إصطفافات في شرق المتوسط تحت ظلال الأزمة الأوكرانية
موقع العهد الإخباري-
عبير بسّام:
بدأ في الأسبوع الماضي تنفيذ دوريات جوية روسية – سورية مشتركة فوق الجولان المحتل. واعتبرت “القناة 12″ في كيان العدو أن هذه الدوريات المشتركة هي عبارة عن رسائل لـ”إسرائيل”. ولم يطل الوقت حتى أرسل العدو الصهيوني رسائل “رد الفعل” عبر قصف صاروخي، صباح الإثنين على محيط مدينة دمشق. جاء الإعتداء الصاروخي “الإسرائيلي”، بحسب “سانا”، من اتجاه رياق شرق بيروت. تصاعد هذا النوع من الإستفزاز مع بدء الأزمة الأوكرانية، وفيه الكثير من الدلالات حول ما ستأتي به رياح التصعيد للمنطقة مع ازدياد التوتر بين أميركا وروسيا. وبالتأكيد لن تكون كلّ من تركيا و”اسرائيل” بعيدتان عن تأرجح الرياح.
يحمل القصف “الإسرائيلي” رسائل عدة، اذ أراد العدو أن يقول، إن صواريخ مدافعة تستطيع أن تصل إلى دمشق، وأنها ستمر من فوق لبنان إن لم تمر عبر الجولان. قصف استفزازي يراد منه هدفان: الأول، اختبار قدرة المقاومة على اعتراض الصواريخ. والثاني، ايصال رسائل اعتراضية على التدريبات الروسية – السورية المشتركة فوق أراضي الجولان المحتل في الـ 28 من هذا الشهر. وبحسب مراسل “القناة 12” نير دفوري فإن دور الجيش الروسي لا يقتصر فقط على تعزيز قواته على الحدود مع أوكرانيا، بل يعمل أيضا على الحدود مع الكيان الاسرائيلي. وأشار إلى أن قرار وزارة الدفاع الروسية الإستثنائي بتسيير دوريات جوية مشتركة مع سلاح الجو السوري فوق الجولان السوري خطوة من جانب روسيا لإرسال رسالة إلى “إسرائيل”، وهدفها تقييد نشاط سلاح الجو الإسرائيلي في المنطقة.
الأمر لا يتعلق بتقييد سلاح الجو الإسرائيلي فقط، لكنه الأمر كما أشار دفوري، مرتبط بما يحدث على الحدود الأوكرانية، وبما تقوم به روسيا من تعزيزات، ورفض لنشر أنظمة صواريخ هجومية أميركية في أوكرانيا، وهي ترفض انضمام كل من أوكرانيا أو فنلندا للناتو وتعتبر روسيا ذلك تهديدًا لأمنها القومي.
ولكن الأمر بالنسبة لأمريكا هو تقويض القوة الروسية، التي باتت منافسًا قويًا. وخاصة مع الإعترافات المتتالية للمسؤولين الأميركيين بأن الولايات المتحدة لم تعد القوة الأحادية في العالم، وقد جاء ذلك في عدة كتابات، ومنها مقال لروبرت فورد، السفير الأميركي السابق في سوريا، في صحيفة “الشرق الأوسط”.
ونشهد في الوقت نفسه محاولات لتنظيف شرق الفرات من قوات “داعش”. اذ يعلم الأميركيون أنه في المرحلة القادمة لن يكون بوسعهم الإعتماد على هذه القوات في تنفيذ أية قرارات أميركية أو خطط أميركية مستقبلية، وخاصة بعد التجربة في اليمن، ومهاجمة القاعدة للمدمرة كول في العام 2000، أو بعد التجربة الفاشلة في أفغانستان. وانعدام الثقة بين الطرفين بعد الهجومات التي شنتها طائرات التحالف في سوريا وقتلت عددًا من قياديي تنطيم “داعش”، وكذلك قتل ومهاجمة قواعد وقياديين من تنظيم “القاعدة” في اليمن. إذًا مهزلة سجن غويران في الحسكة لم يكن الهدف منها سوى تأمين الأميركيين وحلفائهم الأكراد في شرق الفرات في وقت تشهد فيه المنطقة اصطفافات حادة تسير بالتوازي مع الأزمة الروسية – الأميركية في أوكرانيا.
