إزدواجية المجتمع الدولي في المواقف من موسكو و”تل أبيب”
موقع الخنادق:
خلصت نتائج الاستفتاءات الشعبية في أقاليم لوهانسك ودونيتسك وخيرسون وزابوريجيا الى إقرار انضمامها الى روسيا، لترتفع بذلك عدد الأقاليم الروسية من 85 الى 89 إقليماً. وصرّح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في خطابه أمام الجمعية الفدرالية الروسية بأنه لن يناقش “اختيار الناس في دونيتسك ولوغانسك وزابوروجيا وخيرسون، فقد انقضى ذلك الأمر، ولن تخونه روسيا”، مشدداً “سنحمي أراضينا بكل القوة والوسائل المتاحة لدينا”. وقد سبقه “الكرملين” بتصريح قال فيه إنه “سيعتبر الهجمات ضد أي جزء من الأقاليم التي تضم الى روسيا حديثاً “أعمالاً عدوانية ضد روسيا نفسها”، فمواطني تلك الأقاليم سيحملون الجنسية الروسية.
في المقابل زعمت الولايات المتحدة الأمريكية أن النتائج من تدبير موسكو ورفض رئيسها جو بادين الاعتراف بها، وعارضتها ودول أوروبية بزعم أنها “مزعزعة للاستقرار” وقد أدانها المجتمع الدولي. يوضح الموقف الغربي والدولي ازدواجية المعايير في التعاطي مع كلّ من روسيا والكيان الإسرائيلي.
المقارنة بين موسكو و”تل أبيب”
جرى الضمّ نسبة لاستفتاء شعبي شارك فيه أكثر من 50% من سكّان هذه الأقاليم الأربعة، بالاستناد الى المادة الأولى لميثاق الأمم المتحدة التي تنصّ على حق الشعوب في تقرير مصيرها. وبحسب الجهات التي تدير الأمور السياسية والعسكرية في هذه المناطق، فإن هذه الخطوة قد جاءت “استجابة لطلبات من المنظمات العامة وسكان المنطقة”، وكان بوتين قد أعلت أن بلاده ستدعم القرار الذي سيتم اتخاذه في الاستفتاء.
وأشار النائب في مجلس النواب الروسي عن حزب “روسيا الموحدة” ورئيس “جمعية متطوعي دونباس” ألكسندر بوروداي لذي شغل في عام 2014 منصب رئيس وزراء “جمهورية دونيتسك الشعبية” إن “هذه الاستفتاءات انتظرها سكان جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الشعبيتين منذ عام 2014، أملاً في أن يصبح إقليماهما جزءاً من روسيا، وكانوا يتحملون المتاعب ويقاتلون ويموتون من أجل ذلك”.
فهل يعترف المجتمع الدولي بحق الشعب الفلسطيني الذي يعاني من احتلال عمره 74 عاماً في تقرير مصيره؟
يمنح هذا الضمّ سيطرة روسية على 27% من مساحة أوكرانيا الاجمالية (وتبلغ مساحة مقاطعة دونيتسك 26.517 كيلومتراً مربعاً، ولوغانسك 26.684 كيلومتراً مربعاً، وزابوريجيا 27.183 كيلومتراً مربعاً، وخيرسون 28.461 كيلومتراً مربعاً، بالإضافة الى شبه جزيرة القرم التي تبلغ مساحتها 27 ألف كيلومتر مربع). وقال الرئيس الروسي السابق دميتري ميدفيديف أنه “بمجرد دمج الجمهوريات الاربع في الاتحاد الروسي، لن يتمكن أي زعيم مستقبلي لروسيا، أو أي مسؤول واحد معارضة ذلك”.
فيما تحتل وتسيطر “إسرائيل” كامل مساحة فلسطين المحتلّة، باستثناء 360 كليو متراً التي تشكّل مساحة قطاع غزّة. وكان الاحتلال قد أعلن عام 1967 ضمّ الضفة الغربية وقطاع غزّة (سابقاً) والجولان السوري، وسيناء في مصر. وفي العام 1980 أعلن عن سيطرته على القدس الشرقية. فيما اعترفت الولايات المتحدة عام 2018 ضمن إطار “صفقة القرن” التي زعمها رئيسها آنذاك دونالد ترامب بسيطرة الكيان التامة على القدس المحتلّة وعلى مرتفعات الجولان.
ويزداد الكيان توسعاً وبناءً للمستوطنات التي تسطو على مساحات واسعة من تلك المناطق المحتلّة، بقوة الجيش والسلاح، دون أن يحرّك المجتمع الدولي ساكناً، بل وفي اقتراحه لما يسمى “حلّ الدولتين” يقدّم المجتمع الدولي “على طبق من فضّة” 78% من مساحة فلسطين المحتلّة لـ “إسرائيل”، فهل سأل المجتمع الدولي عن رأي الشعب الفلسطيني وطرح إجراء استفتاء؟
وكان خبراء من الأمم المتحدة قد اعترضوا في العام 2020 عن اتفاق الحكومة الاحتلال بـ “ضم أجزاء كبيرة من الضفة الغربية الفلسطينية المحتلة”، معتبرين أن ذلك ينتهك “مبدأ أساسيًا من القانون الدولي ويجب أن يعارضه المجتمع الدولي بشكل حازم”. وأضافوا أن “ضم الأراضي المحتلة هو انتهاك خطير لميثاق الأمم المتحدة واتفاقيات جنيف، ويتعارض مع القاعدة الأساسية التي أكّدها مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة مرارًا وتكرارًا، بأن الاستيلاء على الأراضي عن طريق الحرب أو القوة غير مقبول”، لكنّ هذا الاعتراض لم يلقَ آذاناً صاغية من واشنطن والعواصم الأوروبية.
لم تنطبق ازدواجية المجتمع الدولي والدول الغربية على موضوع الضمّ فقط، فقد سبق وأن أُدينت روسيا بزعم ارتكابها جرائم حرب بحق الأوكرانيين، فيما لم يحاسب أحداً كيان الاحتلال على مجازر الإبادة والتطهير العرقي الذي مارسه بحق الشعب الفلسطيني في مناطق الـ 48 أو في الشتات، كما على المجازر التي ارتكبها بحق الشعوب العربية، ومنها المصرية والأردنية أيام حرب عام 1967، واستتبعها باعتداءات على الفلسطينيين في القدس والضفة وفي حروب على قطاع غزّة ومحاصرته ليعاني ظروفاً إنسانية صعبة. بالإضافة الى جرائم بحق الشعب اللبناني منذ العام 1982.
أمّا في قضية اللجوء، ميّز المجتمع الدولي بين اللاجئ الأوكراني والعربي، فإدعى التعاطف مع الاوّل وأهمل الثاني، كما أن الدول الغربية مارست الفصل العنصري بين الجنسيتين، اذ كانت تعلّق على مشاهد تهجير الأوكرانيين بالقول “هؤلاء ليسوا عرباً”.