أولويات الرئيس رئيسي في ملفّات السياسة الخارجية
صحيفة الوفاق الإيرانية-
حامد أبو العز:
ليست المرة الأولى التي يؤكد فيها رئيسي أهمية إقامة علاقات مع دول الجوار، كما أنها ليست المرة الأولى التي يؤكد فيها أنّ إقامة هذه العلاقات هي المحور الرئيسي والأهم في سياساته الخارجية، فهل من مستجيب؟
وسط وفود رسمية من أكثر من 115 دولة، أدى الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي اليمين الدستورية في مجلس الشورى الإسلامي. إذا ما قمنا بتجاهل التنظيم الرائع لهذا الحدث المهم، فإنَّ الأمر اللافت للإنتباه هو الكمّ الهائل من الرسائل والتوضيحات حول السياسة الخارجية التي حملها خطاب القسم.
العلاقات مع المحيط الإقليمي
ليست المرة الأولى التي يؤكد فيها الرئيس رئيسي أهمية إقامة علاقات مع دول الجوار، كما أنها ليست المرة الأولى التي يؤكد فيها أنّ إقامة هذه العلاقات هي المحور الرئيسي والأهم في سياساته الخارجية.
على دول الجوار أن تتمتع بالحكمة والتخلّي عن أوهامها بالولايات المتحدة الأميركية و”إسرائيل”. عليها التعامل بواقعية مع التحولات الجديدة في الشرق الأوسط؛ هذه التحولات القائمة على خروج الولايات المتحدة من المنطقة. على الدول الإقليمية أن تدرك أن طهران لا تمثّل خطراً على مصالحها، ولا تتدخّل في شؤونها الداخلية، وتاريخها يشهد لها بذلك.
بعض الدول العربية على وجه الخصوص تركز على تعزيز العداوة مع إيران، رغم أنَّ الجمهورية الإسلامية لم يصدر عنها إلا الدعوة إلى الحوار والأخوة الإسلامية. ويبدو أنّ هذه الدول تجاهلت كل ما تقوم به الدول الإقليمية والعالمية بتدخلها في شؤون الدول العربية ومحاولة زعزعة استقرارها.
على سبيل المثال، خلّفت حرب السعودية الطائشة على اليمن المظلوم (التي استمرَّت 2300 يوم، ولا تزال قائمة) أكثر من 17176 شهيداً مدنياً، بينهم 3842 طفلاً. وتم تدمير 15 مطاراً، و106 ميناء، و553 شبكة اتصالات، و2397 شبكة توزيع مياه. كما قامت بتدمير أكثر من 1110 مدرسة و1446 مسجداً، ناهيك بانتشار الجوع وتردّي الأوضاع الصحية في هذا البلد الفقير إلى مستويات غير مسبوقة في العالم. كما اتضح دور الإمارات والسعودية في انقلاب الأردن، ودفع السودان نحو التطبيع مع “إسرائيل” والتدخّل في ليبيا.
تركيا التي تستخدم بروباغندا إعلامية واسعة تدخّلت في الحرب السورية، ودعمت مجموعة من إرهابيي “النصرة”، وهي تدعمهم إلى هذه اللحظة، كما تقيم العديد من السدود على نهري الفرات ودجلة، ما تسبَّب بجفاف وتلف في المزروعات وشحّ في مياه الشرب في كلٍّ من سوريا والعراق.
الاتفاقيات الدولية تؤكد حق دولة المعبر والمصبّ، ولكن تركيا استغلّت الفوضى لتحقّق أهدافها الخاصّة. كما يتم الترويج لتركيا على أنها داعم لفلسطين، ولكنها في الواقع لم تقدم فلساً واحداً أو صاروخاً واحداً لفصائل المقاومة. أغلب الدعم جاء من محور المقاومة، وعلى رأسه إيران.
لا توجد حالة واحدة تظهر تدخّل إيران في شؤون هذه الدول. لقد تدخّلت في سوريا بناء على طلب من الحكومة المنتخبة، وكان تدخّلها لمحاربة عناصر “داعش” و”النصرة”. كما أنَّها تدعم وستظلّ تدعم فصائل المقاومة بالسلاح والمال، نظراً إلى أنَّ المقاومة هي آخر معقل لمنظَّمات التحرر الوطني ضد محتلّ غاشم.
