إيران وروسيا.. زواج المصلحة في سوريا والهاجس الإسرائيلي
الواقع في سوريا يتغيّر بسرعة في الفترة الأخيرة في أعقاب انھيار تنظيم “داعش” الذي سيفقد خلال فترة معينة مواقعه في سوريا، فالحرب السورية تقترب من “نقطة النھاية” والفائز فيھا سيكون تحالف روسيا-إيران-الرئيس الأسد-حزب لله. فالرئيس السوري بشار الأسد باقٍ ويستعيد السيطرة على أجزاء واسعة من الأراضي السورية، وھذا التحسن في وضعيته عائد الى جملة عوامل آخرھا انكفاء الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن الملف السوري لانشغاله بقضايا داخلية وبالملف الكوري، إضافة الى توقف بعض الدول العربية عن دعم المعارضة المسلحة في مقابل ثبات التدخل الروسي ووقوف إيران بكل قوة الى جانب النظام.
بشكل عام، ثمة مصلحة قوية لكل من موسكو وطھران في إنقاذ النظام السوري، لكن كل طرف يطرح حججاً مختلفة لتبرير ذلك، ويتمثل الدافع الأكبر وراء التحرك الروسي لدعم الرئيس الأسد في المخاوف الأمنية والمواجھة مع الغرب وخطط بوتين لإعادة بناء روسيا كقوة عالمية مؤثرة.
وبالنسبة لطھران، من المعتقد أن استراتيجيتھا تجاه سوريا جزء من استراتيجية أكبر ترمي إلى ضمان نفوذ إيران على المستوى الإقليمي، ضمن مفھوم “سلسلة الدفاع” التي تتألف من لبنان وسوريا والعراق واليمن.. وتبعاً لھذه النظرية، فإن هذه الدول تشكل خط مواجھة أمامي للدفاعات الإيرانية في مواجھة خصوم دوليين وإقليميين للجمھورية الإسلامية يسعون بدأب لتقويض نفوذھا داخل الشرق الأوسط.. وعليه، وجدت إيران نفسھا مع روسيا في معسكر القوى الدولية ذات المصلحة في بقاء النظام السوري.
إيران وروسيا.. زواج المصلحة في سوريا والهاجس الإسرائيلي
في تقرير للباحث والمحلل الروسي “نيكولاي كوزانوف” في “تشاتام ھاوس” (لندن) ورد أن ثمة عوامل جيواستراتيجية دعمت بالفعل تعزيز التعاون الروسي – الإيراني داخل سوريا.. كان لطھران السبق في إمداد النظام السوري بالأسلحة والمال و”المتطوعين”، في الوقت الذي حاولت روسيا بادئ الأمر الحد من مشاركتھا في الأزمة السورية وقصرھا على الدعم الدبلوماسي للرئيس الأسد.. ومع بداية المشاركة العسكرية الروسية المباشرة في سوريا، تراجعت إلى حد كبير الأعباء على كاھل إيران، من خلال إحداث تغيير راديكالي في توازن القوى لصالح دمشق.
نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف يردّ بسخرية عما يُقال عن وقوع خلافات بين دولته وإيران نتيجة اشتراكھما معا في الملعب السوري المفتوح، وقد سمعت منه شخصيات لبنانية كلاما يفيد أن الخطوط العامة والكبرى يتفق عليھا الجانب الروسي مع إيران، “ولا تتوقعوا حصول خلافات مع طھران”، ويعترف في الوقت نفسه بحصول تباينات بين الدولتين على قضايا عدة في سوريا “لكنھا في النھاية لن تصل الى حدود المشكلات الكبرى”.
وإزاء هذه التطورات اضطرت “إسرائيل” في الأسابيع الأخيرة لإعادة تقويم الوضع في سوريا في ضوء التطورات المتلاحقة والوضع المتغيّر بسرعة بعد انھيار تنظيم “داعش”، والذي يفرض عليھا تغييرا في التقديرات والأولويات والسياسات ودرجة الاستعدادات، وفي قواعد اللعبة.
فمعركة جرود القلمون كانت مصدر قلق لـ”إسرائيل” التي رأت فيھا تداعيات ونتائج خطيرة بعيدة المدى عليها، ذلك أن سيطرة الجيش السوري وحزب لله على الحدود السورية – اللبنانية يستكمل عاملا آخر في العملية الاستراتيجية الإيرانية لإيجاد تواصل جغرافي بين إيران ولبنان يكون تحت سيطرة حلفاء إيران، ويجعل المعركة التي تديرھا “إسرائيل” لمنع نقل الأسلحة النوعية من سوريا الى حزب لله في لبنان صعبة جدا، ويضاف الى ذلك أن التعاون بين الجيش اللبناني وحزب لله والجيش السوري يشير الى تغيّر في السياسة اللبنانية، حتى وإن لم يعلن ذلك على الملأ.. و”إسرائيل” قلقة من أن يصبح ھذا التعاون موجھا ضدھا في المستقبل.
