفتيشهم ويضعوا الأسلحة الكيميائية تحت السيطرة الدولية؟

– علاقتنا في هذا الموضوع ستكون مع منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، ولا يطلب من سوريا ضمانات للعالم، ولا للمنظمة، إنما يطلب تعامل مع آليات محددة أو الالتزام بآليات محددة تنص عليها اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية. وكما قلت قبل قليل، سوريا تلتزم عادة بكل الاتفاقيات التي توقعها. قامت سوريا مؤخرا بالبدء بتسليم البيانات الضرورية لهذه المنظمة، وخلال فترة يقوم خبراء من هذه المنظمة بالمجيء إلى سوريا للاطلاع على واقع هذه الأسلحة. فبالنسبة لنا في سوريا كحكومة لا توجد لدينا عقبات حقيقية. نحن دائما نضع احتمال أن يقوم الإرهابيون بوضع عقبات أمام المفتشين للوصول إلى الأماكن المحددة، سواء بدافع ذاتي من هؤلاء الإرهابيين وتلك المجموعات الإرهابية، أم بدافع من الدول التي تقف خلفهم وتمولهم من أجل أن يحولوا الاتهام باتجاه الحكومة السورية على أنها لم تتعاون مع المفتشين القادمين من تلك المنظمة. هذا هو الاحتمال الأكبر. أما بالنسبة لنا كحكومة، فلا توجد لنا أي مشكلة بالنسبة للتوافق مع الآليات المطروحة في هذه الاتفاقية.

*يعود المفتشون الدوليون إلى دمشق ليحددوا إمكانية تفتيش أماكن أخرى جرت ادعاءات بأنه تم استخدام الأسلحة الكيميائية فيها، عدا ما تم استخدامه في 21 آب. ما الضمانات التي ستقدمها حكومتكم لكي يقوم المفتشون بعملهم بشكل حر ومستقل؟

– بالنسبة لبعثة المفتشين التي تتحدث عنها، نحن من قام باستدعائها للمجيء إلى سوريا في آذار الماضي عندما قام الإرهابيون باستخدام الغازات السامة في إحدى ضواحي مدينة حلب في الشمال. لم تأت هذه المجموعة بمبادرة من الأمم المتحدة، أو من أي دولة أخرى، ومن وضع العراقيل في وجه مجيئها هو الولايات المتحدة. فعمليا نحن قمنا بدعوتها ولنا مصلحة بمجيئها من أجل تحديد حقيقة استخدام المواد الكيميائية في سوريا. فمن غير المنطقي أن نقوم نحن بدعوة جهة إلى سوريا وأن نقوم نحن بوضع العراقيل في وجهها. حتى عندما غادرت هذه البعثة سوريا مؤخرا، منذ بضعة أسابيع، كنا نريد منهم أن يستمروا في إنجاز استطلاع باقي المناطق المفترض أنه تم فيها استخدام الأسلحة الكيميائية، ولكن إصرار الولايات المتحدة على عودتهم قبل إنجاز هذه المهمة هو ما دفعهم إلى مغادرة سوريا. فالآن سيعودون، وبكل تأكيد هناك دعم لمهمتهم من الحكومة السورية، ولا توجد عقبات كما قلت، إلا عندما يقوم الإرهابيون بالتعرض لهذه البعثة، خاصة في الأماكن التي يوجد فيها الإرهابيون بكثافة كبيرة.

*على الرغم من الاتهامات بأن الحكومة السورية هي من استخدم السلاح الكيميائي، فان روسيا وحكومتها قدمت أدلة أمام الأمم المتحدة بأن المجموعات المسلحة هي من استخدمت السلاح الكيميائي. ما هذه الأدلة التي تملكون، وما الذي تقوم به الحكومة الروسية والحكومة السورية لكي تؤكدا أنه ليست الحكومة السورية من استخدمت السلاح الكيميائي وإنما المجموعات المسلحة؟

