استراتيجيات إيرانية في خضمّ التعاطي الأميركي مع الملف النووي
جريدة البناء اللبنانية-
رنا العفيف:
تؤكد إيران مراراً وتكراراً على المفاوضات التي تكون ضمن سياق الملف النووي فقط، بمعزل عن أيّ موضوع آخر، لا سيما أنّ ما قصده قائد الثورة الإسلامية السيد علي الخامنئي في تصريحات الأمس كان واضحاً وتحديداً في ما خص البنية التحتية النووية، فما المقصود بذلك؟ وهل الملف النووي الإيراني سيشهد انفراجات حقيقية بمعزل عن التحريض «الإسرائيلي»؟
طبعاً مواقف حاسمة أطلقها السيد الخامنئي في إبرام اتفاقيات لا سيما التي لا تمسّ البنية التحتية للصناعة النووية، وأميركا ومَن معها لا سيما حلفيتها «إسرائيل» يخشون حصول طهران على الأسلحة النووية، وفي الوقت نفسه يكذبون إذ يقول السيد الخامنئي مشدّداً على استمرار التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية في إطار معاهدة الضمانات، رغم عدم الثقة بأطراف الاتفاق النووي، إذ أردنا تحليل ما أطلقه السيد من بوابة الأدبيات السياسية الإيرانية، يكون بذلك أنّ السيد الخامنئي قد أعطى الفريق الإيراني المفاوض الضوء الأخضر بما يلائم البنود والظروف المحيطة لهذا الاتفاق، كما أعطى مداً استراتيجياً للدخول في حوار (5 + 1) التي ستفاوض ربما إيران لاحقاً إن صحّ التعبير، وهذا الضوء الأخضر لا ينبثق إلا من إشعاع سياسي هام وقد يعتبر تاريخياً بالنسبة للجمهورية الإسلامية الإيرانية ضمن محتوى تاريخي ضامن حقوق طهران الأساسية مع عدم التنازل عن المصالح النووية الإيرانية، لذا أكد سماحته على أنه لا يمكن الوثوق بالوعود الأميركية، ومن هذا المنطق السياسي المعترف عليه دولياً، لا بدّ من وجود ضمانات وهذا تأكيد على حصول إيران ما لم تكن مطالبة بضمانات فعلية قوية حاسمة دون إلحاق الأذى بالبنى التحتية، أيّ بأسس البرنامج النووي كنقطة أولى تأخذ بعين الاعتبار لأسباب موضوعة تحت الإشارة الحمراء في موضوع السلاح النووي تحديدا، إذ أثبتت طهران في كلّ مرة أنها تتعامل مع هذا الملف بشكل أخلاقي يرتكز على مبادئ اسلامية، وليس خوفاً من الدول المعادية كما يدّعي البعض، وهذا له ترتيب قياسي هام في استراتيجيات إيران التي تتحكم في السياسة الدفاعية، وربما هناك رسالة عالية المستوى لـ «إسرائيل» وأميركا اللتين لا تزالان تهدّدان الأمن القومي الإيراني، لأنّ الولايات المتحدة لا تريد فقط أن تفاوض على الملف النووي فقط، بقدر أيضاً ما ستفاوض على علاقاتها، فكان سماحته حاسماً في طريقة السرد الاستراتيجي بالمفهوم النووي تحديداً على أنه لا يمكن لأحد أن يفاوض على أسس ومبادئ الجمهورية الإسلامية الإيرانية، لأنها حتماً سترتكز المفاوضات على البرنامج النووي وبإمكان واشنطن أن تتفهّم هذا، لأنّ غير ذلك غير مقبول لدى طهران، وبالتالي لا يمكن التطرّق للبرنامج الصاروخي الإيراني بمعزل عن أيّ تحريض آخر، أيّ لا يمكن لأميركا أنّ التطرق لعلاقاتها الاستراتيجية مع حلفائها في المنطقة وما يليه لذا كان هذا في غاية الشفافية السياسية الإيرانية وما يتعلق بإمكانية بدأ المفاوضات، وأن لا لسياسة الماضي في ظلّ تقدّم الحديث عن الاتفاق وبرنامجه في ظلّ تغيير الموقف الأميركي قد يقول قائل ربما هذا ليس بتغيير وإنما تنازل إيراني؟
ربما هناك تطور في الموقف الأميركي وقد تتضح الرؤية في مدى فاعلية الانفراجات الحقيقية وقد تتبلور لاحقاً، ولكن ليس على حساب الموقف الإيراني والجميع يدرك سياسة إيران التي أثبتت للعالم أنها سياسة ثابتة تواكب الاستمرار في التعاون مع الوكالة الدولية ضمن الاتفاقيات وبالشروط الإيرانية وبالحقيقة الموجودة حتى ولو كانت مرة للأميركي، ورأى الجميع كيف تملصت واشنطن من انفاقيات كثر، ومع ذلك استمرت إيران ورفعت الكاميرات وحدت من تصرفات المفتشين، وهذا كان واضح بالصورة وهذا مشابه لذاك على أن تبقى البنى التحتية والأسس الأولوية المتعلقة بالبرنامج النووي خط أحمر لا يمكن تجاوزه وبشروط واضحة هذا من جانب، أما عندما عوّل على الأخلاقيات والأدبيات فهو يحذر واشنطن و»إسرائيل» بشكل مباشر بأنهم إذا تصرفوا بصورة غير إنسانية واستخدموا أسلحة نووية فستكون الأمور متجهة نحو مكان آخر، ولا يستطيع كائناً من كان أن يوقف الجمهورية الإسلامية عن تطور برنامجها الصاروخي بما أنها لا تحصل على السلاح من الدول الكبرى، وهذا ربما من بديهات تقنيات تطوير برنامجها الدفاعي للحفاظ على أمنها القومي ومصالح حلفائها، لماذا يحقّ لواشنطن أن ترسل البارجات والغواصات وحاملات الطائرات إلى أوكرانيا على سبيل المثال ويحقّ لها ذلك ولا يحقّ لإيران ولأيّ دولة ذلك، أيّ تعترض على من يدافع عن نفسه ولا تعترض على نفسها وطبعاً هذا حتماً مرفوض، على ما يبدو هناك موقف في مقابل موقف على مدى واسع قد تحدّده الضمانات في ظلّ المفاوضات المستمرة بشكل أو بآخر…