الأردن والأزمة السورية: قلق متنام من شبح التقسيم
بوصول الصراع في سوريا إلى ذروته، تصاعد الحديث عن الشرق الأوسط الجديد، وتناقلت تقارير صحفية غربية وعربية صور لخرائط ووثائق تقول إن هناك خطّة لإعادة تقسيم دول الشرق الأوسط على أسس أثنية ودينية وطائفية بما يتّفق مع المصالح الأميركية والقوى الكبرى، فالذي يحدث في سوريا اليوم يجري وفق مخطط مدروس يتم تنفيذه بعناية دقيقة مما يدل على وجود قيادة واحدة تنظم وتخطط ولديها إمكانات وقدرات فاعلة ومهمة، هذا لا يهدد فقط أمن واستقرار سوريا ووحدة أراضيها بل كل الدول العربية وخاصة الأردن، بسبب الحدود المشتركة بينه وبين العراق وسوريا، الأمر الذي يسهل على الإرهابيين التسلل إلى داخله.
لا شك أن الأردن ليس بعيداً عما يحدث حوله في المنطقة، إذ تلقي الأحداث الدائرة في سوريا بتبعات متشعبة وإرتدادات عكسية موجهة للأردن على الصعيد الإجتماعي والأمني والإقتصادي سواء, فمنذ بداية إندلاع التدخل الخارجي وتدفق الجهاديين الى سوريا، والأردن يعاني من ويلات وتبعات حروب الوكالة عن أميركا وحلفاؤها التي يشنها المقاتلين هناك بأموال عربية لزعزعة أمن واستقرار الدولة السورية على حساب وحدة الأرض والتعايش السلمي وتدمير البنى التحتية الذي ينعكس على دول الجوار ومنها الأردن.
فالأردن يقف على مسافة قريبة من العاصفة الجهادية المفتعلة في سوريا والتي أدت الى تدفق ملايين اللاجئين لأراضيه مما شكل تحدياً مالياً ومجتمعياً فيما يتعلق بملف النازحين السوريين والمخيمات، وبذلك وجد الأردن نفسه مكلف بدفع فاتورة الحماقة والتهور للممولين الذين إعتبروا بان تغيير النظام الحاكم في سوريا لا يتجاوز عدة أيام كما حدث في ليبيا ومصر وتونس والجزائر واليمن ناهيك، عن مراهنتهم الخاسرة على القطبية الأمريكية بالعالم حين تفاجأ المجتمع الدولي وما زال بالأحلاف الإستراتيجية المدروسة بين الدولة السورية وروسيا كقوة عظمى سياسياً وعسكرياً والصين وإيران وحزب الله التي أدت للتراجع الواضح للولايات المتحدة وبريطانيا عن التدخل العسكري لتغيير نظام الحكم هناك رغماً عنهم.
إن إغراق سوريا بالسلاح وإزدياد التنظيمات المسلحة و تصدير كرات النار وقذفها من يديها إلى أية جهة مجاورة، كل هذا يدعو إلى التنبه لما يسمى ” فوضى الحدود السورية- الأردنية ” التي بدأت تشهد محاولة تصدير السلاح والإرهاب من سوريا الى الأردن، إذ أحبطت قوات حرس الحدود الأردنية منذ فترة ليست ببعيدة عملية دخول سيارات من الحدود السورية الى الأردن محملة بالأسلحة والذخائر المتنوعة، فلم تكن الأولى ولن تكون الأخيرة، وهي أسلحة موجهة بالتأكيد الى شوارع الأردن وفنادقه ومساجده وكنائسه وأسواقه الشعبية التي تكتظ بالأبرياء، إن الاستمرار في هذا القتال العبثي في سوريا لن يضعف الخصوم فحسب، بل سوف يقود الى كارثة ستكون إرتداداتها وخيمة على الدول المجاورة، كما حصل في ليبيا وإمتداد السلاح المتدفق منها الى سيناء ولاحقاً الى تونس والسودان وغيرها من الدول المجاورة، وهنا فالطرف الأقرب من الجحيم السوري والأكثر تضرراً من إستمرار الكارثة السورية وتفاقمها والمضي في تسليح أطرافها هو الأردن.