ولعلَّ جلوس قادة المقاومة في الصف الأول في مراسم اليمين الدستورية، وجلوس مندوب الاتحاد الأوروبي وغيره في الصفوف الخلفية، خير دليل على احترام إيران للمقاومة والشعوب المظلومة ودعمها لهم.
رغم كلِّ ما قيل ويقال، فإنَّ إيران اليوم تمدّ يد الصداقة والأخوة الإسلامية إلى دول الجوار، فهل من مستجيب؟
ملف الاتفاق النووي
توقع البعض أن يقوم رئيسي بإنهاء العملية التفاوضية في فيينا، ولكنه أكد أنه سيبذل قصارى جهده لرفع العقوبات الظالمة عن الشعب الإيراني، إلا أن المفاوضات، بحسب قوله، يجب أن تأخذ شكلاً آخر، إذ إنها يجب أن تتقيد بما طلبه قائد الثورة في إيران، وهي مفاوضات لرفع العقوبات كافة، على أن يتم التأكد من رفعها. بعد ذلك، ستكون إيران جاهزة لتطبيق جميع تعهّداتها. وفي غير هذه الحالة، فإنَّ المفاوضات لا معنى لها.
يجب على الدول الغربية والولايات المتحدة أن تفهم أن سياسات العقوبات والتهديد لم تعد تُجدي نفعاً، إذ إنَّ القابع في القصر الرئاسي اليوم يؤمن برفع العقوبات، ولكنه في الوقت نفسه يؤمن بالاكتفاء الذاتي وتشجيع الصناعات المحلية، ما سيدفع بالعقوبات إلى سلّة المهملات.
ملفّ حقوق الإنسان
أكد الرئيس الإيراني مرةً أخرى أنه مدافع عن حقوق الإنسان في الجمهورية الإسلامية الإيرانية. الرجل، وبحكم تواجده في السلطة القضائية، أثبت بالفعل أنه مدافع عن حقوق الإنسان. الملاحظ أثناء خدمته في السلطة القضائية أنه أطلق سراح العديد من السجناء الذين ارتكبوا جرائم غير عمدية. كما قام بنفسه بمتابعة ملف الإفراج المشروط أو السماح للمساجين بقضاء عطلات خارج السجن مع عائلاتهم.
كما أكد رئيسي أن الجمهورية الإسلامية تقف إلى جانب الشعوب المظلومة أينما كانت، سواء في أوروبا أو أميركا أو أفريقيا أو سوريا أو في أي مكان حول العالم. هذه هي رسالة الجمهورية الإسلامية.
في الجانب الآخر، نرى أن بعض وسائل الإعلام الغربية أو حتى العربية منها تتهم رئيسي باتهامات كاذبة لم يثبت أي منها، ولا تقدّم أي دليل عليها. إنَّ صحفاً مثل “التلغراف” و”ديلي ميل” وغيرها.
وللعجب، بحثنا في تاريخ الصحف الغربية عن جورج بوش الابن والأب أو نتنياهو أو غيرهم من الجزارين، فلم نجد أوصافاً مثل “السفاح” أو “القصاب”، بل وجدناها تصفهم بالرئيس أو رئيس الوزراء. إنَّ الكيل بمكيالين هو ما يميز هذه الصحف؛ تتهم من دون أدلة، وتتغاضى عمن ارتكب جرائم ضد الإنسانية في فلسطين والعراق وسوريا وأفغانستان!
في خلاصة لما تقدم قوله، أكد رئيسي فتوى الإمام خامنئي بأنَّ امتلاك سلاح نووي حرام شرعاً، وأن إيران لا تسعى لامتلاك سلاح نووي. إيران تعتمد على شعبها، وتسعى لإقامة علاقات صداقة تجمعها مع الدول المجاورة، وهي قادرة على فعل ذلك إذا ما رغب الآخرون.