أيهما قنبلة موقوتة للتطرف التكفيري؛ إيران أم بريطانيا؟!
التطرف التكفيري ظاهرة دخلت ثنايا العالم وتغلغلت في بعض المجتمعات دونا عن غيرها لعقود وعقود ليحمل هذا التطرف معه أفكاره العفنة الإقصائية الإلغائية التي لا ترحم مذهبا او طائفة بعينها على مبدأ “إن لم تكن معنا فأنت ضدنا”، وهنا وجدت بعض القوى الغربية أن هذا الفكر قد يخدم مصالحها في بعض الأماكن وتستطيع من خلاله تنفيذ الكثير من مخططاتها لإنهاك أنظمة بأكملها دون أن تخسر جندي واحد.
الغرب لم يكن يتصور أبدا أن “البعبع” الذي وضعه وغذاه في منطقة الشرق الأوسط ليخيف الناس ويبعدها عن اعتقاداتها، سيسبب الخوف لبلاده وشعبه أيضا، الجميع حذر الغرب وخاصة بريطانيا بأن إيواء الجماعات التي تحمل فكرا متطرفا سيكون له آثار سلبية على الداخل الإنكليزي وقد ذاقت بريطانيا مرارة هذا الأمر خلال السنوات الماضية، واليوم عوضا عن اجتثاث هذا الفكر من جذوره وتجفيف منابعه، يستخدمون أسلوب الهرب للأمام ويكيلون التهم لهذه الدولة او تلك بدعم الإرهاب وكأنهم من دعمه براء.
اليوم بريطانيا وأمريكا وغيرها من القوى الغربية وبعض القوى العربية يتهمون إيران بدعم وتمويل الإرهاب، ولكن من خلال مقارنة بسيطة لأعداد التكفيرين في كل من “مثلا” بريطانيا وإيران ومن منهما يغذي ويحتضن جماعات متطرفة، سيثبت لنا بالدليل القاطع من وراء دعم الجماعات المتطرفة التي تحمل فكرا تكفيريا يتم العمل على ترويجه في مختلف أنحاء العالم وفي نفس الوقت تدّعي أنها تحاربه.
أرقام وحقائق
مؤخرا أعلنت بريطانيا أنها وضعت خلال العام الماضي 8 آلاف شخص في البلاد في إطار خطة السيطرة على التطرف التكفيري تحت الرعاية والتأهيل، وهذه “كارثة كبيرة”. كيف يمكن لدولة بحجم بريطانيا تدّعي يوميا بأنها تحارب التطرف والفكر الإرهابي وفي مقابل ذلك تغفل أجهزتها الأمنية عن 8000 شخص يمكن يهددون لا فقط بريطانيا بل أوروبا بأكملها.
هذا الإهمال كانت له نتائجه على الداخل البريطاني والهجمات الإرهابية في بريطانيا حصدت معها أرواح مئات المواطنين خلال أقل من سنتين، نحن نتكلم عن بلد يعيش بآمان وغير مهدد من قبل أي دولة آخرى ولا تفرض عليه عقوبات اقتصادية وغيرها ومع ذلك يحوي على أراضيه كل هذه الاعداد من الفكر المتطرف، وبالتالي إذا ما قارناه مع ايران التي يصورها الغرب بأنها داعمة للإرهاب سنجدها أفضل بكثير من بريطانيا، علما أن إيران محاطة بوسط مضطرب متزعزع مليء بالإرهاب وهي تعيش في قلب هذه التحولات الصعبة وجغرافية التكفيريين.
ورغم أنها تعيش في هكذا وسط مشتعل بالأزمات نجدها حتى اللحظة لم تصل إلى مرحلة تجبرها على إدارة برنامج لرعاية وتأهيل المتطرفين، كما هو الحال بالنسبة لبريطانيا التي تعيش وضع معقد وخطير إذا أردنا مقارنته مع إيران، أما فرنسا فحالها أسوء من المملكة المتحدة من حيث الأرقام والإحصائيات، والضغط على المجتمع المسلم في هذا البلد الأوروبي فريد من نوعه.
في فرنسا يمكنك أن تلاحظ نشاط كبير ومكثف داخل المساجد والمراكز الإسلامية السلفية ولا توجد خطط جادة لدمج المهاجرين مع المجتمع الفرنسي، مثل تلك الموجودة في كندا أو حتى بريطانيا، لذلك نجد هؤلاء المهاجرون مضطرون للعيش في أحياء فقيرة ومن ثم التقاطهم من قبل جماعات تكفيرية أو سلفية ويمنكم تصور نتائج هذا الأمر على الداخل الفرنسي.
