إيران وروسيا تحاصران “سوريا الجديدة ” ومسارات ديمستورا الأربعة
موقع إنباء الإخباري ـ
حسن شقير:
قبيل انطلاق فعاليات مؤتمر جنيف ٢ السوري في ٢٢ كانون الثاني/ يناير من العام ٢٠١٤، كانت العقد الكأداء التي سبقت ورافقت انطلاق أعماله ، تتمثل في عنصرين محورييين، أحدهما الثقة بين المتحاورين، السوريين والدوليين منهم، والثاني تمثل في أولويات جدول الأعمال الخاص به، والتي تعنونت أيضاً بملفي الارهاب وهيئة الحكم الإنتقالي في سوريا، وذلك بحسب بيان جنيف الأول… وقد كان هذان العاملان كفيلين بإفشال ذاك المؤتمر، فضلاً عن الإرادة الدولية المعقودة على ذلك، ولأسباب متعددة …
بعد ذاك المؤتمر، تطايرت الكثير من المبادرات التي لم تتخطّ ميدان الورق الذي كتبت عليه، وصولاً إلى مبادرة ديمستورا الشهيرة حول تجميد القتال في حلب، والتي – وعلى الرغم من تبنيها من قبل الأمم المتحدة – سرعان ما لاقت مصير سابقاتها من الفشل..
ولكن ما يميّز تلك المبادرة، أنها وبعيد تشذيبها من قبل الدولة السورية، ونزع الأفخاخ والألغام الكثيرة التي كانت بين جنباتها، وخصوصاً لناحية شمول التجميد الريف الحلبي الشمالي، وصولاً حتى الحدود التركية، والتي تسيطر عليها الجماعات الإرهابية المسلحة، بحيث تلقى الدعم مباشرة من قبل تركيا، ناهيك عن أن تلك المبادرة قد طرحت في خضم اقتراب الجيش العربي السوري وقوى المقاومة والمساندة له من إكمال الطوق حول المسلحين في الأحياء الشرقية لتلك المدينة، الأمر الذي جعل من الإرهابيين وداعميهم، يصرفون النظر عن تلك المبادرة، كونها شُذبت أولاً، وانتفت إمكانية الإستثمار والبناء عليها ـ ثانياً ـ في مشروعهم الأكبر لمدينة حلب، وما ذكرناه مراراً حول فكرتهم في استبدال الدولة السورية من الشمال (فرض التقسيم المُقنّع للدولة السورية الواحدة).
في ظل تلك الأجواء تنبهت روسيا لما يُرسم لسوريا في تلك الفترة القاتلة من مبادرات مفخخة، فسرعان ما رمت على الطاولة مشاريع الحلول السياسية في موسكو ١ وموسكو ٢، وذلك كنوعٍ من إلقاء حجر في بحر الركود السياسي لتلك الأزمة.
ولكن، ومع توقيع الإتفاق النووي التاريخي مع إيران، وبدء مسار رفع العقوبات الدولية المفروضة على طهران، وعدم قبول هذه الأخيرة بأن تكون تلك العملية “ناتجاً وليس جزءاً” ( السيد خامنئي )، وإصرارها على عدم قبولها تقييد دورها الإقليمي، كشرط لإتمام الصفقة النووية، وذلك كإستجابة لبعض حلفاء أمريكا من العرب، ومعهم الكيان الصهيوني… فإنه، وفي اليوم التالي لهذا الإعلان – الحدث في الرابع عشر من تموز الماضي، سارعت إيران للتأكيد ـ وعلى لسان كافة قادتها ـ بأن دعمها لحلفائها سيتعزز، وتحديداً في مواجهة الإرهاب الذي يضرب في جغرافياتهم..
منذ البداية كانت رؤيتنا أن معنى انعكاس الإتفاق على أزمات المنطقة، يتمثل بأن إيران ستسقط المدرسة التفاوضية النووية مع أعدائها وخصومها، على الملفات التقليدية، وفي مقدمتها ملف الإرهاب، وذلك باعتماد الطريقة ذاتها في تضييق الخيارات أمام الأعداء والخصوم لجرّهم مُرغمين إلى مائدة التفاوض المجدي، وخصوصاً في مكافحة الإرهاب (مقالة ” من فن التفاوض النووي إلى التقليدي … والقطاف “)
تأسيساً على ذلك، كانت قنبلة بوتين الأخيرة في توحيد الجبهات لمحاربة الإرهاب ، ومن ثم جمع الأضداد – ولو لم يسفر عن نتائج – وبعدها جاءت مبادرة ديمستورا الجديدة بمساراتها الأربعة، بحيث يمثل أولها بحماية المدنيين وإنهاء الحصار والأسرى (الاجتماعي)، والثاني يتعلق بالقضايا المختصة بالعملية السياسية والإصلاح الدستوري (السياس)، أما الثالث فيُركز على المسائل الأمنية والعسكرية (مكافحة الإرهاب وإعلان الهدن وإنشاء قوات مسلحة موحدة)، وصولاً حتى الرابع، والذي يُعنى بإعادة إعمار البلاد وتطوير وإنشاء المؤسسات العامة (العمراني).. ليعلن بعدها الأمين العام للأمم المتحدة بأن هذه المسارات ستكون متوازية، ولتعرض بعدها على دول مجموعة الإتصال بشأن سوريا، فضلاً عن الدولة المعنية، والتي عقّب ممثلها في الأمم المتحدة بأنها “أفكار جديدة، وجديرة بالدراسة من قبل سوريا..”.
