أوروبا العجوز بين أزمة الطاقة وحرب الوكالة
صحيفة الوطن السورية-
الدكتور قحطان السيوفي:
كانت إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب تعتمد سياسة تهميش وتقزيم الحلفاء وفي مقدمهم الاتحاد الأوروبي، وجاءت إدارة الرئيس الحالي جو بايدن لتدفع دول أوروبا العجوز نحو التضامن ولتورطها في الحرب الأوكرانية بحجة دعم ومساندة حكومة أوكرانيا في حرب بالوكالة ضد روسيا، حيث أصبحت دول أوروبا، التي لديها أصلاً متاعبها الاقتصادية، تعاني من تداعيات الحرب المؤلمة كالتضخم وارتفاع الأسعار، وتستنزف مواردها المالية في تمويل ثمن السلاح المقدم لأوكرانيا، واحتلت إمدادات الطاقة الروسية الصدارة بمواجهة أوروبا العجوز.
تعتبر روسيا مصدراً رئيساً من مصادر الطاقة العالمية، كثاني منتج للنفط الخام في العالم، وأكبر مصدري الغاز في العالم بما يقارب 238،1 مليار متر مكعب بفارق كبير عن الولايات المتحدة التي تحل في المرتبة الثانية، ومع بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، اتضح الموقف الأوروبي وعدم قدرته على الانخراط الكامل في تطبيق العقوبات الأميركية، وخاصة في مجال الطاقة لكونه يعتمد في أكثر من ثلث استهلاكه على روسيا.
طبق الاتحاد الأوروبي حظراً على واردات الفحم الروسية، لكنه يواجه صعوبات كبيرة جداً في استبدال إمدادات النفط والغاز، والعملية العسكرية الروسية في أوكرانيا والعقوبات الغربية هزت الثقة بين روسيا والاتحاد الأوروبي، إن لم نقل أوصلتها إلى الحضيض، لأن الدول الأوروبية تعتمد على روسيا في جزء كبير من احتياجاتها من الغاز.
هذا الأمر لفت أنظار دول الاتحاد الأوروبي إلى مراجعة سياستها المتعلقة بالاعتماد على مصادر الطاقة الروسية وخاصة ما يتعلق بالغاز، وتنويع مصادر الحصول على الطاقة، أما الولايات المتحدة فأعلنت حظر استيراد النفط من روسيا.
من ضمن المشاريع الأوروبية المقترحة، ترشيد الاستهلاك واللجوء إلى المصادر المتجددة للطاقة كالشمس والرياح، بهدف التقليل الدائم من التعرض لإمدادات النفط والغاز المتقلبة من الناحية الجيوسياسية.
تنقسم دول الاتحاد الأوروبي حول توقيت الاستغناء عن الطاقة الروسية، بعض هذه الدول يطالب بحظر واردات النفط الروسي، والبعض الآخر يرفض أو يحذر، وهذا كان موضوع اجتماع وزراء الاتحاد الأوروبي في أوائل شهر أيار الجاري، بروكسل تعمل على تصعيد العقوبات على موسكو ومحاولة فرض حظر تدريجي على واردات النفط من روسيا وسط تصاعد الضغط الأميركي لإيجاد إمدادات بديلة، وللحد من تدفق الإيرادات لروسيا يواجه الاقتصاد الألماني خسارة نحو 429 مليار يورو، إذا توقفت إمدادات الغاز الطبيعي الروسي بشكل فجائي، وفقا لدراسة أجراها الاسبوع الماضي مستشار للحكومة الألمانية، وهذا سيجعل ألمانيا تميل للتريث بفرض حظر فوري من جانب الاتحاد الأوروبي على جميع واردات الطاقة الروسية.
المجر ترفض حظر استيراد النفط والغاز الروسيين، ويعتزم رئيس الحكومة المجرية، مناقشة القضية في قمة الاتحاد الأوروبي في بروكسل نهاية أيار، كما حذرت إسبانيا والبرتغال وإيطاليا واليونان من أن القرار سيتسبب في ارتفاع أسعار الوقود بشكل كبير، واقترحت بلغاريا واليونان وقبرص ومالطا فترة انتقالية أطول لإيجاد بدائل للنفط الروسي، وأفشلت هنغاريا مؤقتاً اقتراحاً قدمته المفوضية الأوروبية في 4 أيار حول وقف استيراد النفط الروسي.
توجد مؤشرات توحي بأن هناك صعوبة في إيجاد بدائل متاحة، بما فيها البدائل الخليجية، ويظل استغناء أوروبا عن الإمدادات الروسية مهمة مكلفة، إذ سيتطلب فصل الاتحاد الأوروبي عن واردات الغاز الروسي إنفاقاً سنوياً إضافياً لا يقل عن 170 مليار يورو على إنتاج الطاقة المتجددة على مدى 6 سنوات، وفقاً لباحثين من شركة «Allianz» الألمانية، بالمقابل ارتفاع أسعار السلع الأساسية وأزمات سلاسل التوريد يزيدان من تعقيد تكلفة الطاقة المتجددة لمزارع الرياح والطاقة الشمسية، كما أن نقص العمالة الماهرة ومعارضة المجتمع لمزارع الرياح، تزيد الأمر تعقيداً.
الحرب الأوكرانية زادت من اهتمام أوروبا بقدراتها العسكرية، إلا أن قدرتها على منافسة القوى العسكرية الثلاث الأولى في العالم أي الولايات المتحدة والصين وروسيا مازالت بعيدة، ورغم قرار بعض دول الاتحاد رفع ميزانية الإنفاق العسكري.
إن إمدادات الطاقة قضية معقدة جداً بين روسيا ودول أوروبا، تحكمها عوامل اقتصادية وسياسية وجيوسياسية، ومصالح وجودية، ويعتقد الخبير الألماني المتخصص في الشؤون الروسية هانيس أدومايت، أن هناك ما يمكن تسميته بـ«التبعية المزدوجة» بين كل من روسيا والدول الأوروبية، إذ إن اعتماد موسكو على الزبائن الأوروبيين الأغنياء لا يقل أهمية عن اعتماد هؤلاء على الطاقة الروسية.
لذلك روسيا لم تقطع إمداداتها من الطاقة لأوروبا، وفي المقابل لم تستطع أوروبا العجوز الاستغناء عن مصادر الطاقة الروسية المختلفة، وليس سراً أن الغاز على وجه الخصوص يعد سلاحاً فعالاً تملكه روسيا وتستطيع استخدامه بأوجه مختلفة كورقة ضغط سياسية واقتصادية، في المقابل دول أوروبا العجوز المتضامنة تحت الضغط الأميركي والمنقسمة، تحاول بصعوبة التخلص من موارد
الطاقة الروسية وستعاني أوروبا العجوز المزيد من الصعوبات بين أزمة الطاقة، والاستنزاف اقتصادياً بسبب تورطها بالحرب بالوكالة في أوكرانيا.