الأزمة التركية الأمريكية.. هل تملك أمريكا خيار الطلاق؟
بات من المؤكد أن التقارب التركي مع المحور الروسي الإيراني لن يمرّ أمريكيا دون محاولات إجهاض مخرجات هذا التقارب في الساحات الساخنة في المنطقة.
طبعا الهدف الأمريكي لا يقتصر على إجهاض نتائج هذا التقارب بقدر ما يخشى الأمريكيون ارتماء تركيا في أحضان عدوة، ولعل تعليق أمريكا إعطاء التأشيرات للمواطنين الأتراك وبغض النظر عن السبب المعلن هو أول الغيث الأمريكي الذي يبدو أنه وبسبب نقاط القوة التركية لن يكون بدرجة عالية من الفعالية والتأثير.
إذا وبعد أقل من شهر على زيارة أردوغان لنيويورك واجتماعه بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، انتهت صلاحية تصريحات ترامب سريعا، تصريحات قال فيها إنه لم يسبق لبلديهما أن يكونا بهذا القرب.
يعزو البعض السبب المباشر وراء هذه الأزمة إلى اعتقال موظف في القنصلية الأمريكية في اسطنبول خلال الأسبوع الفائت من قبل أجهزة الأمن التركية على خلفية علاقة تربط الأخير بالمعارض التركي عبد الله غولن المتهم بالانقلاب العسكري الفاشل الذي تم صيف العام الفائت.
نعم قد يكون هذا السبب المباشر الذي دفع واشنطن للقيام بهذه الخطوة، ولكن من المؤكد أنه ليس السبب الوحيد والرئيسي، بل إنّ كمّاً من الخلافات والتباعد في وجهات النظر طبعت العلاقة الأمريكية التركية خلال الفترة الأخيرة أدّت إلى تدهور الأمور لهذا الحدّ، فتركيا حليف استراتيجي لأمريكا حيث تربطهما معاهدات دفاع مشتركة إضافة إلى وجودهما في حلف الناتو وهذا يؤكد أن السبب أبعد من المسألة المشار إليها. وهذا ما نودّ الإضاءة أكثر عليه في محاولة استشفاف مستقبل العلاقة بين البلدين.
المعارضة التركية (عبد الله غولن)
إحدى أهم النقاط الخلافية بين البلدين هو مسألة المعارضة التركية في الداخل والتي تتمثل بشكل رئيسي بشخصيات كالداعية عبدالله غولن المتهم من قبل الأتراك بالوقوف وراء الانقلاب العسكري الفاشل صيف 2016م. غولن يسكن اليوم في أمريكا التي تؤمن اللجوء السياسي له وتسمح له بممارسة نشاطاته السياسية المعارضة ضد النظام التركي.
هذا الأمر ولو أنه شكليا يعتبر ورقة ضغط أمريكية على النظام التركي إلا أن النظام وبما أنه تمكن إلى حدّ كبير من تخطي الخطر الذي كان يحدق به في الداخل فقد حوّل هذه الورقة إلى فرصة للضغط السياسي على الأمريكيين.
الملف الكردي (البي كي كي)
ملف آخر شائك بامتياز هو الملف الكردي، وهذا الملف يحمل طابعا خلافيا بين الأتراك والأمريكيين في مختلف الساحات أي في الداخل التركي وفي الخارج كسوريا والعراق.
تركيا تواجه حزب العمال الكردستاني وتعتبره عدوها اللدود في مقابل أن الأخبار تتحدث عن تنسيق أمني وعسكري بين الأمريكيين وجماعة البي كي كي في الداخل التركي. من جهة أخرى تدعم أمريكا الأكراد وتستفيد من ورقتهم في الشمال السوري بشكل كبير وعلني وهذا الأمر يقلق تركيا التي تعتبر أي قوة يمكن أن يحصل عليها الأكراد ستستخدم يوما ما في الداخل التركي. ولذلك هناك تساؤل تركي يعبر عنه بعض السياسيين الأتراك عن حقيقة العلاقة الاستراتيجية التي تربط تركيا بأمريكا وفائدة تركيا من هذه العلاقة. حتى أن البعض يدعو منذ وقت طويل لخفض مستوى التنسيق مع الأمريكيين وهذا ما يقلق واشنطن.
تركيا إذاً لديها أوراق قوة كثيرة في مواجهة الأمريكيين ومنها ورقة الناتو نفسها، حيث أن مجرّد تفكير تركيا بالانسحاب من الناتو يشكل قلقا لبقية الدول وخاصة أمريكا لأسباب عديدة منها قاعدة أنجرليك التي تعتبر أهم قاعدة تستفيد منها أمريكا وبقية الحلفاء في إدارة الصراع في المنطقة.
الورقة الأخرى أفغانستان، حيث أن الجيش التركي وضمن مهمة موكلة إليه من حلف الناتو متواجد في أفغانستان وله علاقات قوية مع الأفغان على الأرض لا تملكها أمريكا وبقية الدول. في الواقع الوجود التركي في أفغانستان يهدِّئ من مقدار الغضب الأفغاني حيال الناتو، وفي حال انسحاب تركيا من أفغانستان لا يمكن تصوّر مجريات الأحداث هناك.
التقارب التركي مع المحور الروسي الإيراني أيضا بدوره يشكل ورقة ضغط قد تكون الأهم بيد الأتراك. ولذلك يخشى الأمريكيون ازدياد التقارب مستقبليا. هذا الأمر يقض مضجع الأمريكيين الذين يعلمون أن الشارع التركي لو ترك الخيار له لاختار معاداة أمريكا وليس التحالف معها.
بناء على ما ورد يرجح الكثير من المحللين والمطلعين على العلاقة بين أمريكا والأتراك أن تستمر الأمور ضمن حالة من التوتر المضبوط حتى لا تتفلت اللعبة من أيدي الطرفين، ويؤكد هؤلاء المراقبون أن أمريكا لا تملك من الخيارات ما يسمح لها أن تتشدد أكثر مع أنقرة بل هي مجبرة على الرضوخ ولو بشكل جزئي للضغوط التركية من أجل استمرار العلاقة وعدم الوصول إلى الطلاق.