إعدامات تلوح في أفق المملكة #السعودية : تشويه وتضليل وأحكام معلبة..
الأصل في القانون أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته، حتى بعد الحكم عليه لا يعني هذا الأمر أن المحكوم عليه بات إنسانا مجردا من كرامته الآدمية ومن كل حقوقه، بل للمحكوم عليه من الحقوق ما يجب احترامه وإلا ما معنى العدالة التي يدعي القضاء تحقيقها في أي بلد في العالم إذا ما أهدرت كل حقوق الإنسان المحكوم عليه!.
وبالتالي لا يمكن بعد إصدار الأحكام القضائية على الإنسان بعقوبة محددة الخروج إلى العلن والتشهير به بما يعتبر تحريضا عليه بشكل أو بآخر، لأن ذلك أصلا يتنافى مع مبدأ قانوني أساسي هو أن “لا عقوبة ولا جريمة إلا بنص”، فالإنسان يعاقب عن فعل بعقوبة محددة ولا يجوز بعد ذلك معاقبته مرة ثانية عن “فعلته” بإرادة أشخاص قرروا تجييش الرأي العام ضده لأسباب سياسية أو غير سياسية.
إعلام “غب الطلب”.. وتلفيقات بالجملة!!
والداعي لهذه المقدمة هو ما ينشر في بعض وسائل الإعلام وبالأخص السعودية عن محكومين بالإعدام مما تسميه السلطات السعودية “خلية العوامية”، ومنها ما نشرته صحيفة “عكاظ” قبل أيام في تقرير لها بأن أفراد “الخلية” المزعومة قاموا بما أسمته “جرائم معلوماتية مرتبطة بالإرهاب… بهدف زعزعة الأمن ومحاولة الإضرار بسمعة المملكة وتأليب الرأي العام العالمي عليها باللعب على وتر العنصرية والأقلية وحرية الرأي للحصول على مكاسب من الدولة والعالم..”، وراحت الصحيفة تفصل في كيفية “ارتكاب” هؤلاء الشبان لـ”جرائمهم” في روايات يبدو أنها نقلت بحرفيتها عن السلطات المعنية، خاصة أن التقارير الإعلامية المتداولة حول هذا الموضوع في الصحيفة المذكورة أو غيرها تحدثت عن أشخاص صادرة بحقهم أحكاما ابتدائية وليس أحكاما نهائية.
كل ذلك يثير الكثير من علامات الاستفهام وكأن المقصود تمهيد الطريق لإعلان أحكام معينة في الدرجة التالية من درجات التقاضي، فهل أن ما ينشر في الإعلام هو نسخة مسبقة ومعدة سلفا عن الأحكام التي ستصدر تاليا من محكمة الاستئناف والمحكمة العليا؟ ما يدفع لطرح التساؤل عن حقيقة هذه الاتهامات ومدى صحتها وقيام هؤلاء الشبان بها؟ فما الذي يمنع من حصول “تلفيقات بالجملة” لكثير من الوقائع والحيثيات والتهم؟ ففي مثل هذه الحالات والظروف يمكن لـ”الخيال السينمائي البوليسي” أن يعمل بقوة خاصة في منظومة ثَبُتَ في الكثير من المحطات مدى انتهاكها للحقوق القانونية للمتهمين والمحكوم عليهم في كل مراحل المحاكمة وما قبلها أيضا.
تصفية معنوية واعتقالات بالجملة
وكأن هؤلاء الشبان المحكوم عليهم لم يكفيهم وعائلاتهم ما ألصق بهم من التهم التي قد تؤدي بهم في أي لحظة إلى حبل المشنقة، فهل ممارسات بعض الإعلام تشكل الحلقة الأخيرة لهؤلاء قبل إعدامهم؟ وهل تعتبر التقارير الإعلامية المعلبة والموجهة بشكل واضح هي نوع من التصفية المعنوية لهؤلاء قبل تصفيتهم الجسدية؟ على طريقة الاغتيال السياسي حيث يتم التصويب على أحد السياسيين وتشويه صورته وتحريض الرأي العام ضده وبعد ذلك يُقتل دون أن يلقى أي تعاطف في المجتمع أو من المواطنين، فهل هذا هو الهدف من نشر هذه التفاصيل في التهم الملفقة للشبان وكي يتم إفهام الرأي العام أن هؤلاء هم “مجرمون” فعلا وقتلة وكانوا يزعزعون الأمن والاستقرار في البلاد؟ علما أن الشبان في العوامية كانوا يعبرون عن رأيهم وكانوا يتظاهرون للمطالبة بالإصلاح والتغيير في أمور يروها هم غير منطقية أو غير ملائمة لوطنهم فهبوا ليعبروا عن رأيهم بصفتهم مواطنين في المملكة، فهل جزاء المواطن الذي يعبر عن رأيه يكون بالقتل والتشهير في آن؟ وأي قانون يسمح بذلك وأي ديمقراطية تجيز هذا؟