اليوم بحجة الملف السوري سيتم فتح الأراضي الأردنية لكل مخططات التفتيت لما تبقى من دويلات عربية شبه متماسكة بعد إن كان الأردن عصياً على تلك المخططات عندما تم التآمر على العراق عام 1991، إذ يشهد الأردن إضطرابات داخلية وإنقسام في الموقف الشعبي وضعف في الموقف الرسمي فكيف ستكون النتيجة بعد تقسيم سوريا وتشريد مئات الآلاف من أبنائها وإجبار أبناء المخيمات من الفلسطينيين في سوريا على الإنتقال للمخيمات التي يجري الإعداد لها في منطقة الأزرق، وبذلك أرى إن المخطط يشمل الأردن وليس الملف السوري فحسب وان المخطط في نهاية الأمر سيكون على حساب الأردن والقضية الفلسطينية بعد إستسلام قادة السلطة الفلسطينية وإقتناعها بحل الكنفدرالية بين الأردن كدولة والشعب الفلسطيني بدون أرضهم ودولتهم ، وفي إطار ذلك إن ضعف الأردن إقتصادياً وإزدياد الإحتقان في الشارع الأردني كل ذلك إذا ما ترافق مع الإحتلال العسكري للأردن من قبل القوات الأمريكية لن تكون نتيجته إلا تقسيم الأردن وإعادة تسميته بما يحقق الصالح العام للصهيونية حتى الوصول الى الدولة ‘ اليهودية ‘ القوية بين دويلات طائفية متناحرة فيما بينها.
تقسيم سورية يعني إن استقرار المنطقة كلها معرض للخطر، وإنفجار حرب طائفية هناك يعني إن سواراً من النار بات يحيط بالأردن، فالمخاوف الأردنية ترتكز على خصوصية العلاقة مع سوريا وإحتمال اختراقها من قبل جماعات جهادية متطرفة كتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) ما يعني ولادة جيب متطرف بالقرب من الحدود الأردني، وهذا يستند الى حقيقة مفادها إن آلافاً من الجهاديين الأردنيين يقاتلون اليوم في صفوف هذه الجماعات، وهؤلاء لهم إمتداد في داخل المدن والمخيمات في الأردن، وهم سيعودون يوماً الى المملكة حاملين معهم خبرات قتالية وأفكاراً تكفيرية، وبالتالي فإن التقسيم والتفكك سيُنتجان كيانات هشة تشكل عبئاً أمنياً وبشرياً على جيران سورية ” الأردن” وقد يغذي توجهات إنفصالية خطرة في المنطقة، لذلك ليس للأردن مصلحة أمنية أو سياسية أو إقتصادية بإضمحلال الدولة السورية وفرض أجندات التقسيم التي خططتها واشنطن وحلفاؤها في المنطقة, ويبقى التوصل لحل سياسي للمسألة السورية اذكى الحلول وأحكمها وأنسبها بالنسبة للأردن الملاصق لسوريا بإعتبار إن إستقرار سوريا مسألة أمن قومي أردنية بإمتياز.
تحليلي المبني على تاريخ المنطقة وعلى الواقع الفعلي على الأرض هو أن أي تقسيم لسورية سيخلق مشاكل خطيرة للشعب السوري وللمنطقة برمتها، كل سيناريوهات التقسيم كارثية النتائج على سورية والمنطقة، التي ستكون ارتداداتها عابرة للحدود وخطيرة على السلم الإقليمي والدولي.
وأختم مقالتي بالقول قد تنجح الإدارة الأمريكية وقد تفشل في إيجاد مخرج للأزمة السورية، لكن هل ستبقى الدول العربية في حال المراهنة على القوى الخارجية لحل أزماتهم ومشاكلهم الداخلية؟ فإن لم تتحرك الدول العربية سريعاً وتجعل مصلحة سورية ووحدتها واستقرارها هدفا لها، فسوف ترتد الكرة عليهم خاصة على دول الخليج التي هي ليست بمعزل عن شبح التقسيم، لذلك لا بد من مبادرة تحشد الجميع، لبلورة إستراتيجية تتضمن سيناريوهات التعامل مع القادم، سيناريوهات سياسية وأمنية واقتصادية وإعلامية تضع بالتفصيل تصوراً للأدوار وآليات التعامل، وتنعكس شراكة بين كل مكونات المجتمع، لحماية البلاد من العواصف التي تحيق بها.
الدكتور خيام محمد الزعبي – صحفي وكاتب أكاديمي في العلاقات الدولية – صحيفة المنار