إتفاق أضنة جديد.. دمشق وتركيا حوار بطيء لتحقيق نتائج هامة
وكالة أنباء آسيا-
سفيان درويش:
تصف مصادر دمشقية في حديثها لـ “وكالة أنباء آسيا”، الحوار البطيء الذي يجمع كلًا من سورية وتركيا على طاولة واحدة مع الوسيطين الروسي والتركي، بأنه لن يكون جادًا إن لم تذهب تركيا نحو جدولة انسحابها العسكري من الشمال السوري، وما رشح عن الاجتماع الرباعي الأخير الذي جمع وزراء الدفاع في الدول الأربعة، لم يكن قطعياً لجهة الاتفاق على مسألة فتح الطريق الدولية “M4″، في الجزء المار من محافظة إدلب، والذي يربط عاصمة الاقتصاد السوري المتمثلة بـ حلب، مع الواجهة البحرية السورية في اللاذقية، في حين تضاربت المعلومات حول بقية النقاط، وهذا يعني بالضرورة أن أنقرة ما تزال غير جادة في مسألة الحوار مع دمشق وما تبحث عنه ليس تسوية للخلافات وإنما تحقيق أكبر قدر ممكن من المصالح، الأمر الذي تعيه الدولة السورية وتتعامل معه بواقعية، فهي لا تجد نفسها مستعجلة على التقارب مع تركيا في وقت يزداد فيه الانفتاح العربي على إعادة تطبيع العلاقات مع سورية، لكن المصادر ذاتها لا تفاضل بين الأمرين وتعتبر إن إنهاء الأزمة السورية في مستواها الإقليمي يعني بداية إنهاء للملف السوري بالكامل، فالمجموعة الإقليمية المحيطة بسورية تمتلك ثقل التأثير في المسار الدولي للملف السوري، على الأقل من بوابة العلاقات الاقتصادية التي تربط دول الإقليم مع الدول المؤثرة دولياً وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية.
ما تريده سورية من الحوار مع تركيا يتعدى المسائل الداخلية، فدمشق لا تريد إنهاء الوجود العسكري التركي غير المشروع في الشمال وحسب، وإنما تذهب نحو إجبارية الخيار في إعادة سيطرتها على كامل الأراضي السورية، وهذا الملف يبدو بالنسبة لتركيا شائكاً، فالفصائل المسلحة الموالية لها مضافاً إليها الفصائل التكفيرية وعلى رأسها تنظيم ج ب ه ة النصرة، ستكون أمام احتمالين، الأول التسوية مع الدولة السورية وهذا يعني بالضرورة إنهاء وجود الأجانب من الجهاديين على الأراضي السورية، وستكون تركيا قبلتهم الأولى، والخيار الثاني هو تمرد الفصائل على القرار التركي وبالتالي الذهاب نحو مواجهة الدولة السورية بدون الدعم التركي، ما يعني إنتحاراً مجانياً بالنسبة للفصائل، لكن في الأمر ما يقلق دمشق، فما الضامن لوقف الدعم التركي لهذه الفصائل بشكل جدي، وما هو ضامن إغلاق الحدود بشكل فعلي أمام حركة تدفق السلاح، فالفصائل المسلحة ستبحث عن مصادر للتمويل الذاتي والسلاح خلال أي معركة كبرى مع دمشق، وليس أمامها خيارات سوى الأراضي التركية.
وتصف مصادر ميدانية خلال حديثها لـ “وكالة أنباء آسيا”، أن واقع الشمال الغربي من سورية معقد بما يجعل تركيا غير قادرة على دفع الفصائل المسلحة وخاصة “ج ب ه ة النصرة”، و “الحزب الإسلامي التركستاني”، المؤلف من مقاتلين متحدرين من أقلية “الإيغور”، الصينية، نحو الانسحاب من المناطق القريبة من الطريق الدولية، بمسافة تسمح بفتح آمن للطريق أمام حركة نقل الركاب والقوافل التجارية، وبالتالي فإن أنقرة قد تذهب نحو جعل الفصائل الموالية لها لتدخل في محرقة حرب مع النصرة ومن يواليها، بما يضعف قدرة الفصائل التي توالي أنقرة لاحقاً على تشكيل أي رد فعل مسلح تجاه القرارت التركية بالتسوية مع سورية، وهذا ما تعتبره المصادر الميدانية الطريقة الوحيدة بالنسبة لتركيا لتطبيق ما تتعهد به من خطوات في ملف فتح الطريق “M4″، وبغير هذه الطريقة ستبقى تعهدات تركيا حبرًا على ورق لاستحالة انسحاب “التركستاني”، من مدينة “جسر الشغور”، وتسليمها للحكومة السورية بدون قتال.
أهم ما في الحوار مع تركيا بالنسبة لدمشق هي مسألة “اتفاق أضنة”، الذي تعتبره الحكومة التركية ملزماً للطرفين برغم إنه غير موثق في الأمم المتحدة، ولا يتعدى كونه برتوكول عمل مشترك بين الطرفين لم يتم تحويله لاتفاق موثق يلزم الطرفين ببنوده، وتبحث دمشق عن تحول الحوار مع أنقرة إلى الإيجابية للوصول إلى اتفاق جديد وجدي بين البلدين، يلزم الحكومة التركية باحترام الحدود المشتركة مع سورية وألا تعتبرها حدوداً مرنة تمنحها الحق بالتدخل ضد ما تعتبره تهديداً لأمنها القومي بشكل اعتباطي، وأن يمنح الاتفاق الحق ذاته لكلا الطرفين، بمعنى أن لدمشق الحق بتجاوز الحدود مع تركيا في حال وجدت تهديداً لأمنها القومي يتجاوز الحدود، وعلى أنقرة في مثل هذه الحال أن تكون طرفاً متعاوناً في مسألة الحرب على الإرهاب بتعريف واضح للتنظيمات الإرهابية ومدى شمولية هذا التعريف للتنظيمات التي تتعاون معها الحكومة التركية في الشمال، بوصفها تنظيمات مسلحة تمتلك مشروعا إرهابياً وتكفيرياً.
موافقة دمشق لفتح باب الحوار مع تركيا جاءت من خشيتها من تذرع أنقرة بالحرب على الإرهاب للتوسع أكثر في الشمال السوري بحجة قتال “قوات سورية الديمقراطية”، لارتباط الأخيرة بمنظمة “حزب العمال الكردستاني”، الموضوعة على لائحة التنظيمات الإرهابية لعدد من الدول، كما إن دمشق ترغب بوقف عملية التغيير الديموغرافي في الشمال السوري من خلال إنشاء مدن جديدة بتمويل “قطري – تركي”، لما تسميه بالمخميات الإسمنتية التي ستعني بالضرورة توطين العوائل المرتبطة بالتنظيمات المدعومة تركيا في الشمال إلى أجل غير مسمى، وهذه المخيمات تشكل مسألة قانونية داخل سورية لجهة عائدية الأراضي التي أقيمت عليها هذه المخيمات والمدن، إضافة إلى ضرورة إدخالها في الخريطة الإدارية للأراضي السورية وبالتالي الاعتراف بوجودها بفعل الأمر الواقع كـ “وحدات إدارية”، قائمة على الأراضي السورية ويجب تقديم الخدمات السورية لها، وهذا يعني بالضرورة إن دمشق أمام مشكلة في تفكيك هذه المخيمات بما لا يجعلها تهديداً مستداماً لـ “البنية الديموغرافية السورية”.