لم تكد تمضي أيامٌ معدودة، حتى جاءت مبادرة جديدة من قبل وزير الخارجية الإيراني على هامش زيارته الأخيرة لبعض من الدول الخليجية، والتي وردت ضمن مقالته المنشورة بالأمس في صحيفة السفير “الجار قبل الدار”، والتي تمحورت – أي هذه المبادرة – حول دعوة لإنشاء “مجمع الأمن الإستراتيجي بين دول المنطقة ”
في اليوم التالي لتلك الزيارة الإيرانية للخليج، حط كل من وزيري الخارجية الأمريكية والروسية وكذا نظيرهم السعودي في الدوحة، هذا فضلاً عن وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي، وذلك في اجتماعات ثنائية وثلاثية وأكثر… بحيث خرج المجتمعون (أمريكا ومجلس التعاون) بنتيجتين أساسيتين، تتمثلان باعتبار الإرهاب خطراً داهماً ينبغي التكاتف لمحاربته، والثانية بضرورة الحل السياسي لأزمات المنطقة، وخصوصاً في سوريا، إنما على قاعدة مشتركة بينهما بأن “الأسد ونظامه فقدا شرعيتهما” وبالتالي لا مكان لهما بالمرحلة الإنتقالية وفقاً لـ (جنيف ١)!!! ليخيل للناظر من بعيد، بأن لافروف في الدوحة كان بواد والآخرين بوادٍ آخر!!!
ولكن، ما كان لافتاً للأنظار، أن اجتماعات الدوحة تزامنت مع الإعلان الرسمي لأمريكا عن بدء الحماية العسكرية الفعلية للمعارضين السوريين الذين تدربهم واشنطن، وذلك في جغرافيا انتشارهم على الأرض السورية، مرفقةً – أي أمريكا – ذلك بتهديد أي طرف من التعرض لهم !! فهل تعمدت أمريكا بهذا التزامن نفث الغبار الكثيف حول موقف روسيا الثابت بإعلانه الرفض لذلك؟
إنه – باعتقادي – نهج أمريكا – أوباما الضبابي، والذي تتوخى القطاف الأحادي منه، وقد فصلنا في ذلك أيضاً في مقالة “نهج أمريكا الضبابي.. والقطاف” والمنشورة في ١٩-٠١-٢٠١٥ ..
لقد أطلق هؤلاء المتدربون على أنفسهم، بأنهم “مقاتلو سوريا الجديدة”، فهل تتناغم هذه التسمية مع تلك التي كان أطلقها نائب الرئيس الأمريكي في تصريح صحفي لجريدة أوروبا – لوموند بتاريخ ٠٧-٠٢-٢٠١٥، وذلك في معرض تعقيبه على إمكانية إشراك النظام السوري في محاربة الإرهاب، قائلاً: “إن الأسد فاقد للشرعية ويرزح تحت ركلة من العقوبات الدولية، وبالتالي هو غير مؤهل لقيادة سوريا الموحدة والمسالمة “!!!
لا يمكن لأي متابع، أن يتجاهل الإعلان الأمريكي بالدخول المباشر في فرض مناطق آمنة داخل سوريا بحجة حماية متدربيها، فهذا معناه الأولي بأن مفاعيل الإتفاق الأمريكي – التركي الأخير قد بدأت ترجمتها على الأرض، وذلك يبرز بسلخ الجغرافيا من الدواعش، وجماعات الإرهاب الأخرى، وذلك لصالح أبناء “سوريا الجديدة”، وذلك على الرغم من ضألة عددهم، فهم يتمتعون بالحماية الأمريكية المباشرة!!!
أعتقد إنه بداية موسم الترغيب والترهيب الأمريكي للهجرة المعاكسة من الإرهاب نحو “الإعتدال”، وحتى من أبناء سوريا القديمة والمتجذرة نحو “سوريا الجديدة “!!!
وأعتقد أيضاً أن مبادرة بوتين التكاملية في محاربة الإرهاب، و مبادرة إيران الأخيرة والمعدّلة لسوريا، ترميان فيما ترميان إليه إلى تعطيل مشروع أمريكا وتحالفها في فرض واقع تقسيمي على الأرض السورية، تماماً كما حدث قبيل (موسكو ١)… وتهدف أيضاً إلى إزالة الأفخاخ من مبادرة ديمستورا الثانية، والتي يُحتمل تكاملها مع مشروع “سوريا الجديدة”…..
أسئلة وفرضيات أتركها للقادم القريب من الأيام: فهل ستتعلق التعديلات الإيرانية بملء الجغرافيا التي تنزاح منها التنظيمات الإرهابية عبر إدارات محلية تديرها الإمم المتحدة، إلى حين وصول المسار السياسي إلى مبتغاه؟ وهل أن مساري ديمستورا الإجتماعي والعمراني في تلك المناطق السورية، سيتزامنان أم قد يتقدمان على المسار السياسي في سوريا بكليتها؟ وهل ربما تكون المبادرة الإيرانية المعدلة، مبادرة تجمع في ثناياها طرح بوتين والأمم المتحدة، وتلبية رغبات خليجية وتركية بمنع استثمار الدولة السورية لإنزياح الدواعش عن الجغرافيا؟ وهل هذه المبادرة ستلبي رغبة سوريا وإيران برفض الفهم الآخر للسلطة الإنتقالية؟
وأخيراً هل من فرصةٍ جدية لتكامل هذه المبادرات جميعها؟ أم أن الأمور قد تأخذ منحى تصادمياً خطيراً في ظل نزول الفرقاء – لا الوكلاء – إلى ساحات النزال في سوريا واليمن على وجه التحديد، وبشكل مكشوف ومعلن هذه المرة؟
باحث وكاتب سياسي