إعلام العدو: من عدّة الحرب
موقع العهد الإخباري ـ
محمود ريا:
“فليمحوهم كلهم”.
عبارة نقلتها وسائل الإعلام عن مستوطنة صهيونية تقيم في بئر السبع، وتبدي استعدادها لتحمّل صواريخ المقاومة الفلسطينية، طالما أن جيش العدو سيمحو الفلسطينيين كلهم مقابل ذلك.
عبارة كهذه تحمل الكثير من المعاني، منها ما له علاقة بالنَفَس العنصري الذي يسود وسط الصهاينة، والذي يسترخص كل حياة ليست يهودية، ولو كانت لأطفال ونساء، ومنه ما يرتبط بالحجم المُعطى للحرب القائمة حالياً في غزة.
إلا أن هناك مجالاً آخر يمكن الإشارة إليه عند إيراد هذه الجملة، وهو الوهم المزروع في نفوس المستوطنين حول النتائج المنتظرة لهذه الحرب.
المستوطنون يظنون أن هذه الحرب ستمحو الفلسطينيين من الوجود، أو على الأقل ستمحو مقاومتهم. هذا الظن ليس إلا انعكاساً لما تردده وسائل الإعلام الصهيونية، التي تلعب دوراً مزدوجاً في “التلاعب بعقول” المستوطنين.
الدور الأول هو تمرير ما يريد قادة العدو تمريره، من خلال ضخ التصريحات والمقابلات واللقاءات التي تنسج على منوال واحد، والتي تروّج لحجج العسكر والسياسيين في سيرهم نحو الحرب ضد غزة وأهلها.
والدور الثاني هو إلغاء كل ما يعارض وجهة النظر الصهيونية هذه، وكل ما يمكن أن يكشف حقائق ما يجري، والأسوأ هو إلغاء أي حديث عن حجم الضربات التي يتلقاها العدو، أو الخسائر التي تقع في صفوف الجنود والمستوطنين، أو الأضرار التي تطال الاقتصاد الصهيوني والمنشآت بشكل مباشر أو غير مباشر.
لقد اضطر عدد من الصهاينة الذين يرفضون عملية التجهيل الكاملة هذه إلى تأسيس صفحات ومواقع إلكترونية تنقل الحقائق من مصادر أخرى، غير وسائل الإعلام الصهيونية، عسى أن توصل هذه الطريقة بعضاً مما يجري فعلاً إلى المستوطنين المجهّلين، والذين يعومون على بحر من الأكاذيب الرسمية، ويلهثون في صحراء من الجفاف على مستوى إبراز المعلومات الصحيحة والحقائق الواقعية.
إن ما تقوم به وسائل الإعلام الصهيونية هو مشاركة كاملة في الحرب العسكرية، سواء كان سببها الرقابة العسكرية الصارمة، والتي لم يمارسها هتلر في زمانه على وسائل الإعلام النازية، أو قناعة المسؤولين عنها بما يقومون به من تضليل للمستوطنين ومن ضحك على ذقونهم.
والسؤال المطروح هو: هل تنفع عملية قلب الوقائع وإخفاء الحقائق في جعل القادة الصهاينة أكثر راحة في حركتهم السياسية والعسكرية؟
بالرغم مما قالته هذه المستوطنة ـ ما يُظهر أن الأسلوب الإعلامي “الغوبلزي” يفعل فعله في الصهاينة ـ فإن النزر اليسير مما تنقله وسائل الإعلام من مشاهد من قلب كيان العدو يهدم كل القلعة التي تبنيها الرقابة العسكرية التي يمارسها جهاز “أمان” الاستخباري، ويكشف الكيان على حقيقته كبيت من العنكبوت.
وما لا بد من ملاحظته أن عملية استغفال المستوطن الصهيوني تتم بأكثر الوسائل تخلّفاً، أي وسيلة المنع والقمع المباشر، تماماً كما يحصل في البلاد الديكتاتورية، بالرغم من محاولات التغطية على هذا الأسلوب عبر دفق المعلومات الذي تؤمنه مئات وسائل الإعلام المكتوبة والمسموعة والمرئية والإلكترونية، وهي معلومات لا تعدو كونها صياغات متعددة لرواية واحدة من جانب واحد ودون اعتماد منطق “الرأي والرأي الآخر” على الإطلاق.
ولا تجد المؤسسة الحاكمة في الكيان الصهيوني غضاضة في ذلك، ولا تشعر بالحرج إزاء الرأي العام المحلي أو الدولي، وليس هناك من ينتقدها على ذلك أصلاً، فهذه المؤسسة في حالة حرب، وفي حالة الحرب “لا صوت يعلو فوق صوت المعركة”.
إن إعلام العدو هو ـ منذ بداية نشوء هذا الكيان الغاصب حتى الآن ـ جزء من المعركة، وبعض من عدّة الحرب، وهو يقوم بدوره هذا بكل أريحية ودون اعتراض، في حين نجد في عالمنا العربي من ينتقد “الإعلام الخشبي” ويستنكر اعتماد الرواية الرسمية، متحدثاً عن حرية الوصول إلى المعلومات وحرية بثها وحرية قول كل شخص ما يريد، حتى ولو كان في ما يقوله توهين للناس وتحطيم للمعنويات وحتى إعطاء معلومات للعدو.
بالمناسبة، هذا ليس وضع الإعلام في الكيان الصهيوني فقط، وإنما أيضاً في كل الدول التي تدعي الدفاع عن الحرية والديموقراطية، ولنا في حروب العراق وأفغانستان أقرب مثال.
فمتى يكون إعلامنا جزءاً من المعركة.. معنا لا ضدنا؟