كيف نما هذا الفكر المتطرف في الغرب
هناك أسئلة كثيرة تطرح عن كيفية تعاطي الحكومات الإنكليزية المتعاقبة مع الفكر المتطرف، للأسف الحقائق تقول أن هذه الحكومات احتضنت منذ أمد طويل تشكيلات متنوعة من الإسلاميين المعتدلين والوسطيين والمتطرفين، ووفّرت مأوى آمناً لبعض رموز التيارات الإسلامية المرفوضة في بلادها الأصلية، ما تسبب في ظهور جيل جديد من المسلمين الإنجليز الذين يعتنقون الأفكار المتشددة وينتهجون نهجاً راديكالياً عنيفاً.
ومن خلال مرور سريع على الجماعات التكفيرية في بريطانيا نجد أن “جبهة لندن” من أكثر الجبهات في تفريخ التكفيريين واستقطاب الشباب ومسخ عقولهم، وتمويلهم، وتدريبهم، توجيههم إلى مناطق الصراعات في المشهد العربي، ومن أبرز أسماء هذه الجماعة التكفيرية المحامي المصري هاني السباعي، الحاصل على حق اللجوء السياسي في لندن، والناطق الرسمي باسم تنظيم “القاعدة” في أوروبا، والمتهم في إحدى قضايا تنظيم الجهاد المصري، ومع ذلك حتى الحكومة البريطانية فشلت في ترحيله باعتباره صاحب نفوذ واسع على الإرهابيين المتشددين، بحسب تقرير نشرته صحيفة “تليغراف” البريطانية في وقت سابق.
بريطانيا التي وفرت ملاجئ ومعاقل لعدد من رموز الإسلام السياسي، حتى المتطرف، تدفع ثمن هذا الأمر اليوم، ولذلك، نجد أن الحكومة البريطانية بدأت في اتخاذ عدد من القرارات التي تخالف سياساتها التقليدية السائدة في ما يخص موقف الدولة من الحركات والتيارات الإسلامية المتطرفة.
هذا الكلام ينطبق على باريس أيضا التي لم تكترث بمخاطر التساهل مع دعاة وائمة يحملون الفكر السلفي التكفيري استقبلتهم على أراضيها وحذرتها منهم أجهزة أمن دولة مغاربية قبل عدة سنوات، وتجاهلت باريس التحذير بل و منحت سفارات فرنسا في دول عربية تأشيرات دخول لدعاة اسلاميين متطرفين بين عامي 2009 و 2013 ، وساهم الدعاة المتطرفون في نشر الفكر السلفي الجهادي بين الفرنسيين من اصول عربية.
أعداد الفرنسيين والبريطانيين في التنظيمات الإرهابية
ظهرت أرقام مذهلة ومخيفة لأعداد الفرنسيين والبريطانيين الذين انضمو لتنظيم “داعش” الارهابي، هذا الأمر شكل هاجسا حقيقا وخوفا حقيقا من أن يعود هؤلاء الإرهابيين إلى بلادهم، وفي وقت سابق ذكر وزير الداخلية الفرنسية أن 1400 مسلح من فرنسا يقاتلون في سوريا والعراق.
أما بريطانيا فقد غادر نحو 700 شخصا بريطانيا للقتال طبقا لوزارة الداخلية وعاد نصفهم، ولم تكشف وزارة الداخلية عن عدد هؤلاء الذين تعتبرهم إرهابيين محتملين، لكن الشرطة تعتقل مشتبها بهم بشكل أسبوعي. غير أنه لم توجه أي اتهامات في معظم القضايا.
ومؤخرا كشف مستشار وزير الدفاع البريطاني للشؤون الإسلامية، عاصم حافظ، أن أعداد البريطانيين الذين انضموا لصفوف تنظيم الدولة أصبحوا بالمئات.
ختاماً، يجب على الغرب قطع رأس الأفعى عوضا عن ذيلها وعدم تلفيق التهم لدولة بحجم إيران دفعت الكثير وتحملت الكثير وساهمت بمحاربة الإرهاب بشكل فعلي وجدي وما فعلته في العراق وسوريا يشهد على ذلك، وكما يقول المثل الشعبي ” من كانَ بيتُهُ من زُجاج لا يرمي الناسَ بالحجارة”.