إسرائيل ولعبة الردع النووي
صحيفة الوطن السورية-
تحسين الحلبي:
لا شك أنه من المنطق أن يبدي كل قادة المنطقة والعالم، استغرابهم لتلك الحملة المكثفة التي تستخدمها إسرائيل بكل الوسائل، لتحريض الولايات المتحدة على شن حرب مباشرة على إيران منذ أكثر من عقد من الزمان بحجة محاولتها صناعة قنبلة نووية في حين يعرف المجتمع الدولي وكل دول العالم أن إسرائيل قامت منذ الستينيات بصناعة قنابل نووية وليس قنبلة واحدة، وإذا كانت إسرائيل لم تصرح علناً على لسان وزراء أو مسؤولين فيها عن امتلاكها للسلاح النووي، فإنها تترك لوسائل الإعلام الإسرائيلية والأجنبية بالإشارة إلى هذه الحقيقة تنفيذاً لسياسة الغموض النووي الذي تستغلها في تحسين قدرة ردعها بشكل غير مباشر، ومع ذلك كانت قد اعترفت على لسان رئيس الحكومة إيهود أولميرت عام 2008 بأنها «من دول النادي النووي مثلها مثل الولايات المتحدة وروسيا وبريطانيا وفرنسا»، ولم يحاسب أي من رؤساء الدول إسرائيل بشيء علني على هذا الاعتراف الذي قدمه أولميرت في مقابلة تلفزيونية مع قناة تلفزيون ألمانيا، أي إن صوته فضح المسألة ولم تعد إسرائيل بحاجة لسياسة الغموض النووي.
ربما أزعج هذا التصريح الولايات المتحدة ذات القوة النووية الكبيرة لأنها ستتحمل مسؤولية عنه حين تزعم أنها لا تؤيد انتشار الأسلحة النووية وهي تكتفي بتوزيعه ونشره تحت اسم قواعد أميركية في الدول المتحالفة معها في المنطقة مثل تركيا ودول أوروبية، وطالما هي التي تضع يدها وليس يد غيرها على الزناد النووي ولذلك تتمتع إسرائيل التي تعد الحليف الأهم لها في منطقة الشرق الأوسط، بحماية أميركية ضمنية لسلاحها النووي في منطقة تخلو من الأسلحة النووية تأكيداً لضرورة المحافظة على تفوقها على كل دول الشرق الأوسط، لكن هناك من يعتقد أن الولايات المتحدة وليست إسرائيل هي التي تضع أصبعها على زناد هذا السلاح لكي تتحكم القيادة الأميركية بالقرار الإسرائيلي ولا تتورط بحرب نووية شاملة دون رغبتها والتنسيق معها.
لا شك أن هذا العامل يقلب السحر على الساحر أي على إسرائيل نفسها، وبخاصة إذا ما تمكنت دولة مستقلة وغير متحالفة مع الولايات المتحدة من صنع قنبلة نووية، ففي مثل هذه الحالة ستمتلك هذه الدولة النووية المستقلة قرارها بيدها لردع أي عدو أو أي طامع بتهديد أمنها وسيادتها، وقد تلوّح باستخدامه وهنا تكمن الخطورة الهائلة على إسرائيل لأنها ليست صاحبة القرار باستخدام أسلحتها النووية، إلا بموافقة أميركية تتولى واشنطن فيها الضغط على الزناد النووي، وهذا ما يتطلب حسابات كثيرة وغير مسبوقة لأن دولاً نووية أخرى لا بد أنها تعرف بهذه الصلة الأميركية العميقة في الموضوع النووي مع إسرائيل.
في الصراع ضد كوريا الديمقراطية التي لم تستطع واشنطن أن تردع بيونغ يانغ عن الاستمرار بصناعتها وتجاربها النووية والصاروخية والتهديد باستخدامها إذا تعرضت لأي عدوان أميركي، لأن قرارها في هذا الموضوع ليس مرتبطاً بالصين أو غيرها، في حين يعد تلويح إسرائيل بأي سلاح نووي من مسألة تشبه تماماً أن تهدد دولة ما سمحت لواشنطن بوضع أسلحة نووية في أراضيها بالتهديد باستخدام هذا السلاح الأميركي النووي ضد دولة أخرى من دون موافقة صاحبة السلاح النووي، ولهذا السبب يبدو أن واشنطن لا تريد لإسرائيل التخلي عن سياسة الغموض النووي القائمة على عدم اعتراف المسؤولين فيها بامتلاك هذا السلاح ولهذا السبب أيضاً سارعت وسائل الإعلام وبعض المسؤولين الإسرائيليين في عام 2008 بالإعلان عن أن ما صرح به أولميرت كان مجرد زلة لسان واهتمت الصحافة الأميركية في ذلك الوقت بشكل ملحوظ بنشر هذه التصريحات وبهذه الطريقة عادت إسرائيل وأكدت الصلة العميقة التي تتحكم بها الولايات المتحدة في موضوع نووي لا تسمح لإسرائيل باستغلاله بأكثر من تلويح غامض وغير مباشر للردع وليس للتهديد المباشر، ورغم تأكيد إيران بعدم رغبتها لامتلاك السلح النووي إلا أن إسرائيل تخشى من قرارها المستقل باستخدام أسلحتها الصاروخية وهي العامل الذي يردع إسرائيل، وقد تبدو الولايات المتحدة هنا حريصة على المحافظة على إسرائيل أكثر من حرص إسرائيل على نفسها من تصرفات قد تلحق الضرر باستمرار وجودها.