الحقيقة أن حرية التعبير معدومة إلى حد كبير في المملكة السعودية وهذا ما لا يختلف عليه اثنان وأكبر دليل على ذلك الاعتقالات التي تمت في السابق وتتم اليوم في مختلف مناطق المملكة ولأشخاص وشيوخ من مختلف المذاهب والتيارات الفكرية والدينية دون أي رادع أو وازع قانوني أو سياسي أو ديني، فكيف بعد ذلك يمكن التساؤل عن وصول شاب إلى حبل المشنقة فقط لأنه أدرج صورة أو مشاهد مصورة على حسابه في أحد مواقع التواصل الاجتماعي؟
تحذيرات من مجرزة جديدة.. أين العفو؟
وفيما يتعلق بكل ذلك أبدى مراقبون مخاوفهم من تمهيد تقوم به وسائل الإعلام الرسمية في المملكة للإقدام على “مجزرة جديدة” بحق أصحاب الرأي وتصفيتهم بالإعدام تحت غطاء سياسي وإعلامي ممنهج وبحجة “محاربة الإرهاب” في الداخل والخارج، فعملية اغتيال الشهيد الشيخ نمر باقر النمر ومجموعة من الشبان التي نفذت مطلع العام الجاري ما زالت حاضرة في الأذهان، حيث تمَّ تصفيتهم وزج اسمائهم مع اسماء إرهابيين اعدموا لقتلهم مواطنين سعوديين ولقيامهم فعلا بمخططات لضرب الاستقرار في المملكة، واعتبر زج اسماء هؤلاء الشهداء مع اسماء الإرهابيين والإعلان عن عمليات الإعدام في مؤتمر صحافي واحد هو عملية تضليل كبيرة قامت السلطات المعنية في المملكة للرأي العام العالمي والمحلي، فهل ما يحضر له اليوم شبيه بما حصل عند اغتيال الشيخ الشهيد النمر؟
وحول هذا الموضوع سبق أن أكدت منظمة “هيومن رايتس ووتش” خلال شهر نيسان/أبريل الماضي أن “تحليلها للأحكام التي أصدرتها السلطات السعودية بحق الشيخ نمر النمر وثلاثة نشطاء آخرين تكشف عن انتهاكات بيّنة لسلامة الإجراءات القانونية بما يشمل الحرمان من الاتصال بمحامين فور التوقيف وأثناء فترات الاحتجاز المطولة وهي الفترة التي انتزع فيها المحققون الاعترافات”.
وحذرت المنظمة الإنسانية من “عواقب تنفيذ حُكم الإعدام بحق ثلاثة أفراد ينتظرون جراء جرائم على صلة باحتجاجات ارتكبوها حين كانوا أطفالا”، وتابعت “أسند القضاة السعوديون الإدانة بالإعدام بالأساس إلى اعترافات تراجع عنها المدعى عليهم الثلاثة في المحكمة وقالوا إنها انتزعت بالإكراه”, وعبرت عن تخوفها من “إقدام السعودية على إعدام 4 رجال آخرين..”، وأضافت “الحُكم على الأحداث المزعوم مخالفتهم للقانون هو مثال صارخ على ظُلم نظام القضاء السعودي”، وتابعت أن “المحاكم لم تحقق أيضا في قولهم بأنهم أُكرهوا على الاعتراف”.
من جهته، أبدى الناشط الحقوقي علي الدبيسي تخوفه بأن يكون “هذا التقرير(الإعلامي) هو سلسلة من تقارير سابقة ولاحقة بهدف تعبئة الرأي العام من أجل التهيئة للإعدامات وهذا يماثل ما قام به الإعلام السعودي قبل قتل الشيخ الشهيد النمر والشبان الثلاثة”، ودعا “لمساندة أهالي المحكومين والوقوف إلى جانبهم ومساعدتهم في ما يحتاجوه بالعون والمشورة والوقفة القلبية والجسدية الصادقة”.
ولكن يبقى السؤال الأهم لماذا تنظر السلطات السعودية بعين واحدة وتطبق القانون(الذي يعبر عن إرادتها المنفردة) ساعة تشاء وتغض النظر عن ذلك ساعة تشاء؟ فهل بهذه الطريقة تكسب “ثقة مفقودة” بسبب تصرفاتها مع شريحة واسعة من المواطنين في المملكة؟ وأليس الأجدر بالسلطة المبادرة للتودد إلى الناس والرأفة بهم والنزول عند طلباتهم وحاجاتهم بدل التمادي في القسوة والشدة؟ خاصة أننا في أيام مباركة في شهر رمضان شهر الغفران والعفو، ومن هنا دعوة صادقة للمعنيين في المملكة إلى المبادرة واستصدار عفو عام أو خاص(ضم الأطر والإجراءات المتبعة أو بصورة استثنائية) عن كامل ما تسميها السلطات “خلية العوامية” وغيرهم من معتقلي الرأي في كل المملكة، لتكون خطوة في الطريق الصحيح باتجاه الناس لفتح صفحة جديدة أساسها النية الحسنة والمبادرة الطيبة بما يخدم الصالح العام تصديقا للآية القرآنية الكريمة: “ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ” (الآية 34 من سورة فصلت).