– طبعا لدينا أدلة ولدينا أيضا مؤشرات. بالنسبة للأدلة، أول الأدلة كان عندما تم استخدام الغازات السامة في خان العسل. قمنا بأخذ عينات من التربة ومن دماء المصابين، وأيضا بقايا القذائف الصاروخية التي استخدمت من أجل نقل المواد السامة إلى تلك المنطقة. بعدها كان هناك من خلال عمليات الجيش السوري اكتشاف لمخابئ عدة فيها حاويات بأحجام مختلفة تحتوي على مواد كيميائية، وفي بعض الحالات مواد سامة وأدوات تصنيعها. قمنا بتقديم هذه الأدلة للحكومة الروسية، خاصة قبل مجيء بعثة الأمم المتحدة إلى سوريا. أيضا لدينا اعترافات الإرهابيين الذين قاموا بنقل بعض المواد الكيميائية من الدول المجاورة إلى سوريا، وتم بث هذه الاعترافات على التلفزيون منذ أسبوع تقريبا.لكن لماذا لم تستخدم الحكومة السورية هذه المواد. عمليا، أولا لأن القوات السورية تتقدم وهي لم تستخدمها عندما كان الإرهابيون أقوى من ذلك بكثير منذ عام أو أكثر، فلماذا استخدمتها اليوم. هي لم تستخدمها في مناطق بعيدة فيها إرهابيون أكثر بكثير مما هو موجود في ضواحي دمشق فلماذا تستخدمها في هذا المكان. لا يمكن أن تستخدمها في مناطق سكنية ربما تؤدي إلى مقتل عشرات الآلاف وليس فقط إلى مقتل ألف أو بضع مئات. لا يمكن أن تستخدمها في منطقة قريبة من قواتها، فهذا يؤدي إلى مقتل عناصر القوات المسلحة أنفسهم. فبالمنطق، لا يمكن من الناحية العملية، من الناحية العسكرية، لا يمكن استخدامها في مثل هذه الظروف. ولكن عندما تكون لديك جريمة فأول سؤال يسأله المحقق قبل أن يبحث عن الأدلة، يفكر في البداية، من له مصلحة باستخدام هذه الأسلحة، أو من له مصلحة بهذه الجريمة. واضح تماما أن من له مصلحة بهذه الجريمة هم الإرهابيون أنفسهم، خاصة عندما تتوافق هذه الادعاءات مع وجود لجنة التحقيق. هل من المعقول أن تقوم الحكومة السورية باستدعاء لجنة التحقيق وتقوم باستخدام الأسلحة الكيميائية من أجل أن تأتي اللجنة وتحقق باستخدامها. هذا كلام لا يصدق، بعيد عن العقل تماما، فكل المؤشرات تدل على أن الحكومة السورية لم تستخدمها، وكل الأدلة الفعلية تدل على أن الإرهابيين هم من قام باستخدام الأسلحة الكيميائية في محيط دمشق.

*ما الدور الذي لعبته السعودية وقطر لإيصال هذه الأسلحة الكيميائية إلى المجموعات المسلحة؟

– لكي أكون دقيقا، لا يوجد لدينا دليل بأنهم نقلوا سلاحا كيميائيا الى هذه المجموعات، ولكن من المعروف أن هذه الدول هي من قامت بدعم الإرهابيين منذ بداية الأزمة في سوريا، نقلت إليهم كل أنواع الأسلحة المتطورة من دون استثناء، وهذا الشيء مؤكد وموثق. من الطبيعي عندما تكون هذه الدول تدعم بشكل معلن وواضح هذه المجموعات بكل أنواع الأسلحة أن يشار بأصابع الاتهام إليها، خاصة السعودية، بأنها يمكن أن تقوم بنقل هذا النوع من المواد إلى الإرهابيين من أجل استخدامها ضد الجيش السوري، خاصة بعدما فشلت هذه المجموعات الإرهابية في أن تقدم لأسيادها في الخارج أي إنجاز فعلي على الأرض بالمعنى العسكري. طبعا هم تمكنوا من تخريب الكثير في سوريا، دمروا البنية التحتية، أثروا في الاقتصاد، أثروا في حياة المواطنين بشكل سلبي جدا. لا شك بأن لدينا معاناة كبيرة بسبب هذه المجموعات الإرهابية، ولكن أنا أتحدث بالمعنى العسكري أي أن يقوموا بإنجاز عسكري كبير ويحققوا الأهداف العسكرية التي خططت لهم، ففي هذا الجانب فشلوا فشلا ذريعا، فكان لا بد من استخدام سلاح جديد. اما أن يؤدي هذا السلاح إلى هزيمة الجيش السوري أو أن يؤدي بشكل سياسي إلى استدعاء التدخل الأجنبي لكي تقوم الولايات المتحدة وحلفاؤها بالاعتداء على سوريا وإضعاف الجيش السوري. وطبعا هذا الاحتمال هو الاحتمال الغالب.