تلقي العلاقات المتنامية بين تركيا والكيان الصهيوني من جديد بظلالها على الإستطفافات التي تأخذ وضعًا جديدًا في المنطقة. اذ تدخل العلاقات التركية – الصهيونية على الدوام ما بين مد وجزر بحسب ما تقتضيه مصالح الكيانين. وبالتالي فإن القرار الروسي – السوري بتسيير دوريات مشتركة في داخل المدينة جاء بعد تحسب روسي من هجوم قد تقوم به المجموعات الإرهابية في شمال سوريا على مدينة اللاذقية. تنبيه لا يخرج عن إطار التحضير لأي هجوم تركي قادم في إدلب يراد منه إشغال روسيا في سوريا، أو استغلال الإنشغال الروسي بالأزمة الأوكرانية من أجل تحقيق الأهداف التركية المرتجاة في الحرب على سوريا.
وبناء على ما سبق، لربما كان على الروسي مراجعة حساباته حول تأخير اتفاقيات أستانة مع الأتراك، وتأخير مغادرتهم الأراضي السورية، ووقف دعم الجماعات الإرهابية وخاصة في إدلب. فالأتراك اليوم ليسوا بعيدين عن المواجهة مع الروس في أوكرانيا، وكازاخستان، وفي القرم، وفي عدد من دول آسيا الوسطى، والتي تحاول تركيا بناء نوع من التعاون معها، والذي لا يمكن التكهن بمفاعيليه على المدى الطويل في ضرب المصالح الروسية. ومن الواضح أن تركيا بعد الإعلان عن المحادثات مع “الإسرائيليين” من أجل تمرير غاز الشرق الأوسط عبر أراضيها إلى أوروبا، وعن زيارة رئيس الكيان العبري اسحاق هرتسوغ، ليست تركيا ما قبل هذه المحادثات.
إذًا عادت تركيا لتلعب دورها المعهود إلى جانب الأميركيين من أجل وقف تدفق الغاز الروسي إلى أوروبا وبدء ضخ غاز الشرق الأوسط عبر أراضيها. وإذا كنا نتذكر فإن من أهم أسباب الحرب على سوريا، هو رفضها تمرير أنابيب الغاز القطري عبر أراضيها بهدف منافسة الغاز الروسي. وضمن سياق الهجوم المفترض على اللاذقية، يجب التنبه حول أهداف تجنيد الشباب اللبناني في طرابلس من أجل القتال في سوريا في صفوف المجموعات الإرهابية. فنحن لم ننسى الدور التركي في طرابلس وصيدا، ومحاولات تجنيد مجموعات الثورة التخريبية في 2019، والتي كشف عنها يومها وزير الداخلية اللبناني السابق محمد فهمي.
بالتأكيد لبنان لم يكن ولن يكون معزولًا في خضم الإصطفافات التي يقوم بها الأميركيون من أجل محاصرة الروس على شواطئ البحر المتوسط، سيما مع ما نشر حول وجود قوات أميركية في مطار حامات وحول دورها عند حصول أي عمل أمني في لبنان. انتهى العمل على تجهيز المطار لاستقبال القوات الأميركية بشكل منعزل، وقد تم افتتاحه في أيار العام 2021، كقاعدة عسكرية لبنانية. ولكن ما يحاول الأميركيون العمل عليه هو توسيع تواجدهم على شاطئ المتوسط في لبنان مقابل قاعدة حميميم الروسية في طرطوس. وبعد توسيع قاعدة السلطي في الأردن، بات الأمر يدفع للتساؤل إذا ما كان الصدام الروسي – الأميركي، في حال تفاقمت الأزمة الأوكرانية، سيقع في منطقتنا العربية في بلاد الشام والعراق، حيث تتقاطع المصالح الروسية الأميركية أم في أوكرانيا؟