الأجواءُ الرمضانية في صنعاء تتحدى العدوان
صحيفة المسيرة اليمنية-
دينا الرميمة:
للعام الثامن على التوالي يحل علينا شهر رمضان المبارك ويمننا الحبيب يرزح تحت وطأة عدوان عالمي شعار أربابه قتل أكبر عدد ممكن من اليمنيين وسلب البقية حريتهم وهُــوِيَّتهم الإيمَـانية اليمانية وانتزاع الفرحة من أوساط قلوبهم عبر حرب عسكرية وأُخرى اقتصادية كانت لهما أثارهما الكارثية والبشعة جِـدًّا في نفوسنا وفي أرضنا التي لا تزال حتى اللحظة صامدة وبقوة أمام خبث هذا العدوّ الذي ما زال يمني نفسه بالوصول إلى صنعاء حتى يكون له كامل السيادة على اليمن!!
صنعاء التي كانت الملاذ الآمن لكل اليمنيين الذين خذلتهم مدنهم حين فتحت أبوابها للمحتلّ الذي عاث فيها الفساد وجعلها وكراً للخوف والقتل فضاقت على الأحرار ليحطوا رحالهم في صنعاء وَأَيْـضاً كانت صنعاء الحضن الدافئ لأُولئك الذين هجروا من منازلهم ومدنهم قسراً لأسباب عرقية وطائفية ولمناهضتهم للعدوان فلم يجدوا ملجأً غير صنعاء لتكون لهم العوض عما فقدوه!!
وبهذا أصبحت صنعاء تحوي أكثر نسبة كثافة سكانية تحت ظل قيادة وفرت لهم الأمن والأمان وكل أسباب الحياة قدر استطاعتها، بيد أن هذا لم يثن دول العدوان عن استهدافها إنما كانت المدينة التي كان لها النصيب الأكبر من الاستهداف الذي طال منازلها وحواريها وشوارعها وبنيتها التحتية، أضف إلى الحرب الاقتصادية والحصار الخانق الذي تسبب لسكانها بمعاناة كبيرة، إلا أن كُـلّ ذلك الخبث لم يضعف من عزيمة ساكنيها وصمودهم وتكافلهم وتراحمهم وخَاصَّة في شهر رمضان المبارك الذي ما أن تقترب أيامه إلَّا وتغمر صنعاء روحانية تطغى على كُـلّ مخلفات الحرب والأحزان التي استوطنت القلوب على شهداء ذهبوا ضحايا هذه الحرب وخلفوا من ورائهم قلوباً مكلومة وموائدَ رمضانية تشتكي فقد الراحلين.
فالأجواء الرمضانية فيها ما زالت تتحدى وبقوة كُـلّ تلك الصعوبات والمآسي والألم التي خلقتها هذه الحرب في أوساط ساكنيها الذين تحلوا بروح إيمَـانية صمدت وَبقوة في وجه هذا العدوّ الجبان، هذه الروح الإيمَـانية التي جعلت الناس يزدادون رحمة وتعاطفاً وتكافلاً، فالجميع مُستشعر روح المسؤولية تجاه المحتاجين والفقراء والنازحين ممن جعلتهم هذه الحرب في حالة العوز والفاقة، فيمدون لهم يد المساعدة بكل ما يستطيعون تقديمه لهم من مواد غذائية ومال وملابس ودعم نفسي ومعنوي حتى لا يشعرون بالنقص أَو الحاجة.
أضف إلى الدور العظيم الذي تقوم به الهيئة العامة للزكاة من مشاريع عظيمة تستهدف الفقراء والمحتاجين وأُسر الشهداء مما خفف الكثير من المعاناة ورسمت البسمة بوجه المتعففين عن مد يد السؤال بعد أن عشنا لسنوات لا نعرف مصارفها ولم نرَ لها أثر لكنها اليوم حاضرة وبقوة بين أوساط الفئة الفقيرة والمعسرين!
ونلمس أَيْـضاً الأجواء الرمضانية من خلال التسابيح والأدعية والأذكار الرمضانية التي تصدح بها مآذن المساجد فتطغى على زمجرة الطائرات وضجيج الحزن في قلوب سامعيها المرتادين المساجد المكتظة بالمصلين والباحثين عن العلم والفائدة من مشايخ العلم ممن يقيمون المحاضرات الدينية فيها، وفيها الجميع في سوق الآخرة يتاجر ويكسب أجر وعظمة هذا الشهر الكريم وليلته التي هي خير من ألف شهر.
وما زاد الأجواء روحانية هي محاضرات السيد القائد اليومية التي هي بمثابة جرعات تروي الأرواح المتعطشة للهدى بعد أن كاد يمسها اليأس والشعور بقلة الحيلة أمام هذه الحرب الخبيثة ومن خلالها ترى حرصه الكبير على تزويد الناس بالفائدة والحض على الصبر والصمود حتى يخرج الجميع من هذا الشهر وقد اغتنم خيره وثوابه!
وإذا ما طفت في شوارع صنعاء ستجد الأسواق تمتلئ بالناس والبائعين للأكلات والحلويات الرمضانية اليمنية فهنا بائع للرواني وهناك تجد السمبوسة والكنافة ومختلف الأكلات الرمضانية التي تعطي رمضان نكهته اليمنية المميزة.
ومع أذان المغرب ترى موائد الإفطار تخرج من المنازل إلى باحات الحواري فيجتمع عليها الجميع مباركين صيامهم بدعوة المحتاجين إليها.
وهكذا ما زال رمضان هو شهر الخير والبركة ولا يزال الناس متمسكين بكل عاداتهم وطقوسهم الرمضانية التي تقربهم من الله وتكسبهم فضل وثواب هذا الشهر وتجعله الشهر المميز بين كُـلّ أشهر السنة وفيه يتغلبون على كُـلّ صلف العدوان وعنجهيته وهمجيته قائلين للعدو هيهات لكم أن تفقدونا شغفنا لهذا الشهر وعبادته واغتنام ثواب أيامه ولياليه وهيهات لكم أن تسلبوا منا روعة أجوائه التي تفوقت على أجواء الموت والدمار التي جئتم بها إلينا فهزمناها بقوة إيمَـاننا وثباتنا ويقيننا حتماً أن العاقبة للمتقين.