*هناك رقعة شطرنج تحت الطاولة. علنا هناك اتفاقيات تحت الطاولة، وهناك من يحرك الحجارة تحت الطاولة، وهي إسرائيل. هل لاسرائيل دور في ما يحدث في سوريا ولماذا يتحدثون عن الأسلحة الكيميائية في سوريا وعن السلاح النووي في إيران ولا يتحدثون عن السلاح النووي في إسرائيل؟

– إسرائيل دولة عدوانية. إسرائيل دولة قامت على التوسع، تحتل أراضي الآخرين وتقتل الشعوب المحيطة بها. قتلت طبعا الكثير من الفلسطينيين عبر أكثر من ستة عقود. قتلت الكثير من اللبنانيين، الكثير من المصريين والسوريين والآخرين بعمليات اغتيال وتفجير وإرهاب وغيرها، واليوم تقوم بالدور نفسه عبر دعمها للإرهابيين بشكل مباشر على المناطق المحاذية للجبهة السورية، أي باتجاه الجولان المحتل حيث تقدم الدعم اللوجستي والطبي والمعلومات، وأيضا السلاح والذخيرة للإرهابيين.

*هناك معلومات أيضا عن أن لإسرائيل مصالح نفطية في بعض المناطق السورية؟

– هذا طرح خاصة باتجاه النفط في الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط. لكن مجرد تحليلات. لا توجد لدينا معلومات حول هذه النقطة. أما بالنسبة لوجود السلاح النووي الإسرائيلي، وكما قلت لا أحد يتحدث به لأن إسرائيل الدولة العدوانية، الدولة المارقة تحصل على تغطية كاملة من الولايات المتحدة في كل سياساتها، تغطية لكل جرائمها، فما دامت هذه التغطية داخل الولايات المتحدة وفي مجلس الأمن والأمم المتحدة موجودة، وفي المنظمات الدولية ومنها الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فمن المتوقع في هذه الحالة أن يكون أي سلاح في العالم موضع بحث، أما السلاح الإسرائيلي فهو غير خاضع للنقاش. هذا هو المنطق السائد في العالم، منطق الهيمنة والاستعمار، منطق القوي.

*في الوقت الذي يحاولون على المستوى العالمي أن يصلوا إلى حل سياسي للأزمة. كيف تقومون أو تحاولون داخل سوريا أن تخففوا من التوتر؟ هل هناك أي محاولات للتقارب بينكم وبين مختلف الأطراف في سوريا، وهل هناك أي أمل بحل داخلي في سوريا، والوصول إلى مؤتمر جنيف؟

– مهما اشتدت العمليات الإرهابية ومهما كان الوضع سيئا، فلا بد من الاستمرار بمحاولات إطلاق العمل السياسي في أي مشكلة. ونحن نؤمن بهذا الشيء منذ البداية، بالرغم من تصاعد الأعمال الإرهابية خاصة مؤخرا. العمل السياسي يتطلب أولا وقف الإرهاب، وقف إدخال الإرهابيين من دول الجوار، وقف دعم هؤلاء الإرهابيين بالسلاح وبالمال وبكل شيء لوجستي يؤدي إلى تعزيز عملياتهم الإرهابية. في الوقت نفسه لا بد من حوار بين السوريين، بين كل الأطراف السورية حول مستقبل سوريا، ويبدأ هذا الحوار بالدرجة الأولى حول النظام السياسي في البلد. أي نظام سياسي يريده السوريون وما يتفرع عنه من أنظمة وقوانين وأشياء أخرى، تفاصيل كثيرة. عندما يصل السوريون على الطاولة إلى رأي معين، يمكن أن يتم عرض الأشياء التي تم الاتفاق عليها على الشعب السوري للموافقة عليها من خلال استفتاء شعبي.حاليا مؤتمر جنيف هو واحد من المحاور السياسية المهمة، هو يحقق فرصة للحوار بين مختلف المكونات السورية. طبعا نحن لا نفترض هنا وجود إرهابيين قاموا بعمليات قتل، ولا نفترض بأن الحوار يجب أن يتم مع جهات دعت إلى التدخل الأجنبي، فبالقانون وبالشعور الشعبي في سوريا، من دعا إلى التدخل الأجنبي هو إنسان خائن، ولا أحد يقبل به. لكن نحن نتحدث عن مبدأ مؤتمر جنيف. مؤتمر جنيف هو خطوة ضرورية ومهمة باتجاه فتح الطريق للحوار بين المكونات السورية، ولكن مؤتمر جنيف لا يحل محل الحوار الداخلي في سوريا، وبكل تأكيد هو لا يحل محل رأي الشعب الذي يجب أن يمر عبر الاستفتاء. هذه هي الخطوط العامة لرؤيتنا للعمل السياسي لحل الأزمة في سوريا. ولكن كل هذه المحاور إن لم يتم إيقاف دعم الإرهاب، فلن تحقق أي نتيجة فعلية على الأرض.

