أوهام المراهنين على سقوط سورية تصطدم بجملة حقائق ووقائع
قدرة الجيش، صلابة الحلفاء، ضعف الموقف الأميركي وإرهاب المسلحين
صحيفة البناء اللبنانية ـ
حسن سلامه:
يطرح الكثير من المتابعين للوضع السوري تساؤلات وحتى اجتهادات مختلفة لما يمكن أن تذهب إليه الأمور في المرحلة المقبلة، وصلت إلى حدود مراهنة البعض من المنخرطين في المشروع الأميركي ـ الغربي على إعطاء مهلة جديدة لحدوث تغييرات جذرية في سورية لغير مصلحة النظام والقوى الداعمة له.
ويعلّق هؤلاء المراهنون أوهاماً كثيرة على قدرة العصابات على حسم الأمور ميدانياً في ظلّ عمليات التسليح الكثيفة لهذه العصابات من قبل أنظمة الخليج وكل من فرنسا وبريطانيا وتركيا، بالإضافة إلى فتح حدود الدول المحيطة بسورية أمام دخول كل أنواع المتطرفين من كل أصقاع الأرض للقتال ضد الدولة ومؤسساتها، بل إن هؤلاء يراهنون أيضاً على الخطوة المشوهة التي حدثت في قطر قبل أسابيع قليلة عبر تشكيل ما يسمى «الائتلاف الوطني السوري» المعارض وإعلان معظم الدول الغربية والعربية اعترافها بهذا الائتلاف المسخ.
لذلك، هل من الممكن تحقيق مراهنات كهذه أو هل يمكن أن تؤدي إلى تغييرات على الأرض لمصلحة الحلف الأميركي ـ الغربي عبر تمكّن العصابات المسلحة من السيطرة على مناطق استراتيجية واسعة في سورية؟.
في معلومات مصادر دبلوماسية واسعة الاطلاع أن اتجاه الصراع في سورية يسير في غير مصلحة المشروع المعادي، على الرغم من حملة التشويه والمجازر والضغوط العربية والغربية التي تمارس، ليس فقط ضد سورية بل ضد الدول الداعمة لها أيضاً، والدليل على ذلك جملة وقائع ومعطيات أبرزها الآتي:
ـ الحقيقة الأولى أنه رغم السيناريو الذي أُعدّ قبل أسابيع من قبل غرف الاستخبارات المشرفة على حراك المسلحين بهدف إحداث اختراق في قلب العاصمة السورية، بحيث جرى إعداد ما يزيد عن ثلاثين ألف مسلح لإحداث مثل هذا الخرق، مع تسليح كبير ومتطور فإن هذا السيناريو سقط بفضل قوة وقدرة الجيش السوري على حسم الأمور ميدانياً على الأرض، وهو ما انتهى إلى خسائر فادحة في صفوف المسلحين تجاوزت الآلاف، إضافة إلى تدمير ومصادرة كميات كبيرة من السلاح وصولاً إلى تطهير مناطق واسعة من ريف دمشق، وهو الأمر نفسه الذي حصل قبل ذلك في مدينة حلب وأجزاء واسعة من ريفها.
ـ الحقيقة الثانية، أن الجيش السوري أصبح أكثر قدرة وكفاءة على خوض حروب الشوارع وقد أثبت أنه على دراية كاملة بخوض مثل هذه الحروب، بالإضافة إلى الدروس التي تعلّمها خلال الأحداث، بما أن الجيش السوري أصبح يملك إمكانيات عسكرية حديثة في الأشهر الماضية تمكّنه من مواجهة هجوم العصابات المسلحة على المناطق السورية ومؤسسات الدولة.
الحقيقة الثالثة، أن حلفاء سورية من روسيا إلى إيران وباقي الداعمين أصبحوا أكثر تشدّداً وأكثر قدرة على إسقاط «سيناريوهات» الغرب حول التآمر على سورية، بل إن كل الوقائع تؤكّد أن هؤلاء الحلفاء لن يسمحوا بأيّ عدوان خارجي، والروسي بشكل خاص يخوض صراعاً كبيراً مع واشنطن وحلفائها ليس على مستوى سورية فقط وإنما على مستوى العالم في سبيل تعدّد الأقطاب في العالم، وقد جاء خطاب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قبل بضعة أيام عن أن العالم دخل في مرحلة تعدّد الأقطاب، وأن روسيا لن تسمح باستمرار سياسة الهيمنة على العالم من جانب الولايات المتحدة بمثابة «هزّ العصا» للأميركي.
ـ الحقيقة الرابعة، أن الأميركي اضطر في ظلّ عجز العصابات المسلحة عن تحقيق أي إنجاز على الأرض من جهة وإصرار روسيا على الحلّ السياسي من جهة أخرى، إلى إعادة النظر في موقفه للحلّ في سورية من خلال القبول بالعودة إلى مقرّرات مؤتمر جنيف ولو أن هناك تفسيرات أميركية لهذه المقررات تختلف عن حقيقة المقرّرات نفسها، وتتعلق بما يسمى بالمرحلة الانتقالية.
ـ الحقيقة الخامسة، أن واشنطن بدت أكثر تحفظاً بعد هيمنة «جبهة النصرة» والجماعات الأخرى المرتبطة بتنظيم القاعدة، إذ أن الحديث عن تسليح هذه الجماعات قد يتوقف، فحتى تركيا وبعض الدول الغربية أصبحت أكثر حذراً في كيفية تقديم السلاح لهذه المجموعات يضاف إلى ذلك تشتت المعارضة في الخارج، وكثافة المجازر التي يرتكبها المسلحون والتي غيّرت في وجهة الرأي العام الخارجي.
من كل ذلك تقول المصادر الدبلوماسية إن الوضع في سورية أمام أحد خيارين، إما استمرار الصراع لفترة ليست بالقصيرة وسورية قادرة على الصمود، وإما حصول تسوية دولية في غضون الأشهر المقبلة لم تتضح كل معالمها إلى الآن. لكن هناك مؤشرات أولية لها بينها ما حصل في جنيف أخيراً من محادثات روسية ـ أميركية حملت بعض التوافقات التي يمكن البناء عليها في المرحلة المقبلة، وما جرى تداوله أيضاً من احتمال حصول اتفاق بين إيران والدول الخمس الكبرى مع ألمانيا حول البرنامج النووي الإيراني، مع العلم أن المصادر الدبلوماسية تتحدث عن وجود تواصل أميركي ـ إيراني غير مباشر حول مجموعة واسعة من الملفات الإقليمية والدولية.