معركة جرود القلمون كانت مصدر قلق لـ”إسرائيل”
مصادر في تل أبيب كشفت أن الوفد الإسرائيلي الرفيع الذي قاده رئيس “الموساد” وغيره من قادة الأجھزة الأمنية، أجرى مؤخراً محادثات مع مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض في واشنطن، حيث قدّم معلومات استخباراتية حساسة وموثوقًا بھا، تدعمھا وثائق تظھر صورة عن الانتشار الإيراني المتنامي في سوريا.. وتم عرض المواد أمام الأميركيين استعدادا للتسوية المتوقعة بين واشنطن وموسكو، التي من المفترض أن تضع حدا للقتال في سوريا.
مصدر مطلع على المحادثات أوضح أن الوفد قال للأميركيين: “إذا لم يطرأ التغيير الملموس على نھجكم، وإذا لم تنخرطوا بشكل أكبر، وأكثر حزما، وأكثر عدوانية، فإنكم ستتركون الشرق الأوسط للإيرانيين برعاية روسية”.
مصادر مطلعة أكدت رفض الولايات المتحدة الالتزام بتضمين الاتفاق حول إنھاء الحرب السورية، شرطا يقضي بإجلاء قوات الجيش الإيراني المنتشرة ھناك.. والانطباع في” إسرائيل” ھو أن إدارة الرئيس دونالد ترامب، وبسبب كثرة مشاغلھا في قضايا داخلية وخارجية ملحة، لا تجد الوقت الكافي للاھتمام بھذا الموضوع، وتعتبره غير مستعجل، بدعوى أن إيران غارقة في الحرب ضد “داعش”، وهذا ما دفع “إسرائيل” إلى تركيز جھودھا نحو الكرملين بأمل أن تجد موقفا أكثر ليونة من الرئيس الروسي بوتين.
وبحسب صحيفة “برافدا” الروسية، يوجد اختلاف في توصيف العلاقة القائمة بين روسيا وإيران، وبينھا وبين “إسرائيل”، إذ تنقل أن بوتين شدد أمام نتنياھو على أن “إيران ھي حليف استراتيجي لروسيا في الشرق الأوسط، بينما “إسرائيل “ھي شريك مھم بالنسبة إليھا، في المنطقة”.. فالعلاقة مع طھران تتجاوز الساحة السورية، وھي تتصل بالمنطقة، وتعد إيران من ناحية موسكو رافعة التوازن مع الأميركيين وحلفائھم، ومن بينھم “إسرائيل” نفسھا.
ووفقا للمعلومات، فقد أخفق رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياھو في إقناع بوتين بطرد إيران وحزب لله من سوريا، وھذا الأمر يفسر ما قصده السيد حسن نصرلله بقوله مؤخراً بأن للمقاومة الكثير من المھام المقبلة وتريد الانتھاء سريعا من معركة الجرود، وھذا ما يفسر أيضا حالة الإرباك وعدم التوازن في مواقف رئيس الحكومة سعد الحريري الذي خفض من وتيرة التصعيد مع حزب لله، ويحاول في ھذه الفترة الرمادية التراجع خطوة الى الوراء.
في النهاية، علاقة كل من روسيا وإيران تتسم بقدر بالغ من البراغماتية بخصوص تعاونھما في سوريا، ويعي كل منهما تماما حقيقة الأھداف الكبرى للطرف الآخر من وراء المشاركة في سوريا، ومدى الاختلافات بين أھداف كل جانب. وبالتالي، عقدت موسكو وطھران “زواج مصلحة” بينھما يحاول في إطاره كل جانب تحقيق مصالحه بمعاونة الطرف الآخر.. ولا يزال من المبكر للغاية الحديث عن ظھور تحالف روسي – إيراني كامل داخل سوريا، رغم قوة العوامل التي تدفع البلدين تجاه بعضھما البعض، فإن “زواج المصلحة” القائم بينھما يعتمد استمراره على عدد من العوامل المتنوعة، وبالنظر إلى أن الطرفين أجبرا على التعاون معاً داخل سوريا وأن ثمة اختلافاً في دوافعھما وراء ذلك، بجانب إدراكھما لحقيقة أن بناء تحالف كامل بينھما قد يضر بعلاقاتھما بأطراف أخرى، فإنه يمكن القول بأن التعاون الروسي-الإيراني وصل بالفعل الحد الأقصى الممكن له.
[ad_2]