*أكدتم أنكم لن تتفاوضوا مع المسلحين والإرهابيين في جنيف. مَن الأطراف التي ستتحاورون معها في جنيف، وكيف يمكن تحقيق هذا الحوار السوري على المستوى العالمي، وما الوقت اللازم للوصول إلى حل سياسي للأزمة في سوريا؟

– أستطيع الجواب عن جزء من هذا الموضوع، وهذا الجزء متعلق بالأطراف الموجودة داخل سوريا، والتي تنتمي للشعب السوري. أطراف مختلفة، في المعارضة أو في الوسط أو مع الدولة، هناك أطراف كثيرة. لكن بالنسبة للأطراف الأخرى الموجودة في الخارج علينا أن نسأل الدول التي تقف خلفها، لأن هذه الدول، الولايات المتحدة، فرنسا، بريطانيا، السعودية وقطر وغيرها من الدول، ربما هي التي أوجدت هؤلاء الأشخاص وهم لا ينتمون للشعب السوري، فإذا قالت لهم هذه الدول اذهبوا إلى جنيف فسيذهبون إلى جنيف، وإذا قالت لهم قولوا كذا فسيقولونه. فإذا أردنا أن نعرف هذا الجزء من السؤال، فلا بد أن نسأل تلك الدول هل سترسل هؤلاء الأشخاص أم لن ترسلهم، لأنهم لا يمثلون الشعب السوري. لا الشعب السوري سيقوم بإرسال هؤلاء الأشخاص، ولا نحن كحكومة سنقوم بإرسالهم. لذلك، أنا أقول إن ما أقصده بالحوار هو المعارضة الموجودة داخل سوريا بشكل أساسي، والتيارات الأخرى، ليس بالضرورة أن تكون معارضة.

*لا أستطيع أن أنهي هذا اللقاء من دون أن أذكر القائد هوغو تشافيز الذي زار سوريا، وكان معكم وبرفقتكم في معلولا التي تعرضت منذ أيام إلى هجوم متطرف. قال تشافيز عندما كان في معلولا: “إذا كان هناك شيء إنساني لا يمكن أن يتفق مع هجوم واعتداء على سوريا، كيف لا ندعم الحكومة السورية، كيف لا ندعم حكومة الرئيس بشار الأسد، كيف يمكن أن يدعموا مجموعات مسلحة”. أود أن تعطونا انطباعكم وذكرياتكم عن وجود الرئيس تشافيز وزيارته إلى سوريا ووجوده معكم، وما رأيكم بموقف فنزويلا ودول الألبا في الدفاع عن الحرية وعن حقوق الشعب السوري وعن سوريا؟

– نحن دائما نتحدث عن أن العالم النامي، أنتم منه ونحن منه، مر بمراحل عدة لكي يستقل. المرحلة الأولى هي مرحلة خروج القوات الأجنبية من البلد المحتل، ومعظم الدول حققت هذا الاستقلال. المرحلة الثانية وهي الأهم هي استقلال القرار السياسي والاقتصادي والعسكري، واستقلال القرار الوطني، هذا ما تحقق في أميركا اللاتينية وفي أميركا الوسطى عبر العقدين الماضيين، وكان هناك رمزان لهذا الاستقلال: الرئيس كاسترو منذ خمسة عقود حتى الآن، وبعده الرئيس تشافيز. وعندما نذكر تشافيز نتذكر هذه المرحلة لأن المخاض الذي تمر به منطقتنا في الشرق الأوسط هو مشابه لما مررتم به سابقا في أميركا اللاتينية. عندما حققتم استقلال القرار الوطني أصبحت أوضاع أميركا الجنوبية، وحتى أميركا الوسطى، أفضل بكثير من قبل، وبدأ الاستقرار السياسي يعطي النتائج الاقتصادية، وبدأ التطور الاقتصادي، وبدأت بعض الدول تصعد صناعيا وتصبح من الاقتصادات الكبرى. هذه هي النتيجة الطبيعية للاستقلال.في المنطقة العربية لا يوجد لدينا حتى الآن إلا بالحد الأدنى استقلال للقرار السياسي في عدد محدود من الدول وبشكل جزئي. الصراع الذي يحصل الآن مع الغرب هو في جزء منه متعلق بهذه النقطة، أي بالحصول على القرار الوطني واستقلالية هذا القرار. أنا أعتقد أن أميركا الجنوبية بشكل عام، وفنزويلا والرئيس تشافيز وقبله الرئيس كاسترو بشكل خاص، يمثلون نموذجا مهما في السير على طريق الاستقلال والحرية التي تسعى إليها الشعوب خروجا من تحت عباءة الهيمنة الغربية التي دامت لعقود طويلة من خلال الاستعمار المباشر وبعدها الاستعمار غير المباشر الذي ما زال مستمرا. فهناك أشياء كثيرة متشابهة: الطباع، العواطف، الحرارة الموجودة بين أبناء الشعب الواحد في منطقتكم وفي منطقتنا.وهناك السياق التاريخي المتشابه، فمن المتوقع أن يكون هناك أيضا، غير تشافيز وكاسترو. هناك الكثير من الرؤساء الآن في أميركا اللاتينية الذين يسيرون على الخط نفسه الذي كان يسير عليه تشافيز، ولكن أريد أن أذكر بشكل خاص الرئيس الصديق والأخ مادورو الذي عرفته من خلال لقاءات عديدة سواء خلال زيارتي إلى فنزويلا أم خلال زياراته إلى سوريا. ونحن سعداء جدا بأن الشعب الفنزويلي قرر أن يختار هذا الشخص الذي يجسد خط الرئيس تشافيز. لديه الصلابة ولديه العنفوان ولديه الرؤية الواضحة لمنطقتنا، وأنا متأكد أنه سيتابع السير بفنزويلا على طريق الاستقلال، فكلنا يعلم أن الولايات المتحدة وبعض الدول الحليفة كانت لديها آمال كبيرة بأن تعود فنزويلا إلى الحظيرة الأميركية مع غياب تشافيز. بوجود مادورو، هذه الأحلام لم تتحقق وذهبت هباء منثورا، فأعتقد أن مسار أميركا اللاتينية هو المسار الذي يجب أن نتبعه كدول عربية إذا أردنا أن يكون لنا مكان في العالم، وإذا أردنا أن نكون مستقرين وإذا أردنا أن نكون متطورين.

*هل ستصمد سوريا، وهل ستنتصر؟

– لو كانت لدينا خيارات غير الصمود لكنت قلت لك، ولكن لا يوجد لدينا خيار سوى أن نصمد، لأن مستقبل هذه المنطقة سياسيا الآن يتعلق بما سيحصل في سوريا، فنحن لا ندافع فقط عن سوريا، لا ندافع فقط عن مصالحنا، لا ندافع فقط عن مبادئنا، وإنما ندافع عن مستقبل أبنائنا وندافع عن مستقبل كل هذه المنطقة، وهذه المنطقة هي قلب العالم، والشرق الأوسط المضطرب هو الذي أضر بالاستقرار في العالم وأضر حتى بمصالح العالم البعيد. فلا يمكن أن نتحدث اليوم عن منطقة بعيدة، كأميركا اللاتينية وأميركا الشمالية أو شرق آسيا. اليوم العالم قرية صغيرة. ما يحصل في سوريا سيؤثر في ما حولها، وما يحصل في هذه المنطقة سيؤثر في أبعد المناطق في العالم. لا أريد أن أقول إننا نريد من شعوب أميركا اللاتينية أن تقف مع قضايانا، فهي دائما تقف مع القضايا العربية بشكل لا يقل حرارة وموضوعية عن مواقفنا نحن كأبناء نعيش في هذه المنطقة وننتمي لهذه القضايا، ولكن نتوقع أن نزيد من العلاقة بيننا وبينهم لكي نوسع مساحة الاستقلال ونقلص من مساحة الاستعمار الذي يجسده الغرب وتجسده الولايات المتحدة.

 

المصدر: صحيفة السفير اللبنانية

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.